إذاعة (2) :العمل خلق الأنبياء والصالحين
الطالبة ( 1 ) :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد إمام الدعاة، وهو القدوة والأسوة والداعية المعلم الذي أمر الله تبارك وتعالى باقتفاء نهجه في عبادتنا ودعوتنا وخلقنا ومعاملاتنا وجميع أمور حياتنا، قال تعالى: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ) الأحزاب 21.
للعمل منزلة شريفة في الإسلام لأنه أساس تقدم الحياة وعمارة الأرض بشرط أن يكون العمل مباح الأصل, نافعا غير ضار, وقد ذكره الله تعالى في القرآن الكريم, بمفهومه الشامل العمل الدنيوي والأخروي, قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} النحل:97. فدلت الآية على إكرام الله تعالى للعاملين من الرجال والنساء عملاً صالحاً بالسعادة في الدنيا والأجر والثواب في الآخرة ، وقد ضرب الإسلام أمثلة على نبل العمل وعلى سمو منزلته بالأنبياء وهم أفضل الخلق،فقد مارسوا العمل ولم يجدوا حرجا في ذلك, فهذا أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام يقول الله تعالى عنه
وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ) البقرة 127 .وهذا دليل على أن صنعة البناء ومهنة إقامة الجدران والحوائط من الحرف التي امتهنها الأنبياء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، ونوح عليه السلام كان يعمل في النجارة وصناعة السفن: {وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا ..} هود: 37و داود عليه السلام عمل في صناعة الدروع قال
(كان داود لا يأكل إلا من عمل يده)) رواه البخاري. وقد ذكر النبي نبي الله داود لأنه كان مَلِكًا، ومع كونه ملكًا له من الجاه والمال الكثير، إلا أنه كان يعمل ويأكل من عمل يده؛ فقد كان يشتغل بالحدادة، ويصنع الدروع الحديدية وآلات الحرب بإتقان وإحكام .
واشتغل يعقوب برعي الغنم. وعمل يوسفوزيرًا على خزائن مصر.
ويروى أن نبي الله إدريس كان خياطًا، فكان يعمل بالخياطة، ولسانه لا يكفُّ عن ذكر الله؛ فلا يغرز إبرة ولا يرفعها إلا سبح الله؛ فيصبح ويمسي وليس على وجه الأرض أحد أفضل منه .
وموسى عليه السلام عمل أجيراً عند الرجل الصالح شعيب عشر سنين , وعمل زكريا عليه السلام في النجارة والخشب يقول
(كان زكريا عليه السلام نجاراً)) رواه مسلم .
الطالبة ( 2 ) : وعندما نتأمل في منهجه ونظرته للعمل نجد أنه عاش في حياته وشبابه وكهولته وشيخوخته في محيط العمل والعمال فيعمل معهم بيده ويشجعهم ويثني على العاملين ، فقد عمل برعي الغنم في صغره كما ثبت في صحيح البخاري أنه قال: ((ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم)), قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: ((وأنا كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة)) ثم عمل في شبابه بالتجارة عند خديجه رضي الله عنها فكان مثال التاجر الصادق الأمين ، وليس ذلك فحسب بل كان في مهنة أهله ، فكان يحلب شاته و يرقع ثوبه ويخصف نعله بيده سئلت عائشه رضي الله عنها: ( ماكان النبي يصنع في البيت ؟ قالت : كان يكون في مهنة أهله ، فإذا سمع الآذان خرج ) البخاري .
فهؤلاء هم أقطاب النبوة من الرسل، قد شرفوا باحتراف مهنة يعيشون على كسبها ، فمع تحمل أعباء الرسالة والنبوة والدعوة في سبيل الله ، فإنهم كانوا يعملون ويجتهدون في عملهم ،لأن الطعام الذي يأتي من عمل اليد هو خير الطعام وأفضله ، وعلى نهج خير خلق الله سار خير الناس بعد الأنبياء وهم صحابة رسول الله فكان لكل واحد منهم حرفة يأكل منها رزقه ،وعمل يكتسب منه قوته وقوت عياله ،وهم كثير منهم من عمل بالتجارة كأبي بكر الصديق وعبدالرحمن بن عوف وعثمان بن عفان ومنهم من كان خياطاً كعثمان بن طلحة وسهل بن سعد وصانع النبال كسعد بن أبي وقاص ومنهم من اشتغل بالتعليم والقضاء وأخذ الجزية والصدقات واختلاف أنواع الوظائف بين الصحابة لا يدل على أفضلية بعضها على بعض ، بل كل منهم على ثغرة ، فلو عمل كل الصحابة في التعليم لما وجد الناس من يبيع لهم الثياب لستر العورات ، أو يبري لهم النبال للجهاد ، أو يزرع الأرض ليأكلوا من خيراتها .
ولذلك وجه عمر بن الخطاب القراء للعمل لأنهم خاصته وأهل رأيه ومشورته ، فكان يحثهم على التماس الرزق عن طريق العمل والترفع عن أن يكونوا عالة على الناس فيقول لهم
يا معشر القراء ، ارفعوا رؤوسكم ما أوضح الطريق ، استبقوا الخيرات ، ولا تكونوا كلا على المسلمين ) العقد الفريد.
ولما حج بعض أهل اليمن بغير زاد وقالوا: نحن متوكلون، بلغ ذلك عمر فقال: كذبتم إنما المتوكل رجل ألقى حبه في التراب وتوكل على رب الأرباب .
و المسلمون جميعاً استلهاما من نهج دينهم يحبون العمل وهو متأصل فيهم حتى إننا لنرى أن من أعلامنا ومفكرينا وقادتنا من يعملون بالحرف اليدوية ليكسبوا حاجاتهم ونفقة عيالهم ولا يجدون في ذلك نقصا ولا عيبا مع مالهم من مكانة ، فهذا الإمام أحمد بن حنبل أحد أئمة المسلمين وفقهائهم المعدودين ، يؤجر نفسه حمالا في الطريق إن لم يجد ما ينفقه على عياله سوى هذه الأجرة ، والإمام أبو حنيفة كان يعمل في تجارة الأقمشة والإمام مالك يعمل في تجارة الثياب رحمهم الله أجمعين . وذكر أن أحد الخلفاء مر على شيخ يغرس شجرة زيتون، فتعجب الخليفة وقال: كيف تغرس هذه الشجرة مع علمك أنها لا تثمر إلا بعد سنوات طويلة ومن البعيد أن تدرك ذلك، فقال الشيخ: زرع آباؤنا فأكلنا ونزرع ليأكل أبناؤنا.
ففي هذه النماذج شحذ للهمم أن تنشط و تعمل ، ونداء لكل متوقف عن العمل راكدٌ عن الإنتاج أن ينزع ثوب البطالة ، ويرتدي ثوباً جديداً ينفض به غبار الكسل والفراغ بالكد والاجتهاد .
بقدر الكد تكتسب المعالي ومن طلب العلا سهر الليالي
ومن طلب العلا من غير كد أضاع العمر في طلب المحال
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين