منتديات مدرسة طبريا الثانوية للبنات الاردن
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات مدرسة طبريا الثانوية للبنات الاردن

مديرية التربية والتعليم اربد الاولى
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 من هي قوى التغيير...؟؟ من هي قوى التغيير...؟؟

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
وطن
عضو مميز
عضو مميز
وطن


عدد المساهمات : 1426
نقاط : 2468
تاريخ التسجيل : 20/01/2012

من هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  Empty
مُساهمةموضوع: من هي قوى التغيير...؟؟ من هي قوى التغيير...؟؟    من هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  Emptyالجمعة مارس 09, 2012 8:54 pm


من هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  1331297070441


من هي قوى التغيير...؟؟

من هي قوى التغيير...؟؟
ملاحظة : ارجو المعذرة لانني اختصرت عنوان البحث من ( من هي القوى التي تغير المجتمعات.. وتبني الحضارات ...؟؟) الى من هي قوى التغيير..؟؟
ذكرت في الجزء الاول من هذا البحث ان مجتمعات عصر الاقطاع افرزت ثقافتها وقوانينها وذكرت بعضا منها يتعلق بوضع المرأة في مختلف حضارات عصر الاقطاع وفي مناطق مختلفة من العالم، واضيف في هذا السياق ان غطاء الرأس هو ايضا تراثا اقطاعيا ذو صلة بمكانة المرأة الوضيع في المجتمع الاقطاعي لدى كافة الشعوب والمجتمعات في عصور الاقطاع.

كما ذكرت ان الاشوريين كانوا اول من فرضوا الحجاب على المرأة وان اليونانيين البسوها النقاب، فالمرأة اليهودية ايضا كانت تغطي راسها "السيدة العذراء" نموذجا ، ليستمر ذلك في كل عهود المسيحية لاحقا حتى فرض التطور الصناعي على المرأة المسيحية في اوروبا نزع غطاء الراس بعد ان دخلت ميدان الانتاج الصناعي الكبير.

وما زالت المرأة الهندية (الهندوسية والبوذية والمسلمة ومن مختلف الديانات الاخرى في الهند) حتى اللحظة تغطي راسها رغم عدم الاهتمام الكبير بتغطية (خصرها). وكذلك الامر في كل دول شبه القارة الهندية بنغلاديش سيريلانكا باكستان.

والمرأة المسيحية والمسلمة في معظم القرى في دول اسيا الوسطى ما زالت تغطي راسها سواء كانت طاجيكية او ارمنية او اذرية او شيشانية ، وكذلك الامر في دول اوروبا الشرقيية غطاء الراس مازال حاضرا رغم 60 سنة من الحكم الشيوعي، وكانت الصورة الاخيرة لتشاوشيسكو رئيس يوغسلافيا برفقة زوجته وهي تضع منديلا على راسها، وما مازالت المرأة المصرية الفلاحة تغطي راسها مسيحية كانت او مسلمة، وكذلك الامر في قرى بلاد الشام ويسمى غطاء الراس العصبة تغطي بها المراة رأسها سواء كانت مسلمة او مسيحية. اما في افريقيا فسواء في اشد المناطق فقرا على حوافي الغابات فالمرأة المستقرة في بيوت بدائية تغطي شعرها ايضا حتى تلك التي تترك صدرها مكشوفا.


فغطاء الرأس وان اتخذ اشكالا مختلفة ما هو الا موروث شعبي يضرب جذوره في التاريخ ، واسباب استخداماته متعددة لم يكن الورع او التدين الا واحد من تلك الاشكال، وفي هذا وفي سياق الورع والتقوى يستخدمه رجال الدين ايضا ومن جميع الاديان... وبالتالي فمن غير المنطقي اعتبار غطاء الراس رمزا دينيا اسلاميا، حتى ولو ارادت الاصولية الاسلامية "التي تفتقد الى رمز ظاهر" استخدامه للدلالة على نفوذها وهيمنتها في المجتمع.


وغطاء رأس المرأة ليس الا تقليدا اقطاعيا فرضته ظروف المجتمع الاقطاعي وانتهى في الدول التي انتقلت بالكامل الى العصر الراسمالي، وسوف يختفي من كافة الدول التي تتمكن من الخلاص نهائيا من عصر الاقطاع.


ومن المؤكد ان عصر الاقطاع فرض منظومته القانونية والاخلاقية بما يتلائم وظروف نمط الانتاج السائد ومن اجل المحافظة عليه وتنمينه واتساعه ، فالمنظومات القانونية والادارية والفكرية هي ابنة زمانها، فتم تحديد المسموحات والممنوعات، وما زالت هذه المنظومة معمول بها في العديد من مناطق العالم التي لم تغادر حتى الان مواقع نمط الانتاج الاقطاعي.

وكما تشير المراجع التاريخية فان الحضارة المصرية القديمة "الفرعونية" تعتبر اقدم حضارة انسانية مكتوبة ، عاصرها في سنوات لاحقة الحضارات في بلاد ما بين المهرين السومرية ، البابلية ، الاكدية. والحضارة الكنعانية في بلاد الشام، والحضارات في الصين والهند وبلاد فارس واليونان، ولو مررنا سريعا على المنظومة القانونية والاخلاقية في مختلف الحضارات فسوف نجدها متشابهة جدا الى حد التطابق.


صلاحيات السلطة


واول القواعد الاخلاقية والقانونية التي اوجدها المجتمع البشري عشية انتقاله من العصر الرعوي شبه المشاعي البدائي الى عصر الاقطاع، هي تحديد صلاحيات السلطة في المجتمع الزراعي الجديد، ففي مختلف الحضارات كان هناك رأس السلطة "الملك" الذي منح نفسه صفة الحاكم المطلق والقائد الروحي وأنه صلة الوصل بين الرعية والآلهة، وهو القائد الاعلى للجيش، وللملك جهاز اداري يشرف عليه معاونه ويسمى الوزير، فيما الكهان يتبعون الملك مباشرة باعتبارهم عنصر الاستقرار السياسي والاجتماعي الرئيسي. كما كان الملك ، وكان الحكم وراثيا بين الأبناء الذكور.

ومن نافل القول التاكيد على حدوث تغييرات عميقة في شكل النظام السياسي الاقطاعي خلال الاف السنين لكنه ظل محافظا على جوهره، في الكثير جدا من الدول (دول العالم الثالث) حتى تلك التي غيرت اسم الحاكم من ملك الى امير او رئيس جمهورية. فما زالت الدول ذات نمط الانتاج الاقطاعي يحكمها حاكم مطلق السلطة، ويستعين بجهاز اداري وعسكري يخضع لارادته تماما، ويستند الى قوى دينية تعينه وتساعده على تطويع الرعية.


وقد قامت السلطة المطلقة على مر تاريخ عصر الاقطاع وفي سياق تثبيت وتعزيز سلطاتها المطلقة بتوحيد الاديان، أي مركزية الدين، كشرط ضروري لتمركز السلطة، واخضاع البلاد للحاكم المطلق، وقبل ان تتشكل الدول المركزية كان مر على البشرية الاف الديانات ، لكن الفرعون المصري "اخناتون" قام بخطوة تاريخية في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، غيرت مجرى التاريخ عندما الغى جميع الديانات في مصر، ووحدها تحت اله الشمس "آتون" واعتبره الها واحدا لا شريك له.

ومن المؤكد وكما تثبت الدراسات التاريخية ان ديانة التوحيد الأخناتونية كانت خطوة ثورية موجهة بالشان الاجتماعي وليس بشؤون الله، وعلى هديها جاءت الديانات السماوية الثلاث (اليهودية والمسيحية والاسلام).

وبالتالي تضمنت هذه الديانات جوهر الفكرة التوحيدية الاخناتونية للاله، التي تضمنتها الوصايا العشر لاخناتون، والتي كشفت عنها الحفريات في تل العمارنة، وهي ذاتها التي ادعى موسى ان الله كلمه على جبل الطور واعطاها له، وهي ذات الوصايا التي ادعى عيسى ايضا انها من عند الله، ولا تختلف وصايا محمد عن الوصايا العشر الا بقدر ما احتاجت لتعديل كي تتناسب مع مجتمع تجاري – رعوي، لم تكتمل فيه معالم عصر الاقطاع أي العصر الزراعي.

