دور الإدارة المدرسية في تعزيز الانتماء الوطني لدى الطلاب
مقدمة:
لقد نشأت غريزة الانتماء مع الإنسان منذ ولادته، فقد بين لنا الشرع الحنيف أن أول انتماء ينشأ لدى الإنسان هو انتمائه للدين الحنيف، متمثلاً ذلك في قول النبي: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، بمعنى أن فطرة اللّه التي فطر الناس عليها هي فطرة الإسلام، مما يدل على أن أول انتماء تتوجه إليه البشرية هو دين الإسلام. وانتماء المسلم لدينه لا يتعارض مع انتماءاته الأخرى مثل انتمائه لوطنه أو أسرته أو عشيرته ..الخ، مادام أن ذلك في حدود ما شرعه الله في كتابه وسنة رسوله محمد. فمثلاً الانتماء للأسرة أمر ملزم يحرم تجاهله قال تعالى (ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ..) سورة الأحزاب آية (5). وفي المقابل نجد أن الانتماء إلى الوطن يتمثل في قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) سورة البقرة آية (126). وفي سنن الترمذي جاء في حب الوطن قول الرسول عن مكة: (ما أطيبك من بلد وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك). (سنن الترمذي:ج5:723).
ويشير الفراج (1429هـ) إلى أن الإسلام قد اعتبر الانتماء من أهم الحاجات الإنسانية، كما جعل الانتماء قضية إيمان وحياة لا يكتمل الإيمان إلا بها ولا تنهض أمة إلا عليها.
إن تحقيق المواطنة في نفوس الناشئة من أهم المسببات التي تساعد على تحقيق أمن واستقرار الوطن وتطوره، فلن يتحقق الرقي والتقدم إلا بسواعد وعقول مواطنيه. وحيث أن تنمية المواطنة لدى النشء من أهم سبل مواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين، كون المواطنة ليست مجرد قيمة وإنما هي ممارسة حية يمارسها المواطن على أرض الواقع عملياً في شتى المجالات. لذا فإن تعزيز الانتماء الوطني يُعد الركيزة الأساسية للمشاركة الإيجابية والفعالة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. ولكون مؤسسات التعليم هي المصنع الحقيقي لإعداد الطلاب وتأهيلهم للانخراط بفاعلية في المجتمع، لذا يجب أن تتحمل هذه المؤسسات الجانب الأساسي في تعزيز الانتماء الوطني (نوير، 2003م).
وتُعد المدرسة من أهم المؤسسات التربوية التي تؤدي دوراً بارزاً في المحافظة على القيم والسلوك والأفكار المنضبطة المعينة على تحقيق أهداف المجتمع وتطلعاته نحو تنمية شاملة مستدامة في شتى المجالات. كما أن لها دور في تشكيل سلوك النشء وتكوين المفاهيم الصحيحة وتعزيزها في أذهانهم بصورة تتوافق مع تطلعات المجتمع وغاياته. فهي مجال خصب لغرس التوجيهات السلبية والايجابية في نفوس الطلاب وترجمتها إلى سلوكيات عملية في واقع حياتهم، وتنمية الانتماء للأمة والوطن والولاء والطاعة لولاة الأمر بطريقة تربوية سليمة (الشهري،1428هـ). ومن ذلك فهي الجهة المسؤولة عن بناء الاتجاهات وضبطها بما يقوي البناء الاجتماعي ويعزز وحدته وترابط أجزائه من خلال برامج مقصودة ومدروسة (السليمان، 1427هـ).
وتأتي الإدارة المدرسية على هرم العناصر الرئيسة التي تقوم عليها المدرسة، ومنها تنطلق بقية العناصر الأخرى لتؤدي دورها المنشود فيما يحقق الأهداف التربوية والتعليمية المرسومة، ويظهر أثرها العملي في سلوك الطلاب والمعلمين، فمثلاً نجد المدير المنضبط في مواعيده وأعماله يحذو حذوه باقي زملائه العاملين معه ويبقي أثراً إيجابياً في نفوس الطلاب، وتكون مدرسته أكثر ضبطاً وانضباطاً سواء من قبل المعلمين أو الطلاب.
ولم يعد دور الإدارة المدرسية مقتصراً على الجانب الإداري بل تطور مفهومها إلى الاهتمام بالجوانب السلوكية، ويؤكد ذلك البوهي (2001م) في تعريفه للإدارة المدرسية بأنها: "جميع الجهود والنشاطات المنسقة التي يقوم بها فريق العاملين بالمدرسة الذي يتكون من المدير ومساعديه والمدرسين والإداريين والفنيين، بغية تحقيق الأهداف التربوية داخل المدرسة وخارجها، وبما يتمشى مع ما يهدف إليه المجتمع من تربية أبنائه تربية صحيحة وعلى أسس سليمة."
ويشير الحقيل (1414هـ، 66) إلى أن "الإدارة المدرسية في العصر الحديث اتجهت إلى تحقيق التنمية الجسمية والعاطفية والروحية والاجتماعية والسلوكية للطلاب." فتعزيز الانتماء الوطني لدى الناشئة يقوم على الجوانب السلوكية التي من المفترض أن ترعاها الإدارة المدرسية داخل محيط المدرسة، وتهتم بها وتؤكد على أهميتها، وتُوجد الطرق والوسائل المعينة على ترسيخها في نفوسهم.
ومن ذلك كله يتبين أهمية الدور الذي يجب أن تضطلع به الإدارة المدرسية في العمل على غرس تعزيز الانتماء الوطني لدى الناشئة، وما الأحداث الأخيرة التي تعرضت لها المملكة العربية السعودية من تخريب وتفجير وإفساد على أيدي فئة ضالة من شبابها إلا دليل واضح وأكيد على أن يعي القائمون على التربية والتعليم أهمية حمل الناشئة مسؤولية الرقي بوطنهم والمحافظة على مقدراته ومكتسباته والدفاع عنه قولاً وفعلاً، من خلال تفعيل دور الإدارة المدرسية تجاه الأخذ بالطرق والأساليب المناسبة لتعزيز وتثبيت انتمائهم لوطنهم، ولذا سيحاول الباحث من خلال هذا البحث إيضاح معنى الانتماء الوطني، والطرق والإجراءات والبرامج التي يمكن أن تقوم بها الإدارة المدرسية لتحقيق ذلك، ورصد الصعوبات التي تواجهها في تحقيق هذا الهدف.