" عند الحديث عن الإصلاح السياسي ، فإن أول ما نريد التأكيد عليه هو أهمية العمل على ترسيخ الوعي بالثقافة الديمقراطية ، وتطوير الحياة الحزبية ، لتمكين المواطن الأردني من المشاركة الحقيقية في صنع القرار ، على أن تكون النوايا مخلصة للوطن والمحافظة على الثوابت الوطنية والدفاع عنها ، وليس أداة لإجندات خارجية . وهذا يستدعي ترسيخ مبادئ العدالة والمساواة ، وتكافؤ الفرص على أساس الكفاءة والإنجاز ، وتعميق هذه المبادئ والمفاهيم في ثقافتنا الوطنية والانتقال بها من إطار القول والشعارات إلى واقع العمل بعيداً عن التشكيك وتسجيل الموافق " .
اقتباس من خطاب العرش السامي لصاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني بن الحسين المعظم في افتتاح مجلس الأمة الأردني الخامس عشر الدورة العادية الأولى في الثاني من كانون الأول 2007 م .
كلمات نابعة من فكر نير وفراسة في نهج الحكم وحصافة في التفكير وسداد الرأي .حدد جلالة الملك من خلالها أهمية وعي المواطن الأردني لمفهوم الديمقراطية وتعزيز المشاركة في مستقبل الأردن وتطويره وتحديثه وتنميته وفقاً لمبدأ الرأي والرأي الآخر دون تشيع لفكر دون آخر ، ودون مغالاة في فرض أفكار لا تخدم المصلحة الوطنية على أساس الالتزام بقرار الأكثرية واحترام رأي الاقلية وبما ينسجم مع نصوص الدستور .
لقد استكمل جلالة الملك في بنائه للأردن الحديث مسيرة الديمقراطية التي أرساها ووطدها الصيد الأوائل من بني هاشم فكانت مسيرة غنية بالحراك الديمقراطي والنهج الشوري وشهد لهذه المسيرة القاصي والداني ونالت استحسان الدول العظمى والمنظمات الدولية والمؤسسات التي تعنى بحقوق الإنسان وكرامته . ومنذ أن تم استئناف الحياة البرلمانية في أواخر الثمانينات من القرن العشرين ومسيرة الديمقراطية تزداد إشراقاً يوماً بعد يوم وتعاقبت المجالس النيابية حتى يومنا هذا من خلال انتخابات حرة ونزيهة عبرت عن رأي الشارع الأردني وتوجهاته ، واستطاعت هذه المجالس على الرغم من اختلاف البعض معها في تدعيم مسيرة الديمقراطية وترسيخ نهج الشورى والتعاون مع السلطة التنفيذية في بناء الأردن وتطوره . وللتأكيد على تأصيل النهج الديمقراطي وبعد أن صدرت الإرادة الملكية السامية بحل مجلس الأمة الخامس عشر ، جاءت دعوة جلالة الملك بإجراء انتخابات حرة ونزيهة وبأعلى مستويات الشفافية ، يشارك بها المواطن الأردني بكل حرية ووضوح ، والإيعاز للحكومة بإخراج قانون للانتخاب وفق أحدث المعايير والمواصفات .
وفي مجال الحكم المحلي ، كانت انتخابات المجالس المحلية ، بحيث يقوم المواطنون على المشاركة في تنمية مجتمعاتهم من خلال اختيار أعضاء المجالس المحلية انتخاباً مباشراً فالوطن لا ينمو ولا يتقدم إلا بسواعد أبنائه . ولقد أكد جلالة الملك في أكثر من مكان على أهمية اللامركزية وتطوير المحافظات والأقاليم بعيداً عن الروتين والاستئثار بالسلطة والانتقال إلى المواطنين في مواقعهم .
ولإيمان جلالة القائد بمبدأ التعددية والمشاركة في صنع القرار ، جاءت الأحزاب السياسية بكافة أطيافها لتكون لبنة أخرى من لبنات الصرح الديمقراطي ، وتم إنشاء وزارة متخصصة بالتنمية السياسية تعنى بالحراك السياسي ، وها هي الساحة الأردنية تضم على أرضها أحزاباً متعددة الأفكار والاتجاهات مصونة من المساءلة ، حرة في أفكارها وسياساتها شريطة التزامها بالثوابت الوطنية بعيداً عن الغلو والتطرف والإسفاف وبما يحقق مصلحة الوطن أولاً ودون تعدد الولاءات .
وفي المجال الإعلامي والصحفي وحتى تؤدي السلطة الرابعة رسالتها بكل مهنية ووضوح والتزام بعيداً عن التجريح واغتيال الشخصية وجلد الذات والتقليل من حجم الإنجازات، فقد أكد جلالة الملك في أكثر من موضع على حرية سقفها السماء وهذا عين الديمقراطية المسؤولة ، ولقد كفل الدستور حرية الرأي والتعبير دون وكس أو شطط وانتشرت الصحف اليومية والصحف الإلكترونية وأدت رسالتها بكل حرية دون مصادرة لفكر أو رأي ما دام يخدم المصلحة العامة .
إن مسيرة الديمقراطية في الأردن غنية بإنجازاتها ، وقل نظيرها في العالم يحكم مسيرتها ملك شاب لا يشق له غبار ، يصل الليل بالنهار لرفد المسيرة بأحدث ما في العالم وتلك والله مهمة العظماء .