وقد شكلت الاديان بما فيها الوثنية التي وضعت الهها في السماء ايضا وانه يجلس على العرش العظيم في عصر الاقطاع ، كما في الديانة الهندوسية، والصابئية، والبوذية، والزرادشتية، والمانوية، المصدر الاساسي للقوانين التي تنظم العلاقات الاجتماعية.

وانطلقت من ان الله (الخاص) في الديانات الوثنية، والعالمي الواحد الاحد في الاديان السماوية هو المصدر الاوحد للقانون والاخلاق وبالتالي فان الانسان ملزم بالخضوع لقانون الله وتعاليمه، وبما ان الحاكم المطلق هو ممثل الله على الارض فان ارادته لا ترد ولا تقبل النقاش.

هذه هي المعادلة الاساسية لوظيفة الاديان في المجتمع الاقطاعي ويمكن تلخيصها بانها الوسيلة التي بواستطها يتمكن الحاكم من السمو فوق الرعية، ويتمكن من اخضاعها لارادته ومشيئته.

ولذلك احتاجت الثورات التي قامت بمصر والشام وجزيرة العرب الى الدين ومدعو النبوة وانهم رسل من عند الله يحملون تعاليم السماء الى الارض.

ولم يقتصر الامر على مدعي النبوة في الديانات السماوية، بل نفس الامر حدث في البلدان التي اقامت حضارات مركزية في الشرق مثل حضارات بلاد ما بين النهرين، وبلاد فارس، والصين، والهند. وكلها ادعى الثائرون فيها النبوة واتصالهم بالسماء وتلقيهم تعاليمهم منها.


مواصفات الاله

ولطالما ان جميع هذه الحضارات قامت على نمط الانتاج الاقطاعي اذن لا بد وان نظامها السلطوي متشابها بل متطابقا في الكثير جدا من النواحي، فعلى سبيل المثال لو نظرنا الى مواصفات الاله لوجدناها متطابقة وكانها منسوخة نسخا عن ترانيم اخناتون والتي جاء في بعضها .


أن الإله واحد لا شريك له .خلق الاله الكون وحده .. ولم يكن بجانبه أحد ...خلق ولم يُخلق ..

هو الأب وهو الأم وليس له ولد.

وجاء في اخرى

ان الله واحد غير مرتبط بزمان او مكان فهو الذي أرسى الزمان وخلق المكان.



وفي ترنيمة ثالثة جاء

اله واحد ...عرشه في السماء وظله على الارض فوق المحسوسات و محيط بكل شىء

موجود بلا ولادة ...أبدي بلا موت.

ويقول الاله خلقت كل شىء وحدي ولم يكن بجواري أحد . بكلمتي خلقت ما أريد ... خلقت الارض وما تحتها و السموات وما فوقها و المحيطات و ما في اعماقها، والجبال وما في بطونها ان من يمسه نور الاله يخرج من الظلمات الى النور.

ينفخ الروح في الارحام فيحييكم لتسعوا في الارض حياة التجربة، ثم يميتكم لتعودوا الى الارض التي خرجتم منها ثم يحييكم لتخرجوا من القبور، لتقفوا أمام الميزان ليزن أعمالكم وقلبكم شهيد عليكم، فاما الخلود في طبقات الجنة أو الفناء في دركات النعيم .

ويترنم اخناتون ويقول:

خلق الاله كل ما يرى وما لا يرى . يرى كل ما خلق ولا يراه احد من خلقه، انت الاول فليس قبلك شىء وانت الاخر فليس بعدك شىء ...وانت الظاهر فليس فوقك شىء ...وانت الباطن فليس دونك شىء.

وتوضح هذه النماذج من الترانيم مجموعة من الصفات للاله الذي يجلس في السماء وهذه الصفات ذاتها تضمنتها الديانات السماوية الثلاث بل وتشاركها العديد من الديانات الوثنية، ومن ابرز هذه الصفات هي :

اله واحد احد لا شريك له يجلس في السماء

هذا الاله هو الذي خلق كل شيء في الكون

لم يلد ولم يولد (أي ليس له اب او ولد)

هو اله ازلي لا يرتبط بزمان او مكان ولا يموت

يَرى ولا يُرى

بكلمة خلق الكون (قل كن فيكون).

يخلق البشر (يخلق الروح في الارحام)

يميت البشر.

يخرج البشر من قبورهم يوم القيامة كي يحاسبهم على اعمالهم

يضع الناس بعضهم في الجنة وبعضهم بالنار.


اليست هذه هي صفات الله في كل الديانات ..؟؟ وبهذه الصفات كلية الجبروت هل كان للناس خيار سوى ان تخضع ليس لله فقط ..! بل ولمن يمثل الله على الارض وهو الحاكم المطلق.


تحريم المعرفة

ولكن الحاكم المطلق لا يكفيه لتنظيم المجتمع ان يقنع الناس بوجود الاله وانه ممثله على الارض بل يحتاج الى منظومة قانونية واخلاقية لتنظيم العلاقات الاجتماعية ووضع قواعد لحل المشاكل التي تعترض حياته، فكانت الوصايا العشر التي وضعها اخناتون وكتبها على الواح حجرية وجدت بتل العمارنة، هي ذاتها التي ادعى موسى كما سبق واشرنا بانه تلقاها من الله، وهناك مئات الادلة التاريخية بما فيها دلالات وردت بكتب مدعو النبوة تؤكد ان اخناتون هو مصدر الوصايا منها النشيد الذي وضعه اخناتون للاله الجديد، وهو ذات نشيد الملك داوود في المزمور 104، وهكذا فعل عيسى ومحمد اللذان اكدت ديانتيهما على نفس الوصايا والتعاليم الاخناتونية، واذا كان محمد قد اكد على ان مصدر الديانات واحد هو الله وانه جاء ليكمل تلك الاديان فان الله في هذه الحالة يكون اخناتون فكم هو عظيم ذاك الاخناتون الذي غير معتقدات البشر وما كان له ليستطيع ذلك الا في سياق توحيد الدولة المصرية ومركزتها، ليستطيع مركزة ذاته كملك اوحد للأمة كلها التي تعيش على ارض مصر وتلك التي يمكن اخضاعها عبر الفتوحات والتوسع العسكري.

واذا اخذنا وصايا حمورابي في بلاد ما بين النهرين المعروفة ب "شريعة حمورابي" والتي تضمنت مجموعة من القوانين والسنن لتنظيم حياة المجتمع الزراعي فحرمت السرقة او الاعتداء على ممتلكات الغير، وحقوق المرأة والطفل والعبيد، و القتل والموت والاصابات، كمعيار للتعرف على طبيعة الانتاج في دول تلك العصور، فانها تكاد تتطابق مع وصايا اخناتون في جانب تنظيم العلاقة بين افراد المجتمع وتضمنت ايضا النهي عن السرقة والقتل، والزنى، وشهادة الزور، كما تضمنت عقوبات رادعة لكل من يتجاوز القانون مع التاكيد على العبودية لله ومن ثم العبودية للحاكم.

كما ان ديانات عصر الاقطاع حرمت المعرفة وحصرتها بالحاكم او من يعينه من الكهان ورجال الدين، وغيبت عقل العامة من اجل تحقيق الطاعة العمياء لصاحب السلطة المطلقة في السماء وفي الارض، واعتبرت الديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والاسلام ان الاقتراب من المعرفة يغضب الله وممثليه على الارض، فالعهد القديم اعتبر ان الخطيئة الاولى التي ارتكبها البشر هي قيام حواء باغراء آدم بأكل تفاحة المعرفة، بل ان قصة الخلق في جميع الديانات السماوية تقول بان الله سمح لآدم وحواء الأكل من كل الطيبات في الجنة المزعومة باستثناء شجرة المعرفة.


تطابق المنظومة الفكرية

ونجد هذه الثقافة (القانونية والاخلاقية) في معظم الديانات سماوية او ارضية، ما يؤكد على تشابه انماط الانتاج ، وهو ما تؤكد عليه مختلف المراجع التاريخية ومعظم الدراسات الاقتصادية والانثربيولوجية والمكتشفات الاثرية.

