البيئة التعليمية وأثرُها في تعزيز الأمن
الأمن هو مبتغى الشعوب، وأغلى أمانيها، الأمن يُبذل من أجله الغالي والنفيس، والأمن به تحفظ الأعراض وتحرس معه الأموال؛ لأنه لا حياة ولا استقرار بلا أمن!!، فمتى كان الإنسان خائفاً؛ فإنه لن ينعم بطعام ولا شراب، أوعلم أو صناعة.
والله تعالى قرن نعمة الطعام بنعمة توفر الأمن {الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ{بل إن الله امتن على هذه الأمة بدعوة الخليل إبراهيم عليه السلام بقوله:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا....}من أجل هذا جاءت شريعة الإسلام مقررة هذا الأمر؛ بل والمحافظة عليه، وأكدت هذا الأمر من خلال نصوص الكتاب والسنة والتي بينت الحكمة من التشريع، والغاية من التنزيل؛ وهو الحفاظ وصون ما يسمى بالضرورات الخمس (الدين، والنفس ، والعقل، والنسل، والمال)، فكل تشريعات الإسلام، وأوامره ونواهيه، وقواعده وواجباته، جاءت لتأكيد هذا الأمر، فحرم الإسلام الشرك بأنواعه، صيانة لجناب التوحيد وحرم القتل والترويع والتهديد، حفاظاً على النفس المعصومة، وصيانة لكرامة الإنسان، وحرم المسكرات والمخدرات، صيانة للعقل الذي ميز الله به بني آدم عن بقية المخلوقات، وحرم الزنى والفواحش، صيانة للأعراض والأنساب، وحرم السرقة والربا والغش والتعدي على الأموال والمكتسبات أو إتلافها، كل هذا صيانة لأموال الناس وحماية لمعاشهم، فالأمن في الإسلام ذو شأن عظيم ومقصد نبيل، به يُرفع للدين راية وللإسلام منارة.
والأمم تتسابق في توفير الوسائل، وتهيئة السبل بل وتبذل كل ما تستطيع من عُدة وعتاد، من أجل الأمن وإرساء الاستقرار، ونحن في هذه البلاد (المملكة العربية السعودية) نعيش في أمن وأمان، وراحة واستقرار والذي تتمناه وتتطلع إليه كثير من الدول؛ وكل هذا بفضل الله ثم التمسك بهذا الدين عقيدة وشريعة، وكذلك ما وفرته هذه البلاد وجندته من مال ورجال، ووقت وجهد من أجل إرساء هذا الأمر وتثبيته من خلال رجال الأمن والعيون الساهرة على أمن الوطن والمواطن، فإذا كان هذا هو دورهم وواجبهم، فهناك رجالٌ في الميدان عليهم واجبٌ لا يقل أهمية عن واجب إخوانهم رجال الأمن ألا وهم رجال التربية والتعليم؛ وذلك من خلال غرس مفهوم الأمن في نفوس الناشئة، وبيان أهميته، وإيضاح آثاره وكذلك نتائج زعزعته أو انعدامه، من خلال إلقاء الدروس اليومية أو المحاضرات التربوية، المبنية على نصوص الكتاب والسنة، وأقوال السلف الصالح التي تبين منزلة حب الوطن والانتماء إليه في النفوس، وأهمية الأمن ومكانة الاستقرار في الأوطان، ومدى أثر ذلك على عبادات المسلم ومعاملاته، ورزقه ومعاشه، بل وحياته كلها. كذلك المقررات الدراسية لا بد أن يكون لها النصيب الأوفر في غرس حقيقة المواطنة الصالحة والتي تعني الأخوة الصادقة، والمحبة والألفة، والاجتماع والوحدة، ونبذ التفرق والعصبية، أو الخروج على جماعة المسلمين وإمامهم، أو تفريق كلمتهم والعمل على زعزعة وإثارة ما يضعف هذه الوحدة، و يشتت هذا الاجتماع، لا بد من غرس هذا المفهوم، أعني مفهوم الأمن والمحافظة على المكتسبات قولاً وفعلاً من خلال الممارسات اليومية في البيت والمدرسة والمجتمع والتأكيد على أهمية المحافظة على الضرورات الخمس وبيان عظم شأنها ومدى أثرها. وعلى وكالة التطوير التربوي العبء الأكبر في بث هذه القضايا والموضوعات في مقرراتها وكذلك إدارات التربية والتعليم عليها تدريب كوادرها ومنسوبيها وتذكيرهم بهذا الأمر، لذا تجد المرء يتساءل ما نصيب المواضيع التي تبين الضرورات الخمس وأهميتها في مقرراتنا؟! وأين موقع القواعد الفقهية من الميدان التربوي؟!! نعم إن المتأمل في الميدان التربوي سواء المقررات أو العاملين لا يجد تفعيلاً أو نشراً لهذا الثقافة (ثقافة الأمن) إلا ما ندر!! فأين قاعدة (لاضرر ولاضرار)؟ أو قاعدة (درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة)؟ أين مناهجنا من (فقه الأولويات)؟ وفقه (إنكار المنكر ومراتبه) أين مناهجنا من فقه (منزلة الذمي والمعاهد في الإسلام ومنهجية التعامل معه) إنها قواعد تؤصل الأمن وتثبت أركانه، وتزيل الفوضى والاضطراب، لا بد من نشر ثقافة القواعد الفقهية، المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بين منسوبي التعليم وتفعيلها في الميدان التربوي من خلال المقررات الدراسية والأطروحات الدينية التي يلقيها أصحاب الفضيلة العلماء في المحاضن التعليمية، فالإسلام يقوم على الأولويات وعلى أركان وواجبات ومسنونات، والإسلام قدم درء المفسدة على جلب المصلحة قال تعالى:{وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ..}فنهانا الله عن سب آلهة المشركين مع أنها باطلة؛ لئلا يُسب الله تعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم امتنع عن هدم الكعبة وبنايتها على قواعد إبراهيم؛ لأن قومه قريب عهد بجاهلية. فدفع المفسدة أولى من جلب مصلحة قد تؤدي إلى مفسدة عظمى، لا بد من نشر لغة وثقافة الحوار وكيفية خطاب المخالف وآداب التعامل معه في مناهجنا وآليات تعليمنا.
