عاكف الفايز .. بدوي لم يخلع عباءته
كان كافيا ان ينتسب لوالد بمواصفات الشيخ مثقال الفايز ، احد ابرز رجالات شرقي الاردن مطلع القرن العشرين ، وأحد ابرز شيوخ العشائر الذين استقبلوا الامير المؤسس عبد الله بن الحسين في مطلع عشرينيات القرن الماضي في عمان ، لكن عاكف الفايز ، ابن عشيرة بني صخر ، استظل بمكانة والده وحضوره السياسي والاجتماعي ، ليؤسس لنفسه مسارا سياسيا يتواءم ومنطلقات الامارة التي تحولت الى مملكة ، حين كان ذلك الشاب المندفع ، يحط قدمه في بداية مشواره السياسي الذي امتد لاكثر من خمسين عاما .
مفارقات كثيرة ميزت عاكف الفايز عن اقرانه في تلك المرحلة ، فهو لم يلد في البادية حيث مضارب عشيرته الممتدة على مرمى البصر ، انما ولد في عمان ، التي كانت تستعد لاقتحام المستقبل من بوابة اختيارها عاصمة للامارة ، ودرس في مدارسها وقدر له اكثر من مرة ان يلتقي الامير المؤسس ، وان يذهب مطلع الأربعينيات للدراسة في جامعة عاليه بلبنان ، ويتعرف فيها إلى عدد من رموز التيار القومي الذي انتمى له عاكف الفايز ، واذا كانت الحكومة الاولى التي شارك فيها عام 1957 هي التي فرضت الاحكام العرفية وحلت الاحزاب السياسية ، فقد ذهب مطلع التسعينات لتأسيس حزب سياسي .
ولد عاكف الفايز عام 1924 ، وتشير بعض الاوراق ان ولادته كانت عام 1920 ، وفي عام 1945تسلم موقع نقيب المزارعين ، ليكون هذا الموقع بوابته للعمل السياسي ، ليتسلم في العام 1946 منصب رئيس التشريفات الملكية ، ليخوض انتخابات البرلمان الاول عام 1947ويحجز مقعده وهو في مطلع العشرينات من عمره.
منذ دخوله في مجلس النواب الاول عام 1947وحتى صدور قرار حل مجلس النواب العاشر عام 1988 ، حجز عاكف الفايز مقعده في ثماني برلمانات حتى صار واحدا من ركائز السلطة التشريعية في البلاد ، قاد فيها مجلس النواب لعشر دورات ، وهي فترة قياسية ، اذا ما قورنت بغيره من السياسيين .
وعندما تم حل البرلمان بعد مؤتمر قمة الرباط عام1974 ، اختير عاكف الفايز عضوا في مجلس الاعيان ، ليحجز مقعده في المجلس لخمس دورات ، انتهت باستقالته من مجلس الاعيان السادس عشر عام ,1991
واذا كان الرئيس ابراهيم هاشم قد اختاره للمرة الاولى وزيرا للزراعة في حكومته الخامسة التي شكلها عام 1957 ، بعد الاضطراب السياسي الذي تسبب به اقالة حكومة الرئيس سليمان النابلسي ، فان ابواب الحكومات اللاحقة ظلت مفتوحة امام هذا الشاب البدوي المندفع ، حيث زاوج في احيان كثيرة بين النيابة والوزارة .
شغل عاكف الفايز مناصب وزارية متعددة في عشر حكومات شكلها سبعة رؤساء ، استقال من ثلاث حكومات قبل ان تنتهي ولايتها ، وهي حكومات بهجت التلهوني الاولى ، والشريف حسين بن ناصر الاولى ، وبهجت التلهوني الرابعة ، فيما توزعت الحقائب الوزارية التي تسلمها بين الزراعة والدفاع والداخلية والمواصلات والانشاء والتعمير والشؤون الاجتماعية والعمل وشؤون رئاسة الوزراء والاشغال العامة والسياحة والاثار ، فيما اسند اليه الرئيس عبد المنعم الرفاعي منصب نائب الرئيس في حكومته الاولى .
وتشير الوثائق الحكومية ان الوزارة الخامسة للرئيس ابراهيم هاشم التي شغل فيها عاكف الفايز ثلاث حقائب وزارية هي الزراعة والانشاء والتعمير والدفاع ، هي الحكومة التي فرضت الاحكام العرفية عام 1957ووقعت على الاتحاد العربي مع العراق في شباط 1958 ، فيما لم تحصل حكومة الرئيس سمير الرفاعي السادسة التي تسلم فيها الفايز حقيبة الاشغال العامة والمواصلات على ثقة البرلمان ، ووقع عدوان حزيران عام 1967في زمن حكومة الرئيس سعد جمعة الاولى التي تسلم فيها الفايز حقيبة المواصلات والسياحة والاثار ، في وقت كان يشغل فيه حقيبة الزراعة والشؤون الاجتماعية في حكومة الرئيس هزاع المجالي عندما تم اغتياله عام ,1960
كان آخر منصب وزاري يشغله عاكف الفايز في الحكومة الثانية للرئيس عبد المنعم الرفاعي ، ايام تصاعد حدة التوتر بين الحكومة والمنظمات الفدائية عام 1970 ، وهي الحكومة التي سبقت تشكيل الحكومة العسكرية ، ليكتفي في السنوات العشرين اللاحقة بمقعده في مجلسي النواب والاعيان وفي رئاسته لمجلس النواب اكثر من مرة .
بعد الغاء الاحكام العرفية وعودة الحياة الحزبية للبلاد بعد انتخابات البرلمان الحادي عشر ، قام عاكف الفايز مع مجموعة من اصدقائه وزملائه بتأسيس حزب اطلقوا عليه اسم"الوطن"مستفيدين من مناخ الانفراج السياسي السائد ، ليتم انتخابه عام 1993رئيسا للحزب ، الذي قام مع مجموعة من الاحزاب الوسطيه بالاندماج معا صيف العام 1997ليتشكل الحزب الوطني الدستوري ، لكن عاكف الفايز لم يتسن له العيش طويلا لممارسة حياة حزبية تختلف في سلوكياتها عن الوظائف الرسمية العديدة التي شغلها ، فقد توفي في الثامن من شباط عام 1998 ، لتكتب عنه الوثائق الرسمية بانه اول بدوي يتسلم رئاسة مجلس النواب ، وقد نال العديد من الاوسمة الاردنية والعربية والاجنبية الرفيعة .
المصدر: منتدى السرحان - من قسم: رجالات أردنية ومواقف وطنية