فالديانة الهندوسية في الحضارة الهندية مثلا وهي التي عاصرت حضارات مصر والشام وما بين النهرين، تضمنت وصاياها الاحترام الشديد من قبل صغار السن لمن هم اكبر منه سنا، وتعظيم مكانة الابوين، وان يسعى الى النعيم في الاخرة، وبذلك عليه ان يتحمل الاذى بالدنيا، وان يتحلى الانسان بالتسامح والا يرد الاساءة بمثلها، كما تحرم الهندوسية القمار، وكل اشكال الرهانات، وتعتبر المال المكتسب منهما كسبا غير مشروع، كما حرمت السرقة والكذب والنفاق والتدليس، والتنجيم، وتحرم الرشوة والمكر والخبث، والمومسة والزنا والغش، والخمر وتعتبره نجسا.


اما ديانة الصابئة والتي نشأت بالعراق حوالي (2500 سنة قبل الميلاد) وما زال لها اتباع في العراق حتى الان، فان وصاياها اكدت على وحدانية الله وحرمت الكفر به كما حرمت عدم تقديم فروض الطاعة له "الفروض الدينية"، كما حرمت قتل النفس، الزنا، السرقة ، الكذب، شهادة الزور، خيانة الأمانة والعهد، الحسد، النميمة، الغيبة، التحدث والإخبار بالصدقات المُعطاة، اداء اليمين كذبا (القسم الباطل) ، عبادة الشهوات ، الشعوذة والسحر،الختان ، شرب الخمر ، الربا ، البكاء على الميت ولبس السواد ، تلويث الطبيعة والأنهار ، أكل الميت والدم والحامل والجارح والكاسر من الحيوانات والذي هاجمه حيوان مفترس ، الطلاق (إلا في ظروف خاصة جدا) ، الانتحار وإنهاء الحياة والإجهاض ، تعذيب النفس وإيذاء الجسد ، الرهبنة ، زواج غير الصابئة.


(هذه اخلاق الصابئة ومحرماتها ، فلندقق فيها لنكتشف مدى تطابقها مع المنظومة الفكرية للاسلام ..! )

فمنظومة الاخلاق الاسلامية كما وردت في سورة الانعام { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ( الأنعام :151 - 153 ) .

وفي اية اخرى { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللجّغهِ بِهِ } ( الأنعام : 145 ) .


وكما وردت في القران والسنة النبوية فالمنظومة الاسلامية اشتلمت على (تحريم قتل النفس، الزنا، السرقة ، الكذب، شهادة الزور، خيانة الأمانة والعهد، الحسد، النميمة، الغيبة، القسم الباطل ، عبادة الشهوات ، الشعوذة والسحر، شرب الخمر ، الربا ، القمار، زيارة المقابر، أكل لحم الميت والدم والحامل والجارح والكاسر من الحيوانات ، الانتحار، الإجهاض ، تعذيب النفس وإيذاء الجسد ، الرهبنة) .

وكما الصابئة والهندوسية دعت منظومة الاخلاق الاسلامية الى العدل وبر الوالدين واحترام الكبير، والصدق والامانة والاخلاص ومساعدة الفقير، واليتيم واحترام الجار الى اخر التعاليم التي لم تخلو منها أي ديانة اخرى سماوية او وثنية.

وبالعودة الى ما قبل الاسلام نجد ان الديانة اليهودية كما تشير المراجع التاريخية هي نفسها ديانة اخناتون فالى جانب التاكيد على وحدانية الله وان كل الديانات الاخرى باطلة ، فقد حرمت السرقة والزنا والقتل وشهادة الزور (ضد الاقرباء فقط) الشهوة (اذا وجهت للاقرباء فقط)، كما حرمت كل ما ورد في الصابئة مثلها مثل الاسلام، ودعت الى ذات الفضائل التي وردت في المنظومة الاخناتونية والصابئية واتخذت من شريعة حمورابي اساسا لقانون العقوبات مع بعض التعديل (القاتل يقتل والسارق يدفع تعويضا والزانية تقتل الى اخره، وهي عقوبات تتطابق الى حد كبير مع العقوبات التي وضعها الدين الاسلامي


وجاءت الوصايا المسيحية (خروج:20، 1/17)، نسخة متطابقة مع الوصايا اليهودية مع بعض التعديلات كي تتلائم مع ثورة تحررية ضد التحالف بين الكهنة اليهود والدولة الرومانية.


كذلك جاءت الوصايا البوذية لتحرم نفس المحرمات وتدعو الى ذات الاخلاق فتضمنت عشر وصايا جوهرية كما جاء في دائرة معارف البستاني : لا تقتل، لا تسرق، كن عفيفاً، لا تكذب، لا تشرب الخمر، لا تأكل بعد الظهر، لا تغنِ ولا ترقص، وتجنّب ملابس الزينة، لا تستعمل فراشاً كبيراً، لا تقبل معادن كريمة، وهناك وصايا تتعلّق بما يجب أن يقدّم من الاحترام لبوذا والشريعة وهي السيرة الجيّدة، والصحة الجيّدة، والعلم القليل. (دققوا النظر جيدا بوصية العلم القليل أي البعد عن المعرفة). ودعت االبوذية الى ذات الفضائل في الديانات الاخرى.


وفي ذات السياق كانت المنظومة القانونية والاخلاقية للديانة الزرادشتية والمجوسية والمانوية. ولم تختلف الا من حيث الشكل (زيادة الاهتمام بهذا الجانب او ذاك) لكن الجوهر ظل كما هو يقوم على منظومة الخير والشر بما يتلائم وطبيعة نمط الانتاج الاقطاعي.


تعظيم الزراعة

ومن التعاليم المميزة والتي تؤكد على طبيعة نمط الانتاج الاقطاعي اعتبار زرادشت أن العمل الزراعي هو العامل الأول لنهضة الأمة، لأنها توفر للأمة قوتها وتقيها في سنين الجفاف شر القحط، والقحط باعث على إثارة شهوات الغزو في النفس وباعث على الحروب، ودعا زرادشت أتباعه إلى النهوض بالزراعة بقوله: إنّ زرادشت سأله ربه عن خير الطرق لإعلاء كلمة دين مزدا، فأجابه: "إنها زراعة القمح، فمن زرع القمح يزرع الاستقامة ويعين دين مزدا"، لأنه "حين تبذر حبوب القمح تذعر الشياطين.. وحين تنبت تضطرب وتمرض.. وحين ترى سيقانها تبكي.. وحين ترى سنابلها تدير ظهرها".

هذه القواعد التي نتحدث عنها والتي وضعت لاول مرة قبل نحو 3000 سنة هل انتهت واندثرت، ام انها ما زالت مزدهرة وتلعب دورا مركزيا في حياة الكثير من الشعوب ..؟؟

التاريخ يقول ان هذه المنظومة حافظت على بقائها طالما وجد نمط الانتاج الاقطاعي والنظام الريعي في كل انحاء العالم، ولم تتمكن اوروبا من التخلي عن المنظومة المستمدة من الشريعة السماوية الا بعد ان تمكنت من الانتقال من نمط الانتاج الاقطاعي الى نمط الانتاج الراسمالي، ولذلك فان هذه المنظومة ما زالت تلقى قبولا كبيرا في المجتمعات التي ما زالت ترزح تحت كاهل نمط الانتاج الاقطاعي والريعي كما في بلاد العرب.

وبالرغم مما احدثه النظام الريعي والنظام الكمبرادوري (وكالات المنتجات الاجنبية) من تغيير طفيف في المنظومة القانونية والاخلاقية حيث اصبحت الشريعة هي احد مصادر التشريع في الدساتير العربية وبعض الدول الاسلامية، الا ان القوى التي يفرزها نمط الانتاج الاقطاعي ترفض هذا التغيير وتنشط في كل اتجاه وتبذل اقصى مساعيها بما فيها القتل والارهاب للعودة الى اعتبار الشريعة السماوية هي مصدر التشريع.

ولذلك ومهما بذل دعاة العقل من جهد فانهم لن يتمكنوا من تغيير المنظومة القانونية والاخلاقية للمجتمع الاسلامي طالما ظل يرزح تحت وطأة نظام اقتصادي سمته الرئيسية ما زالت تندرج تحت نمط الانتاج الاقطاعي.