لذا فإن تعزيز مفهوم الأمن بجميع أنواعه فكرياً واجتماعياً واقتصادياً يبدأ من البيت ويعزز مفهومه من المدرسة من خلال منهجية مؤصلة قائمة على قواعد فقهية راسخة مدعمة بالدليل الشرعي، ذات رؤى مستفيضة تؤمن بالسُنن وتحيط بالواقع وتتشرف المستقبل وتفكر في العواقب والغايات.
البيئة التعليمية وأثرُها في تعزيز الأمن
________________________________________
معادلة الأمن المجتمعي
يظل الأمن قضية ترتبط بقطبين أساسين يتّحدان في الهدف ويتشاركان في المهمة، فالقطب الأول تمثله أجهزة الأمن، والثاني يمثله المجتمع على مختلف أطيافه، فالأمن مطلب ضرورة واستقامة حياة يضطلع به الكل من أجل الكل، فلم يعد الأمن حبيس مفهوم فرض كفاية يقوم به رجال الأمن ويسقط عن باقي أروقة المجتمع من منطق أن الأمن مسؤولية جماعية يشارك في استتبابه الفرد والجماعة مع أجهزة الأمن لتتوازن معادلة المسؤولية الأمنية التي تقوم على أساس نظرية تكاملية بين مجهود أمني وآخر مجتمعي متناسق الأدوار، إن الصورة النمطية السائدة في مجتمعنا أن تلك الأجهزة هي وحدها المسؤولة عن حفظ الأمن وتتحمل تبعاته وربما تكونت هذه الصورة بسبب أن تلك الأجهزة كانت تقوم بمهامها في نطاقات محدودة ومهام تقليدية لم تعد كافية في غياب الدور الوطني. فعالم اليوم وحضارته وما أدراك ما حضارته وعصرنا ومتغيراته ويالها من متغيرات تلونت فيها المعاملات وتقولبت فيها المفاهيم عصر تطورت فيه وسائل الجريمة وأساليب الانحراف، لقيت فيه الجريمة مرتعاً للتكاثر في محاضن الانحراف وظلاميات الأفكار الملوثة حيث سادت في أتون مجاهلها أنواع وأشكال من الجريمة المنظمة وأعمال العنف والعمليات الإرهابية التي لا نكاد نصحو يوماً إلا على جديد فواجعها تستهدف الآمنين وتوقع بالأبرياء مما ضاعف مسؤولية الأجهزة الأمنية الأمر الذي استوجب أن يتطور تبعاً لها المنظور الأمني ليتم التعامل معها وفق منهجية عمل أمني تنازله في ساحة المواجهة بعزم وقدرة من خلال جهود متضافرة في سياق تعاون بين المؤسسة الأمنية والفعاليات الوطنية بمشاركة فاعلة وبحس وطني متناغم مع متطلبات مواجهة زخات العنف وتحديات موجات أعمال الإرهاب الممقوت شرعاً والمرفوض قانونا المستنكر عرفاً، ولكي تتحقق المعادلة الأمنية كان لا بد من حشد الهمم الوطنية لتتلاقى هموم الأمن في دائرة الوطن، فالوطن غلاوته تاج الهامات، الوطنية شعور ذو جذور تجذرت بالأرض، والمواطنة إحساس تعمق بالنفس ولامس الروح يترجمها المواطن قولاً صادقاً ويصوغها عملاً مخلصاً لبناء سياج أمني متعادل القوام.
أما بعد
البيئة المدرسية
ومن العناصر الرئيسة في تأخر التعليم (البيئة المدرسية)، باعتبارها محضناً تربوياً يأوي إليه الطلاب يومياً، ويقضون فيه أفضل أوقات يومهم، وكلما كانت هذه البيئة ممتعة مشوقة جذابة غنية بمثيراتها ومستلزماتها التعليمية، كلما كانت انعكاساتها إيجابية على انجذاب الطلاب للمدارس وحبهم لها، يشتاقون إليها شوقاً عارماً متجدداً، يقبلون إليها يومياً بكل حيوية وبشر، لأنهم يجدون فيها ما يثري خبراتهم، ويلبي حاجاتهم، العقلية والنفسية والبدنية. ولكن ما مدى جاذبية مدارسنا؟ وهل يتوافر فيها ما يعد من الضرورات التربوية والتعليمية؟ الجواب معلوم لدى كل من زار مدرسة لمتابعة أبنائه، والعجب كل العجب أن القيم الإنشائية لبناء هذه المدارس عالية، ومع هذا، لا يتوافر فيها ملاعب، لا أقول: ملاعب مزروعة، فذاك حلم سوف يطول انتظاره، ولا ملاعب سلة أو طائرة أو مسابح، فهذه الملاعب ليست في قائمة الحلم أصلاً، كل ما هو مطلوب، تسوية للأرض الفضاء، وإزالة الأحجار والمعوقات الأخرى التي تؤذي الطلاب أثناء اللعب على الأرض الترابية، كذلك لا تتوافر في المدرسة مظلة تقي الطلاب من حر الشمس ولهيبها، وبرد الشتاء القارس وزمهريره.
المختبرات والمعامل في المباني الجديدة مجرد صناديق فارغة، سوى من بنشات - أحياناً - والسبب أن أمر تجهيز المختبرات تتجاذبه رؤيتان، فهناك من المختصين من يرى - وهم الأغلب - تمكين الطلاب من إجراء التجارب حية، وهناك قلة ترى إمكان أن يكون التجريب افتراضياً فيما يسمى (المختبرات المحوسبة)، وحتى يبت في أي الرؤيتين أصوب وأصلح، أجل تأثيث مختبرات المدارس الجديدة، ولا شك أن الرؤية الأولى هي الأصلح والأصوب.
وما زالت التصاميم الهندسية للمدارس مجرد تصاميم كربونية تستنسخ من عشرات السنين دون تطوير أو تجديد، حتى المباني سابقة الصنع التي طرحت مؤخراً، لا تختلف عن سابقتها إلا في زيادة كلفتها المالية، ومحدودية المقاولين الذين يتعاملون فيها، مما أدى إلى ارتفاع كلفة بنائها، ولقد تنبهت وزارة المالية لذلك وأوقفتها مشكورة، كل هذه المباني مجرد صناديق إسمنتية فارغة من المثيرات والمرغبات التربوية والتعليمية، ويا ليت هذه الصناديق محكمة، بل هي مفتوحة للسموم والغبار والشمس والمطر، وكل ما يعوق الاستفادة الحقة منها بصفتها بيئة تربوية تعليمية.
أما المقاصف فبدأت تتحسن شكلاً ومضموناً في بعض المدارس التي أوكل أمر تشغيل مقاصفها إلى مؤسسات متخصصة في التغذية المدرسية.
هذه المكونات الرئيسة والمهمة في كل بيئة مدرسية تعد من الضرورات التربوية التي تكمل منظومة العملية التعليمية في المدرسة، ولا يمكن تصور مدرسة تعنى بتربية العقول فقط، وتهمل تربية الأبدان والأجسام، لما بينهما من ترابط وتكامل، وتأثير وتأثر، لكن هذا هو واقع الحال في جل المدارس إن لم يكن كلها، فصول دراسية يتنقل الطلاب بينها خلال برنامجهم الدراسي اليومي الذي يتراوح بين ست حصص إلى سبع، وساحات جرداء لا تتوافر فيها أدنى الإمكانات والمستلزمات الضرورية لممارسة الرياضة البدنية، ولهذا انعكاساته على نفسيات الطلاب وشوقهم إلى المدارس، وبالتالي له تأثيره على تحصيلهم العلمي.
لذا يجب أن تعطى البيئة المدرسية عناية وأولوية، بأن توفر فيها المرافق التربوية اللازمة، من منشآت رياضية وترويحية، وتجهيزها بالمستلزمات التعليمية الضرورية التي تحقق الفائدة منها، عدا هذا، علينا أن ننتظر المزيد من الضعف في دلالات الكفاءة الداخلية لمؤسسات التربية والتعليم الأولى (المدرسة) لأنها تفتقر إلى ما يمكنها من الإسهام الإيجابي والمتكامل في بناء شخصيات الطلاب وفق غايات التعليم وأهدافه.