• المعلم أولاً" المعلم امة في رجل
إن المعلم أمة في رجل، ومهنة التعليم ما زالت تحوطها هالة من القداسة، فهي مهنة الأنبياء والرسل، وحيثما يُذكر المصلحون الاجتماعيون فالمعلمون يأتون على رأس القائمة.
وإذا نظرنا إلى الموروث الأدبي والشعبي في ذاكرة الأمة العربية والإسلامية نجده مليئًا بالشواهد الحيوية الدالة على ذلك، وفي الآونة الأخيرة ازدادت أهمية المعلم، وفي وقتنا الحالي يزداد الاحتياج إلى دور أكثر فاعلية له، فوظيفته لم تعد تقتصر على نقل المعلومات إلى المتعلمين. بل أصبحت تتطلب ممارسة دوره القيادي، وأيضًا التخطيط للتدريس وتصميمه والإشراف عليه، ووضع أسس مناهج البحث العلمي وفقا للأساليب العلمية الحديثة، كذلك الإسهام الفعال في التشكيل الثقافي والأخلاقي للمجتمع، ولشخصيات المتعلمين خاصة.
هذا هو الوضع الصحيح والسوي، الذي يجب أن نتكاتف من أجله؛ لكن المتأمل لأوضاع المعلم في الوقت الراهن يرى صورة ضبابية لمكانته ، نراها تتصدع ويعتريها الذبول، ومن يأخذ على عاتقه مسؤولية تحليل هذه الأوضاع يستطيع أن يلمح بجلاء مظاهر تدني تلك المكانة، تتمثل في عدة نقاط منها:
- تدني رضا المعلم عن واقعه المهني، مما ينعكس سلبا على نفسيته، فيسيطر عليه الشعور بالإحباط وخيبة الأمل، ويحس دائما بأن آماله ومشروعاته في مهب الريح، وعلى الرغم من بساطة تلك الآمال إلا أنه ينظر إليها على أنها غير قابلة للتحقيق.
- تردي الأوضاع المادية للمعلمين التي تجبر الكثير منهم على الانجرار وراء الهوس الدائم عن الثروة- في بعض الأحيان- على حساب القيم الإنسانية التي يفترض أن يناضلوا من أجلها، كما يفعل الملتزمون منهم، فنرى البعض يمارس أعمالا إضافية لا تليق بمركزه العلمي والاجتماعي، وبذلك ينطبق عليه قول القاضي الجرجاني:
لو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس تعظما
,لكن أهانوه فهانـوا، ودنَّسـوا مُحيَّـاه بالأطمـاع حـتى تجهـمـا
وإلا ما معنى أن يعمل بعض المعلمين خارج أوقات عملهم( بائعا أو سائقا أو سمسارا في السوق أو مدرسا خصوصيًّا، يطرق أبواب بيوت الطلبة عارضا بضاعته عليهم وملتمسا فتات رزقه من بقايا موائدهم.
- إن سيادة مفهوم ارتباط مسألة الاحترام والتقدير الاجتماعي للمهنة بمقدار ما يكسبه صاحبها من مال وثروة، جعل العديد من الناس في مجتمعاتنا لا يحترمون غير من يملك المال، ولما كان وضع المدرسين المالي في مرتبة أقل الناس مالا؛ فإنهم بلا شك بدؤوا يواجهون معضلة عدم احترامهم وتقديرهم من قِبَل بعض أفراد المجتمع، وهذا للأسف وضع مغاير كثيرًا لمنطق الأشياء.
- كذلك فإن توقف المعلمين عن التنمية الذاتية لأنفسهم بالقراءة والإطلاع ومتابعة التحصيل الجامعي- لدرجة أن الواحد منهم لم يعد يقرأ كتابًا واحدًا في العام ولا حتى صحيفة في اليوم- أثر سلبا على مكانتهم العلمية. وهذا التوقف عن التطوير والتنمية الذاتية أفقدهم بالتدريج احترام وتقدير المثقفين والمتعلمين من أفراد المجتمع إلى حد كبير.