الخلاصة :

ان الدين، أي دين، باعتباره منظومة قانونية واخلاقية لتنظيم العلاقة بين الانسان والاله، وبين الانسان والانسان لا بد له وان يكون نتاجا للواقع المادي في الزمان والمكان، وكما شهدت البشرية الاف الاديان وكلها اندثرت مع الانتقال الى الاستقرار والزراعة والحاجة الى الدولة المركزية، فان ما تبقى منها قد يندثر يوما مع الارتقاء والتطور في انماط الانتاج وربما تاتي ديانات جديدة تتناسب مع تلك التطورات، لكن في المدى المنظور(تاريخيا) فان الوقائع المادية والتجربة التاريخية تقول ان أي مجتمع يتمكن من تطوير نمط انتاجه ويخرج من النمط الاقطاعي الى النمط الراسمالي لا بد وان يضع المنظومة الدينية في بيوت العبادة ويستعيض عنها بقوانين وضعية تتناسب والتطور في نمط الانتاج وما يفرضه من علاقات انتاج (أي علاقات اجتماعية).

هل اكون بما تقدم قد اجبت عن السؤال الذي يحمله عنوان هذا البحث وهو (من هي القوى التي تغير المجتمعات.. وتبني الحضارات ...؟؟)

من المؤكد انني لم اجب عن السؤال حتى الان، وما زلت في اطار وضع المقدمات، وفي المقال القادم سوف ابين انه كما ان نمط الانتاج يفرز منظومته القانونية والاخلاقية، فانه يفرز ايضا علمائه، ومفكريه ومخترعيه، وليس العلماء والمفكرين والمخترعين هم الذين يفرزوا ويصنعوا المجتمع، وبالتالي فان البشر الذين يقومون بتغيير نمط الانتاج هم الذين يغيروا المجتمعات ويبنون الحضارات ... فمن هم اولئك البشر..؟؟

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
وطن
عضو مميز
عضو مميز
وطن


عدد المساهمات : 1426
نقاط : 2468
تاريخ التسجيل : 20/01/2012

من هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من هي قوى التغيير...؟؟ من هي قوى التغيير...؟؟    من هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  Emptyالجمعة مارس 09, 2012 8:55 pm

من هي قوى التغيير

من هي قوى التغيير
ذكرت في الجزء الاول من هذا البحث ان مجتمعات عصر الاقطاع افرزت ثقافتها وقوانينها وذكرت بعضا منها يتعلق بوضع المرأة في مختلف حضارات عصر الاقطاع وفي مناطق مختلفة من العالم، وذكرت ان الدين، أي دين، باعتباره منظومة قانونية واخلاقية لتنظيم العلاقة بين الانسان والاله، وبين الانسان والانسان لا بد له وان يكون نتاجا للواقع المادي في الزمان والمكان، وكما شهدت البشرية الاف الاديان وكلها اندثرت مع الانتقال الى الاستقرار والزراعة والحاجة الى الدولة المركزية، فان ما تبقى منها قد يندثر يوما مع الارتقاء والتطور في انماط الانتاج وربما تأتي ديانات جديدة تتناسب مع تلك التطورات، لكن في المدى المنظور(تاريخيا) فان الوقائع المادية والتجربة التاريخية تقول ان أي مجتمع يتمكن من تطوير نمط انتاجه ويخرج من النمط الاقطاعي الى النمط الرأسمالي لا بد وان يضع المنظومة الدينية في بيوت العبادة ويستعيض عنها بقوانين وضعية تتناسب والتطور في نمط الانتاج وما يفرضه من علاقات انتاج (أي علاقات اجتماعية).

وكما انتج المجتمع الاقطاعي منظومته القانونية والاخلاقية، وجميعها كانت في سياق تثبيت سلطة الاستبداد الاقطاعية، فان ذاك المجتمع افرز ايضا مفكريه وعلمائه ومخترعيه ومبدعيه في كافة الميادين.
فالمجتمع الاقطاعي اعتمد خطاب اليقين، وعارض بشدة خطاب السؤال، والدين هو الذي جاء باليقين من عند الله فيجب ان تتمحور كافة الجهود وفق ما تمليه التعاليم السماوية سواء جاء بها الانبياء رسل الله او الانبياء الوضعيين الذين ادعو انهم هم الاله (كالهندوسية والزرادشتية والبوذية الخ). وبادعاء الحكام والسلاطين انهم يمثلون سلطة الله على الارض اذن يجب الخضوع للحاكم واي معارضة او خروج عليه فان ذلك يعتبر معارضة وخروج على الله تستوجب قتل المعارضين والخارجين عن سلطة الحاكم.
وهذا ادى الى ان تكون أي جهود في نطاق البحث في الفقه (التشريع) او الثقافة العامة (الادب) او البحث العلمي (الاختراع) يجب ان تخضع للحاكم وان تتم وفق مشيئته ولمصلحة السلطة السياسية، والتي كانت تمثل بنفس الوقت السلطة الاقتصادية مالكة الارض والعبيد. (سلطة الاستبداد).
ولما كانت السلطة الاقطاعية تحتاج على الدوام الى ما يسند قوتها في كل الميادين فان على المفكرين ان يسخروا جهودهم في هذا الاتجاه، ولكن ما هي الميادين التي يحتاج اليها السيد الاقطاعي (السلطة الاستبدادية)..؟؟ وللاجابة على ذلك يمكننا تقسيم الاحتياجات الى ما يلي:
اولا : تثبيت السلطة
ثانيا : السعي نحو اطالة العمر الشخصي والتمتع بصحة سليمة للحاكم وللطبقة الاقطاعية السائدة، ولقوة العمل "العبيد" بنفس الوقت.
ثالثا : التنمية الاقتصادية (وهذه تشمل الانتاج من ناحية " تطوير الزراعة وزيادة انتاج الارض من الخيرات والطعام" وتوفير قوة عمل كافية وقوية.
رابعا : حماية حدود الدولة
خامسا : توسيع نطاق الملكية (بالسيطرة على اراض جديدة).
سادسا : القدرة على التعامل مع المحيط الطبيعي (البيئي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي
ولا يمكن توفير هذه الاحتياجات الا بامتلاك المعرفة، لكن بنفس الوقت لا يمكن التعرف على هذه الاحتياجات الا على اساس من المعرفة كذلك، وهذا يطرح اشكالية جوهرية مفادها هل الواقع المادي يفرض امتلاك المعرفة، او معرفة الواقع المادي تتطلب امتلاك معارف جديدة لتطوير الواقع المادي..؟؟ وفي كلا الحالين مطلوب المعرفة .. !! وسواء كانت المعرفة هي الاساس التي تمكن المجتمع من التعرف على الواقع، او ان الواقع المادي هو الذي ينتج المعرفة ففي كلا الحالين الواقع المادي موجود.

