لو أن كل مسؤولي التربية والتعليم أصدروا مليون تعميم، وقاموا بتوزيعها بأنفسهم على المدارس لما انتشرت ثقافة النظافة في مدارسنا بالمستوى والانتشار الذي رأيناه في (ريبورتاجات) التلفزيون التي بثها من جميع مدن المملكة.
لا أريد الاستبشار بالوباء فلا أحد يريد ذلك، لكنني أقول رب ضارة نافعة.
- متى كان الصابون والمنظفات والمعقمات والملمعات تدخل دورات مياه المدارس؟
- ومتى كان مدير المدرسة أو معلموها يضعون ثقافة النظافة على رأس قائمة اهتماماتهم اليومية في عملهم؟
- ومتى كان طلاب المدارس عندما يسألون عن المدرسة يقولون إن المطهرات والمنظفات موزعة على دورات المياه وفي "أسياب" المدرسة وفي الفصول؟
إنني بقدر ما أنا سعيد بهذه الثقافة وبالتعزيز لها من كافة المستويات أشعر بالحزن لسبب بسيط هو أننا نتميز فقط في ردود الأفعال ولا نعرف للمبادرات سبيلا.
إن ما يجري في المدارس من بث لثقافة النظافة والوعي الصحي وبالمستوى الذي رأيناه ما كان أن ينتشر في المدارس لو لم يكن ذلك الجهد النوعي الذي رأيناه والذي نأمل أن نراه في مبادرات قادمة لأمور عديدة لا تقل أهمية عن أمر النظافة.
- كان هناك الاهتمام من رأس الهرم.
- ثم كان هناك التخطيط السليم.
- ثم كانت هناك الاستعانة بجهات لها علاقة بالأمر ولم يقتصر أمر الاستعانة بخطاب ذهب أو رد أتى، بل باجتماعات متوالية على أعلى مستويات في القطاعات المعينة.
- ثم كانت هناك مراجعة للخطط.
- ثم كان هناك رصد التمويل اللازم والكافي.
- ثم كانت هناك اللقاءات والورش والمحاضرات والندوات.
- ثم جُيّش الإعلام لخدمة القضية.
- ثم كانت هناك مشاركة فاعلة من المجتمع خطط لها ونُفذ التخطيط بشكل فاعل حتى رأينا أن كل منزل بل كل فرد مهتم بالقضية.
- ثم كانت هناك متابعة وإشراف دائمان وتتبع لمواقع الحلقات الضعيفة في سلسلة الجهود والعمل على تقوية تلك الحلقات.
وكانت النتيجة مبهرة.
كل مدير مدرسة وكل معلم وكل طالب يتحدث عن النظافة وأهميتها ودورها في تجنب الإصابة بالوباء.
ما أروعه من عمل وما أجمله من إنجاز.. لكن ماذا بعد؟
أنا وأظن أن كافة أفراد المجتمع يطالبون بأمرين:
الأمر الأول: هو أن نتعلم من هذه التجربة كيف نخطط وكيف نعمل وكيف ننجز.
والأهم من ذلك كيف ينعكس تخطيطنا وعملنا وإنجازنا على مجتمعنا ثمار يانعة يقطفها أفراد المجتمع ليتحقق له المستوى الذي يطمح له وفي كل جوانب التنمية.
الأمر الثاني: ألا تكون خططنا وأعمالنا وإنجازاتنا ردود أفعال.
إذا ما اطلعت على أدبيات أي مشروع أو برنامج ترى في صدر تلك الأدبيات:
- الرؤية. - الرسالة. - الأهداف .
ثم تنظر إلى مستوى إنجاز لذلك المشروع أو البرنامج لتكتشف أن الأدبيات في واد والإنجاز في واد آخر.
النتائج ليست لها علاقة بالواقع، النتائج لا تحقق الأهداف. النتائج لا أحد يتبناها أو يدافع عنها أو يقيم لها ورش العمل واللقاءات والندوات. النتائج لا أحد يعرّف بها. وبعد مرور زمن ليس بالبعيد يصبح المشروع محفوظا في الرف يكدس أكوام الغبار. هذه حقيقة والشواهد عليها كثيرة.
اسألوا الوزراء السابقين، ونواب الوزراء السابقين، ووكلاء الوزارة السابقين الذين قضوا سنوات عديدة في ركض لا يتوقف، يحدثونكم عن مشروعات هائلة، وقصص جميلة تسلب الألباب. ثم اسألهم أين هي مشروعاتهم؟ وما هو مصيرها؟ نسأل الله أن يديم علينا نعمة الأمان الذي نتمناه ونرجو أن نحافظ على هذا الكسب: ثقافة النظافة.. وألا تفتر عزائمنا مع مرور الزمن لتعود مدارسنا كما كانت.
إن قضية أنفلونزا الخنازير في جانبها المضيء تسدي لنا درسا مهما يجب أن نستفيد منه وننجز كل عمل بالشكل والطريقة التي عممنا بها ثقافة النظافة وذلك في كل مناحي التنمية.