- كما أن تخلي المؤسسات التربوية ودوائر اتخاذ القرار عن دعم المعلم وحمايته ومؤازرته معنويًا وماديًا، وأيضًا مع حرمانه من بعض الامتيازات التي تشد أزره كالمشاركة في اتخاذ القرارات التربوية، أو المشاركة في تصميم المناهج وبنائها وقرارات النجاح والرسوب، وكذلك حرمانه من البعثات والدورات التدريبية التي تشحنه بالمعرفة والخبرة، كل هذا أدى إلى إضعاف ثقة المعلم بنفسه وزلزل مكانته وقوَّضها بل وهشمها، وجعله عرضة للاعتداء والتجريح من قِبَل الجهلة وضعاف النفوس من الناس. إن الأمم- يا ساداتي- لا تعرف سبيلا مضمونًا إلى النهوض والتقدم والرفعة سوى التعليم، تلك حقيقة بديهية أكدها رواد وخبراء التعليم وكبار المفكرين في
العالم، وعلينا أن نعترف أن أحوال التعليم لا تسرنا، وإذا كنا جادين حقًا في إنقاذ منظومة التعليم في بلادنا فينبغي أن نركز اهتمامنا في الأساس على حسن إعداد المعلم وتكريمه ووضعه في المقام اللائق به وبمهنته المقدسة.
وما أطالب به هنا ليس ترفا أو بدعًا، وإنما هي شروط ضرورية لأي إصلاح أو نهوض مأمول؛ حيث أكدت تجارب دول عديدة كانت خلفنا ، لكنها سبقتنا بخطوات واسعة في مسيرة التقدم والتطور- إن الاهتمام بالتعليم والمعلم هو الركيزة الأساسية لأي تقدم... ولعل تجربة ماليزيا في ظل قيادة زعيم نهضتها مهاتير محمد الذي منح التعليم وتطويره هدفه الأساس، واعتمد في تنفيذه على المدرس كعمود فقري للعملية التعليمية- خير دليل على ما قلناه.
إن الواقع المرير والمتأزم الذي تعيشه طبقة المعلمين يتطلب وقفة جادة وإجراءات عملية شجاعة أبرزها ما يلي:
- وضع شروط صارمة ومعايير دقيقة على تسجيل وقبول الطلبة في الجامعات والكليات التي تقوم بتخريج المعلمين.
- تحسين الوضع المادي للمعلمين كي يتفرغوا للعملية التعليمية واعتبار العلاوة والتي كانت حق للمعلم احد المكتسبات الجديدة .
- تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمعلم، من خلال تنفيذ مكرمة ابناء المعلمين في الجامعات
- تشديد الرقابة الوظيفية والإدارية على ممارسة المعلمين لأدوارهم؛ للتحقق من مدى التزامهم بأخلاقيات المهنة.
- توفير الإعداد والتدريب والتطوير المهني، الذي يشحذ أسلحة المعلمين العلمية والمهنية، ويعزز صمودهم في مواقعهم، ويعينهم على أداء أدوارهم، ويحسن من أساليبهم في التحضير والبحث ونقل المعلومات، مما يزيد من ثقتهم بأنفسهم.
- بناء اتجاهات إيجابية للمعلمين لممارسة دورهم كقادة تربويين صانعين للتغيير، فبسواعدهم يتحقق تطوير التعليم ورقي المجتمع، بالإضافة إلى دعم المجتهدين والمبدعين منهم، وذلك: بتبني إبداعاتهم وكتاباتهم ونشر مؤلفاتهم. هذا ما تتبعه الدول الساعية للإصلاح والرقي بأبنائها ومستقبل أجيالها، أما إهمال المعلم واضطهاده ثم إذلاله وإهدار كرامته ، فذلك عار يجب أن نتخلص منه حتى لا ندق بأيدينا مسمارا جديدا في نعش العملية التعليمية!!
ولنتذكر إن المعلم قد فقد جزاءاً كبيراً من مكانته الاجتماعية بعد كثير من الأفلام و المسلسلات الغير هادفة و التي راقت للكثير ، و مع هذا الجهد الكبير و قلة الموارد المالية ، كيف يتصرف المعلم و هو لب العملية التعليمية و عليه من المسئوليات الكثير و الكثير ، و نقول له عزيزي المعلم انتبه أنت المسئول عن تفريخ جيل صالح
وختاما؛ فهذا غيض من فيض، مما يصف واقع المعلمين ومعاناتهم، ومما يمكن أن يُقدم لهم؛ لرد بعض جميلهم على أبنائنا وفلذات أكبادنا- من أجل أن يكونوا قادرين على أداء دورهم على مسرح الحياة بشكل صحيح، وعلى أداء واجبهم في بناء مجد بلدنا ورفعته، والله من وراء القصد.