اذن طالما ان الواقع موجود في لحظة زمنية محددة، والمعرفة بهذا الواقع موجودة موجودة في ذات الوقت، فان البعض قد يقول ان كليهما متلازمان في الزمان والمكان، وفي ذلك مجافاة للحقيقة، لانه في الوقت الذي يكون فيه الواقع موجودا، تكون معرفة هذا الواقع نسبية، وهذه "الحقيقة من وجهة نظري" هي التي كانت الدافع الرئيسي وراء تطوير المعرفة ومن ثم الابداع.
وهذا ما عبرت عنه سابقا في هذا البحث بقولي ان الواقع المادي هو الذي يفرز الوعي "المعرفة" وبتعبير اخر الانتاج المادي "البنية التحتية" هي التي تنتج الانتاج الفكري " البنية الفوقية.
ومن المعروف ان نظرية المعرفة " أو الإبستمولوجيا Epistemology" هي علم نقدي "دراسة العلوم النقدية" وهي احد فروع الفلسفة الذي يدرس طبيعة ومنظور المعرفة. وهذه النظرية وبهذا المفهوم صاغها الفيلسوف الاسكتلندي جيمس فيربر، يعرفها الفيلسوف الفرنسي اندريه لالاند بانها فلسفة العلوم.
ويعد لالاند أبرز ممثل للعقلانية الكانطية في ظل الجمهورية الثالثة، في فرنسا ومن موضوعاته الرئيسة التي عالجها: النوايا أو المقاصد الحرية، الحقيقة، ماهية العقل، في وجهية المكون والمتكون، قانون الطبيعة وتمثله، أخلاق العقل، الاستيعاب والاجتماعيات والجماليات.
وقد شهدت ساحات النقاش جدلا بين العلماء حول تحليل طبيعة المعرفة وارتباطها بالرموز والمصطلحات مثل الحقيقة، والاعتقاد، والتعليل (التبرير). وكذلك وسائل إنتاج المعرفة ، كما اهتم العلماء بالشكوك حول مجالات المعرفة المختلفة . وتركزت معظم الجهود حول الاجابة على سؤال : "ماهي المعرفة؟" "كيف يتم الحصول على المعرفة..؟.
وتنوعت مدارس "نظرية المعرفة" منها التجريبيون الذين نسبوا المعرفة إلى الحواس, والعقليون يؤكدون أن بعض المبادىء مصدرها العقل لا الخبرة الحسية, والواقعيون يقولون ان طبيعة المعرفة, موضوعها مستقل عن الذات العارفة, ويؤكد المثاليون أن ذلك الموضوع عقلى في طبيعته لأن الذات لا تدرك إلا الأفكار. وكذلك تختلف المذاهب في مدى المعرفة: فمنها ما يقول أن العقل يدرك المعرفة اليقينية, ومنها ما يجعل المعرفة كلها احتمالية, ومنها ما يجعل معرفة العالم مستحيلة. (الموسوعة الحرة).
وكما يلاحظ ان هناك تباينا في وجهات النظر بين ان تكون المعرفة تعني "الوعي" أي الادراك، وبين انها فلسفة علوم فقط،"أي جزء من الادراك".
ولما كنت اميل الى استخدام تعبير المعرفة بمعنى الوعي "وغالبا ما يكون نسبيا لان الحقيقة المطلقة لا وجود لها ولن يكون لها وجود" فانني سوف احاول قبل الدخول في شرح دور الواقع المادي في عصر الاقطاع في دفع النخبة الى معرفته (معرفة الواقع) ومن ثم معرفة احتياجاتهم، ومن ثم العمل على اكتساب المزيد من المعرفة لتطوير الواقع المادي. (الترابط الجدلي بين الواقع والوعي (المعرفة – الفكر).
لقد اعتبر ماركس (المادية التاريخية) ان الواقع الاقتصادي (العوامل الاقتصادية) هي الاساس في بناء المجتمع، وهو العامل الاساسي في التطور الاجتماعي، اما الواقع الفكري (وعي الافراد والوعي الاجتماعي بكافة اشكاله العلوم الفلسفة الفن الاخلاق الدين وما يرتبط بها من نظريات اجتماعية ومؤسسات سياسية وتشريعية) فهو بنية فوقية وهو انعكاس للواقع الاقتصادي.
وقد استند ماركس في نظريته هذه على ما سبقه من فلاسفة ماديين اكدوا على ان المادة سابقة على الوعي واعتبروا ان الثاني انعكاس للاول، كما اعتبروا ان جميع الوظائف العقلية للوعي ليست سوى انعكاس للوظائف الفسيولوجية للدماغ ، وبناء على ذلك اعتبر ماركس ان التطور الاقتصادي يجب ان يحصل اولا، كي يحصل التطور الاجتماعي. لكنه يؤكد بنفس الوقت على الترابط الجدلي بينهما فيقول في رده على هيغل " ان النظرية تصبح قوة مادية حين تعتنقها الجماهير".
كما يؤكد انجلز على موقف ماركس، في ذات الوقت يشدد على الترابط الجدلي بينهما فيقول في رسالته الى (بلوخ وشميدت في ايلول 1890) " حسب المفهوم الماركسي للتاريخ يشكل الانتاج في نهاية التحليل الفترة المحددة للتاريخ، فلا ماركس ولا انا ذهبنا ابعد من ذلك. فاذا ادعينا ان الفترة الاقتصادية وحدها هي التي تحدد التاريخ، نكون قد حولنا هذا المبدأ الى عبارة فارغة من المعنى، مجردة وعقيمة. ان الوضع الاقتصادي يشكل الاساس، الا ان الاشكال السياسية ونتائج الصراع الطبقي وما تعكسه في ادمغة الذين ساهموا فيها من نظريات فلسفية وسياسية وحقوقية، ومن اراء دينية، تحمل بدورها تاثيرها في حلبة الصراعات التاريخية، فعن طريق هذا التداخل في التاثير بين جميع هذه الاشكال تفرض الحركة الاقتصادية نفسها كشيء ضروري في خطوطها العامة – فالتاثير السياسي للسلطات العامة على التطور الاقتصادي يمكن ان ياخذ اشكالا ثلاثة : اولا : يعجل التطور او يقاومه، ثانيا : يحول دون بعض اتجاهاته، ثالثا: يملي على هذا التطور بعض الاتجاهات الاخرى".
اما لينين فقد اعتبر ان قوانين التطور الموضوعي لن تستطيع ان تحقق شيئا دون ارادة البشر (في سياق تعزيز دور الطليعة – الحزب) مؤكدا على الدور الحاسم للنظرية الثورية في تغيير المجتمع، وقال "ان الحتمية الموضوعية الماركسية تتحقق ليس فقط من خلال تطور القوى الانتاجية وتناقضها مع العلاقات الانتاجية فحسب بل تتطلب ايضا نشر الوعي الثوري وتكوين الحزب والمنظمات الجماهيرية واتقان فن التكتيك والعمل السياسي والنظري". واعتبر الشيوعيون عموما ان نظرية لينين حول العفوية والوعي تطويرا على النظرية الماركسية.
اما ستالين فقال " ان تطور القوى المنتجة والتغيرات في ميدان علاقات الانتاج تجري خلال مرحلة معينة بصورة عفوية مستقلة عن ارادة الناس"، وفي ذلك تاكيد تام لوجهة نظر ماركس وانجلز لكنه اضاف "ولكن ذلك لايدوم الا الى حين، الى ان تصبح القوى المنتجة الجديدة قد تطورت الى درجة كافية من النضج، حينذاك تتحول علاقات الانتاج الموجودة والطبقات التي تمثلها الى حاجز وعائق كبير لا يمكن ازاحته من الطريق الا بالنشاط الواعي للطبقات الجديدة وبعملها العنيف أي بالثورة، ويظهر اذاك بشكل رائع الدور العظيم الذي تلعبه الافكار الاجتماعية الجديدة، والمؤسسات السياسية الجديدة، المدعوة الى الغاء علاقات الانتاج القديمة، ومحوها بالقوة".
واتفق ماوتسي تونغ مع لينين في اهمية الدور المؤثر والاساسي للبنية الفوقية على البنية التحتية، فدعا الى التركيز على النضال الايديولوجي، والى ضرورة القيام بثورة في البناء الفوقي لاكمال الثورة السياسية والاقتصادية، وقادته اطروحاته تلك الى ما سمي ب "الثورة الثقافية".

وقد لخصت المادية التاريخية هذه المسألة الشائكة بدرجة عالية من الوضوح على الشكل التالي:
الواقع الاقتصادي ينعكس في الدماغ من خلال الحواس، ثم يتحول هذا الانعكاس الى وعي باعتبار ان الوعي ما هو الا انعكاس للفعالية الفسيولوجية للدماغ، ليعود هذا الوعي ليقوم بدوره في الواقع الاقتصادي.
اذن يشترط حصول التطور الاقتصادي كشرط مسبق لحصول التغير الاجتماعي ويقول ستالين " يجب ان لا نبحث عن المفتاح الذي يسمح لنا بالكشف عن قوانين تاريخ المجتمع ، في ادمغة الناس ، او في آراء المجتمع وافكاره ، بل يجب ان نبحث عنه في اسلوب الانتاج الذي يمارسه المجتمع خلال كل دور من ادوار التاريخ ، اي في الحياة الاقتصادية للمجتمع".

وبعد ان استعرضت وجهة نظر المادية التاريخية والتي تؤكد على ما قاله ستالين ان المفتاح الذي يسمح لنا بالكشف عن قوانين المجتمع لن نجده في ادمغة الناس (أي بوعيهم) ، بل انه موجود في اسلوب الانتاج أي في الحياة الاقتصادية، فان توضيح الفكرة بجلاء يتطلب عرض سريع للافكار النقيضة الافكار المثالية "الميتافيزيقية" التي ترى بان المفتاح موجود في عقول الناس وافكارهم.
فانصار العقل او العقلانيين "المثاليين" يعتبروا ان الانسان باستعماله عقله الواعي يستطيع ان يخلق القاعدة الاقتصادية بنفسه، وبالتالي فهم يدعون الى اعطاء الاولوية للعمل الفكري وتقديمه على البناء الاقتصادي (دون اهمال الاخير) ويطرحوا مفهوم الثورة الفكرية. ويدعون الى الاعتماد على النفس (النموذج النضالي والكفاح الثوري هو الكفيل بالوصول الى الحل).
ويدعم هؤلاء وجهة نظرهم بتاكيدهم على اعتبار الغرائز الانسانية ومنها غريزة التملك تنبع في الاصل من ذات الانسان، وليس من فعل المؤثرات والعوامل الخارجية المحيطة به.
ويذهب البعض منهم الى الدعوة لقلب المفهوم الماركسي للبنى التحتية والفوقية من خلال اعتبار الوعي "الانتاج الفكري" هو البنية التحتية، فيما الانتاج المادي هو البنية الفوقية"ويدعون الى اعطاء الاولوية للعامل الفكري وتقديمه على العامل الاقتصادي، واعتبار الوعي هو العامل الحاسم في التطور التاريخي.
ويعتقد هؤلاء انه بالامكان تغيير الوعي الاجتماعي (عقائده وافكاره وقيمه واعرافه ودينه وسلوكه وقوانينه ومؤسساته وطرق معيشته الخ) من خلال الكفاح النظري والنقد بمستوياته (برفق او بحدة) ولا يبدي اصحاب هذه المدرسة ادنى اهتمام بنمط الانتاج في المجتمع باعتباره (تحصيل حاصل) ليس الا.. معتبرين ان الفكر او الوعي مسألة مستقلة عن الواقع المادي.

وكم كان موقفنا سيكون مختلفا، وكم كنا سنبدي تعاطفا وتاييدا وربما التزاما بنظرية اصحاب هذه المدرسة لو برهنوا لنا على نجاح نظريتهم في أي مكان او مجتمع في هذا العالم. وكم سيكون مخطئا ذاك الذي قد لا تسعفه علومه وثقافته ووعيه لو اشار الى ان التحول الهائل الذي شهدته اوروبا في الثلاثمائة سنة الماضية تمت بمعزل عن التطور في نمط الانتاج، وان هذه الثورة العلمية والتقنية الهائلة ما هي الا نتيجة طبيعية وحتمية للتحول في نمط الانتاج من الاقطاعي في العصور الوسطى الى الراسمالي في القرن الثامن عشر.
ونود ان نلفت انتباه انصار مدرسة اولوية الفكر على المادى ان التجارب التي قامت على اساس ان الفكر يغبر المجتمع انتهت باقامة نظم ديكتاتورية قمعية فاشية كما حدث في عدد من دولنا العربية (العراق سوريا مصر ليبيا الجزائر، كذا الامر في عدد من الدول الافريقية، ولعل ابرز نموذج على هذا النوع من الانظمة هو نظام كيم ايل سونغ في كوريا الشمالية).
وربما يمكن اضافة تجربة الاتحاد السوفياتي الى هذه التجارب الفاشلة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
وطن
عضو مميز
عضو مميز
وطن


عدد المساهمات : 1426
نقاط : 2468
تاريخ التسجيل : 20/01/2012

من هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من هي قوى التغيير...؟؟ من هي قوى التغيير...؟؟    من هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  Emptyالجمعة مارس 09, 2012 8:56 pm

من هي قوى التغيير –

من هي قوى التغيير –
عرضت في الجزء الثالث من هذا البحث وجهتي نظر المادية التاريخية والمثالية (العقلانية) بالنسبة للتطور التاريخي للمجتمعات، واشرت الى ندرة التجارب التي قامت على اساس ان (الافكار هي العامل الحاسم في التطور) وان بعضا من المحاولات التي قامت على ذاك الاساس انتهت الى الفشل، بل وانبتت الديكتاتورية، واضيف ان اصحاب الخطاب الفكري غالبا ما يؤكدوا على الدور الحاسم للزعيم، ويعطوه دورا مركزيا في نجاح الثورة والتغيير، ووصلت المبالغة ببعضهم الى اعتبار الزعيم ملهما للجماهير، واعطته النظم الاقطاعية الديكتاتورية الاستبدادية من الاوصاف مما جعله نصف اله على الاقل.
واواصل في هذا الجزء المضي في محاولة الاجابة على السؤال المركزي والذي وضعته عنوانا للبحث وهو "من هي قوى التغيير" فاستعرض عددا من الوقائع التاريخية كي ادلل على دور الواقع المادي في صناعة المعرفة "بمعنى الوعي" تمهيدا للانتقال الى تفسير كيف انجب المجتمع الاقطاعي مفكريه وعلمائه ومثقفيه ومن ثم متابعة عدد من القضايا الفكرية ذات الصلة حتى يتم الوصول الى تقديم برامج عملية واقعية يمكنها المساهمة بتحقيق عملية التطوير والتغيير بعد الكشف عن من هي القوى "المجموعة البشرية" التي تقوم بالتغيير.
ومن الضرورة بمكان ان اعود لأؤكد على العلاقة الجدلية والترابط الدياكتيكي بين البنيتين التحتية والفوقية، كي لا يبذل البعض مجهودا في لفت نظرنا الى ترابط البنيتين والادوار المتبادلة في تطوير كل منها للاخرى.
يقول تروتسكي بهذا الشأن " ان الدياليكتيك ليس خيالا ولا تصوفا، وهو والمنطق الصوري يرتبطان بعلاقة كتلك التي بين الرياضيات العالية والبسيطة، . وأن التغيرات الكمية لما بعد حدود معينة تتحول إلى تغيرات كيفية (نوعية)، وأن تحديد النقطة الحرجة التي يتغير عندها الكم إلى كيف في اللحظة الصحية هي واحدة من اهم و أصعب المهام في كل حقول المعرفة بما فيها علم الإجتماع".
ويضيف " المنطق الدياليكتيكي ينبثق من بديهية أن كل شيء يتغير، وهو يحلل كل الأشياء والظواهر في تغيرها المستمر".
ويرى تروتسكي "ان الخلل الأساسي في الفكر الدارج يقع في حقيقة أنه يتمنى أن يقنع نفسه بسمات ساكنة لواقع يتكون من حركة أبدية" .
واكد تروتسكي على مادية الديالكتيك " طالما أن جذوره ليست في السماء ولا في عمق "إرادتنا الحرة " و لكن في الواقع الموجود في الطبيعة . و ينشأ الوعي من اللاوعي ، وعلم النفس من علم وظائف الأعضاء، والعالم العضوي من العالم غير العضوي، والنظام الشمسي من السديم".
وقال " وَفٌٌُُُكرُنا بما فيه الفكر الدياليكتيكي هو فقط واحد من أشكال التعبير عن المادة المتغيرة. هناك مكان داخل هذا النظام لكنه ليس الشيطان أو الروح الخالدة، أو النماذج الأبدية للقوانين والأخلاق. لقد نشأ دياليكتيك التفكيرمن دياليكتيك الطبيعة وهو يكتسب بناء على ذلك شخصية مادية تماما . وكما نرى فان المنهج الديالكتيكي لا يحتوي على أي شيء ميتافيزيقي او لا هوتي،
(المرجع : الدفاع عن الماركسية 1939 – الحوار المتمدن).

ولاننا على قناعة كبيرة بان الواقع المادي يفرز اجباريا معرفته الخاصة – الوعي – وان المعرفة تبدد الخوف والحيرة والقلق، وتضيء الطريق بنور يمًكن السائرين فيه من رؤية ادق تفاصيل الاشياء، لتعود فتنعكس على الواقع المادي، فسوف نستخدم هذا المنهج في دراسة ابرز محطات التطور التاريخي في العصور الوسطى في المنطقة التي تعرف تاريخيا بالبلاد الاسلامية وفي مركزها البلاد العربية، باعتبارها شكلت حلقة الوصل بين الحضارات القديمة والحضارات الحديثة.
وذلك كي نبين بان ما حققته الحضارة الاسلامية من انجازات في مختلف الميادين كان نتيجة للتطور المادي في الواقع وليس لاعتبارات ميتافيزيقية مثالية تقوم على الفكر الديني اللاهوتي، بل من منطلق المصلحة المادية المباشرة وبالتعامل مع الواقع المادي المباشر. وذلك كمقدمة لنبين لاحقا ان الحضارة الغربية الحديثة هي ايضا كانت نتيجة طبيعية للتطورات المادية في ارض الواقع ولم تكن نتيجة لحركة فكرية بمواجهة الفكر اللاهوتي الكنسي.

وسوف اتناول في هذا الباب الدولة الاموية والدولة العباسية كنموذجان للدولة الاقطاعية (في الشرق) لاعرض بإيجاز كيف تبلورت البنية التحتية والفوقية في الدولة التي قامت في البلدان العربية والاسلامية في القرون الوسطى، وعاشت خلالها المنطقة ما يمكن ان يطلق عليه "عصر الانوار الاسلامي" كما قال الدكتور برهان غليون، فيما كانت اوروبا الاقطاعية ترزح في "عصر الظلام" .

ويبدأ تاريخ الحضارة الاسلامية بشكل واضح منذ تأسيس الدولة الاموية عام 662ميلادية 41 هجرية.
وكما هو معروف ان معاوية بن ابي سفيان مؤسس الدولة الاموية ينتمي لاكبر الاسر القرشية بني امية فهو ابن سيد قريش واكبر تجارها صخر بن حرب (ابو سفيان)، وقد ولاه عمر بن الخطاب ولاية الشام بعد موت اخيه يزيد بن ابي سفيان بما يسمى طاعون عمواس.
وكما تشير الدراسات التاريخية ودون الدخول بالتفاصيل حتى لا نبتعد عن غرض البحث ان معاوية الذي يصفه المؤرخون بانه من أعظم دهاة العرب في ذاك العصر، ادرك وهو ابن التاجر الاكبر بين العرب ان القوة الاقتصادية والخيرات المادية في بلاد الشام تميزها بشكل لا يقبل ذرة من الشك عن شبه جزيرة العرب الصحراوية المقفرة، (وتجدر الاشارة هنا الى ان سوريا كانت تعتبر مع مصر سلتي الغذاء للامبر اطورية الرومانية اي المورد الاقتصادي الاساسي)، اذن فمعاوية يدرك ان من تكون له السيطرة على الشام ستكون له السيطرة على كل بلاد المسلمين.
ولذلك تمسك بالولاية عليها رغم كل محاولات علي بن ابي طالب عزله عنها، واعطائه بدلا منها ما يختار ويرغب، الا انه رفض رفضا قاطعا، بل طالب علي بالتخلي عن الخلافة متذرعا بدوره في مقتل عثمان (الاموي) وقال له قولته المشهورة مخاطبا علي بن ابي طالب " انتم بني هاشم سلبتم السلطة من بني حرب 40 سنة.. وهذه بضاعتنا ردت الينا"، فكانت الحرب بينهما وانتهت بانتصار معاوية، ليؤسس بعدها دولة عاصمتها دمشق حكمتها عائلته حوالي 90 سنة، وقال عنها المؤرخون بانها "كانت اول دولة عربية نقية خالصة في التاريخ، .. وكانت الاخيرة".
اذن هاهم الامويين ينقلوا مركز الدولة الاسلامية من المدينة الى دمشق قلب بلاد الشام، ذات التاريخ الممتد في اعماق الزمن، شهدت خلاله عشرات الحضارات المحلية وكانت ارضها مهبطا للديانتين السماويتين اليهودية والمسيحية، وعاصرت وتفاعلت مع كافة الحضارات العالمية وعلى الاخص اليونانية والاشورية والبالبلية والاكدية والفارسية والهندية، وطبعا الحضارة المصرية.
وكانت بلاد الشام بلاد زراعية بامتياز توفر للامبراطورية الرومانية الى جانب مصر المورد الغذائي الاساسي والذي يعتبر في النظام الاقطاع عصب الاقتصاد.
فهاجر اليها كل سادة قريش والجزيرة وكبراء الصحابة وسادة القبائل وكانت هجرة من اكبر الهجرات العربية من جزيرة العرب الى بلاد الشام ومنها الى بلاد اخرى في وقت لاحق مع الفتوحات الاسلامية.
اذن ها نحن امام دولة اقطاعية تحكمها سلطة ثيوقراطية على راسها معاوية بن ابي سفيان كخليفة خامس للمسلمين يستمد مشروعيته وشريعته من الله، وبدأ يتعامل مع الواقع المادي الجديد باتجاه تسخيره بكل مكوناته لتحقيق اهداف السلطة وفي مقدمتها بناء الدولة وتثبيت السلطة. وتوفير الاحتياجات المطلوبة لتحقيق ذلك باستغلال كافة الطاقات البشرية المتوفرة انذاك دون اي اعتبار للانتماء الديني، او العرقي، وانما الشرط الوحيد هو الولاء للسلطان الجديد.
ورغم المصاعب السياسية الكبرى التي واجهت الامويين وما تطلبته من جهود للقضاء على المعارضين من قوى وفرق وجماعات سياسية، الا انهم تمكنوا من توسيع دولتهم بشكل هائل غير مسبوق في التاريخ لأي حضارة من حضارات بلاد العرب، من خلال القيام بما يسمى بــ "فتوحات اسلامية - هي عملية غزو من وجهة نظري" فبنوا دولة مترامية الاطراف امتدت من حدود الصين في الشرق الى اسبانيا وجنوب فرنسا في الغرب وبحر قزوين في الشمال حتى المحيط الهندي في الجنوب.
وفي الوقت الذي كانت الدولة (بمعناها السياسي) وقادتها العسكريون (قادة الفتح) وجيوشها (جزء كبير من القوى العاملة) منشغلة باقصى درجات الانشغال، بالحروب والفتوحات، ويفترض ان تضع الدولة في مثل هذه الظروف كل طاقاتها وامكانياتها للمجهود الحربي (العسكري) كما يفترض ان فترة الحروب هي فترة عدم استقرار سياسي واقتصادي، لكن الامر لم يكن كذلك في العصر الاموي في الجزء الاكبر منه، حيث كانت تجري الحروب في مناطق بعيدة عن مركز السلطة حتى الثورات والحركات السياسية المناهضة الداخلية جرى معظمها في العراق وفي بلاد فارس.
ولما كانت الفتوحات الاموية كما هي كل الفتوحات الاستعمارية في التاريخ تمثل الاهداف الاقتصادية الاهداف الرئيسية لها، فان هذه الفتوحات عادت بثروة هائلة على "بيت مال المسلمين (الخزينة العامة للدولة) مما وفر لها امكانيات اقتصادية ضخمة سخرت جزءا كبيرا منها في تطوير البنية التحتية للدولة الجديدة.
وكانت الدولة الاموية قد ورثت من الخلافة الراشدة مساحات شاسعة من الارض ومقدراتها وفي مقدمتها الزراعة (كافة مقدرات بلاد الشام ومصر والعراق والجزء الاكبر من بلاد فارس) مما وفر لخزينة الدولة موارد مالية ضخمة من خلال النظام الاقتصادي حسب سنن النبي وخلفائه والذي يشتمل على (الخراج, الجزية, الزكاة, الفئ, الغنيمة, العشور, الأوقاف)، سخرت جزءا منها لفتح بلاد جديدة للحصول على المزيد من الموارد (أي ظل الدافع دوما اقتصاديا حتى لو غلف نفسه زروا باسم الجهاد لنشر الدين) وكلما توسعت الفتوحات وسيطرت على المزيد من الدول والشعوب ازدادت موارد ومداخيل الدولة وارتقت قدراتها الاقتصادية.

اذن واستنادا لهذا التحليل نكون امام واقع مادي ملموس يشير الى وجود دولة فتية شابة تقودها عائلة من اعرق السلالات التجارية تعيش اوضاعا سياسية مستقرة في المركز (بلاد الشام) وفي الساحة الرئيسية المركزية التي تليها في الاهمية (مصر) وتمتلك مقدرات مالية ضخمة، ووضع اقتصادي متين ، يزداد متانة وقوة مع كل توسع جديد، بفتح بلاد جديدة، اذاً كان لا بد لهذه الدولة من توفير البنية الفوقية الملائمة لادارة هذه الامبراطورية بما يتناسب مع البنية التحتية الواقعية وبما يوفر الامكانات للارتقاء بهذه البنية (الترابط الجدلي وتأثير كل واحدة في الاخرى).
ومنذ البداية ادرك اركان الدولة الجديدة (العائلة التجارية بامتياز) وعلى راسهم الخليفة معاوية انه لا بد من تطوير البنية الفوقية "مؤسسات الدولة" الاجهزة الادارية والدواوين (الوزرات) والقوانين والنظم التي تتناسب مع الاوضاع الجديدة، واشتملت هذه الاجراءات على ما يلي:
1 - تثبيت اركان الدولة فقضى على منافسيه زعماء بني هاشم (علي ثم ابنه الحسين)
2 – قضى على منافسيه (الخوارج).
3 - أنشأ "دار الحكمة" كاول مركز للابحاث في تاريخ الاسلام كانت مهمته صياغة القوانين وفق "الشريعة" و كان قوامها القرآن وتفسيره ، والحديث وشرحه والفقه وأصوله ، والتاريخ والسير، والمغازي واللغة العربية وآدابها .. الخ .
4 – انشأ ديوان الجند وبنى جيشا اعتبر الاقوى في ذاك العصر، وبنى اول اسطول في تاريخ الاسلام.
5 – توفير الامن للسلطة فأنشأ ديوان الشرطة، كما انشأ اول جهاز للمخابرات الداخلية والخارجية.
6 – انشأ المؤسسات الادارية ومن اهمها "ديوان البريد" (أي شبكة الاتصالات في وقتنا الراهن)، كما أنشا "ديوان الخاتم" وهو يشبه إدارة الأرشيف في الدول الحديثة، وانشأ ديوان الرسائل، واوجد نظام الكتبة فعين كاتبا لديوان الرسائل واخر لديوان الخراج وثالث لديوان الجند، ورابع لديوان الشرطة، وخامس لديوان القضاء.

واذا كان بعض المؤرخين يعتبروا معاوية ثاني اعظم قائد أو حاكم في تاريخ العرب والمسلمين بعد عمر بن الخطاب، بل ان بعضهم يقدمه على عمر ويعتبره الباني الحقيقي لدولة الاسلام التي استمرت نحو 14 قرنا. الا ان الدور الذي قان به خلفائه من بني امية لا يقل عن دوره سواء في ما انجزوه من فتوحات او تطوير الاقتصاد او تطوير البنية الفوقية في الدولة.

وبعد خمس سنوات وثلاث خلفاء شهدت خلافتهم نوعا من عدم الاستقرار السياسي جاء الخليفة عبد الملك بن مروان الذي حكم هو الاخر 20 عاما ليكمل ما بدأه معاوية في تطوير المؤسسات الفوقية فقام بتعريب دواوين الخراج التي كانت تستخدم اللغة الفارسية في العراق وبلاد فارس واللغة اليونانية في مصر، وذلك بعد توفير الكوادر البشرية العربية من خلال تعلم اللغتين الفارسية واليونانية وامتلاك الخبرة في الشؤون المالية والاقتصادية .
وقام بعمل اكثر اهمية من تعريب الادارة المالية وهو تعريب العملة، حيث كانت الدولة الاسلامية حتى عهده تستخدم الدينار البيزنطي في تعاملاتها المالية، وانشأ مؤسسات لسك النقود في الشام والعراق.
وانعكس الازدهار الاقتصادي على كافة مظاهر الحياة في الدولة الاموية فتم بناء القصور الفخمة والبيوت الانيقة والمدارس والجامعات والمستشفيات والمساجد والجسور والقناطر .
وتم ربط اجزاء الامبراطورية المترامية الاطراف بشبكة من الطرق المعبدة ومركزها دمشق العاصمة، وذلك لتسهيل حركة الجيوش، ولتسهيل تأدية فريضة الحج. ولخدمة البريد، والتنقل بين "الامصار" وانتشرت على امتدادها التجمعات السكانية والتي اصبحت فيما بعد مدنا او قرى جديدة، كما انتشرت الاسواق والاستراحات على جوانبها.

وهذا النمو والتطور في مختلف جوانب الحياة في الدولة الجديدة لم يكن نتيجة لصورة رسمها خيال فنان مبدع او عالم جليل حلل التركيبة الكيميائية لذرات الدول..!! او فيلسوف قابع في برجه العاجي يتأمل في السماء ..!! بل كان نتيجة حتمية واستجابة منطقية عملية لواقع مادي ملموس انجب قادته وزعمائه ومفكريه ومهندسيه وبنائيه وصناعه وتجاره وقطعا انتج علمائه وفلاسفته ورواده من الادباء والشعراء والرسامين والراقصات والمطربين.

وللحديث بقية (5) لنرى ببعض التفصيل هذا الانتاج في مختلف الميادين وذلك في سياق البحث عن من هي القوى التي تقوم بالتغيير ..؟؟

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
من هي قوى التغيير...؟؟ من هي قوى التغيير...؟؟
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مفهوم التغيير في المدرسة
» مبادرات، التغيير، التدريب
» المرأة المسلمة و دورها في التغيير

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات مدرسة طبريا الثانوية للبنات الاردن :: الاقسام العامة :: من هنا وهناك-
انتقل الى:  
المواضيع الأخيرة
» بردة
من هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  Emptyالأربعاء يناير 08, 2014 5:48 pm من طرف طبريا

» خطة قيم الحاسوب
من هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  Emptyالثلاثاء سبتمبر 10, 2013 12:42 am من طرف amrmus286

» اردنيون في ذاكرة الزمن الشيخ المرحوم محمد محيلان قاضي القضاة
من هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  Emptyالإثنين يونيو 24, 2013 4:46 pm من طرف سمر

» اردنيون في ذاكرة الزمن الشيخ المرحوم محمد محيلان قاضي القضاة
من هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  Emptyالإثنين يونيو 24, 2013 4:45 pm من طرف سمر

» اردنيون في ذاكرة الزمن: الفارسة الدكتورة خولة جرادات انموذجا يحتذى"
من هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  Emptyالإثنين يونيو 24, 2013 4:43 pm من طرف سمر

» محطات للتأمل في تاريخ الشهيد وصفي التل" رجل بحجم وطن"/ رابعة الشناق
من هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  Emptyالإثنين يونيو 24, 2013 4:42 pm من طرف سمر

» لسيدة نادية الروابدة .. محطة مضيئة في مسيرة مؤسسة الضمان الاجتماعي ،" المرأة المناسبة في المكان المناسب"/ رابعة الشناق
من هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  Emptyالأحد مايو 19, 2013 2:19 pm من طرف سمر

» ست الحبايب ياحبيبه يااغلى من روحي ودمي
من هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  Emptyالسبت أبريل 20, 2013 5:05 pm من طرف طبريا

» كتاب مسيرة عطاء سيرة ملك2
من هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  Emptyالخميس يناير 17, 2013 1:55 pm من طرف طبريا

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
وطن - 1426
من هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_vote_rcapمن هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_voting_barمن هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_vote_lcap 
مجد - 1358
من هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_vote_rcapمن هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_voting_barمن هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_vote_lcap 
طبريا - 1327
من هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_vote_rcapمن هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_voting_barمن هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_vote_lcap 
سمر - 1285
من هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_vote_rcapمن هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_voting_barمن هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_vote_lcap 
منى خالد بني ياسين - 1214
من هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_vote_rcapمن هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_voting_barمن هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_vote_lcap 
ولاء وانتماء - 667
من هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_vote_rcapمن هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_voting_barمن هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_vote_lcap 
ايمان طه - 461
من هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_vote_rcapمن هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_voting_barمن هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_vote_lcap 
ايمان خالد - 426
من هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_vote_rcapمن هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_voting_barمن هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_vote_lcap 
ghida2 qarqaz - 216
من هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_vote_rcapمن هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_voting_barمن هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_vote_lcap 
admin - 165
من هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_vote_rcapمن هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_voting_barمن هي قوى التغيير...؟؟  من هي قوى التغيير...؟؟  I_vote_lcap 
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتديات مدرسة طبريا الثانوية للبنات الاردن على موقع حفض الصفحات
المواضيع الأكثر نشاطاً
مليون رد
مليون دعاء متجدد شاركونا
كلمات رائعة -------- لا تبخلوا فيها
حكمة اليوم
هل تعبت من الحياة والناس ؟ هل تريد السعادة؟ هل أنت منصدم في حياتك؟ تعال
حملة المليون صلاة على النبي واله ارجو التثبيت
توسع في المعرفة ----- ضع بصمتك
ماذا تقول لأمك بمناسبة عيد الام
:: الـــــتــــقــوى زادنا ::
تعليقات وصور

جميع الحقوق محفوظة لـمنتديات مدرسة طبريا الثانوية للبنات الاردن
 Powered by Adnan Albsoul®https://tabarea.jordanforum.net
حقوق الطبع والنشر©2012 - 2011