بضعة وخمسون طالباً، يحشرون كل صباح في فصل مدرسة ثانوية على بعد تسعة كيلو مترات من سور وزارة التربية والتعليم، والحديث هنا لم يكن عن فصل واحد بل عن منظومة .
* ـ خمسون طالباً في خمسين متراً مربعاً على أفضل الأحوال ولكم حساب حصة الفرد من الأكسجين بهندسة التكعيب الفراغي، مثلما نحسب حصته من سطح الفصل بهندسة التربيع .. اتركوا حساب العلم والتحصيل فهذه مهمة مستحيلة في مثل هذه الظروف .
* ـ والمصيبة أن هذه – الحاوية – البشرية المسماة بالمجاز فصلاً دراسياً تطلب من الطالب الواحد (35) حصة في الأسبوع لتسع عشرة مادة دراسية لا تشبه واحدة منها الأخرى مثلما تطلب من المعلم (24) حصة ثم نطلب من الطرفين إنتاجاً بمعايير الجودة .. كيف يمكن لطالب أن يستوعب وأن يهضم إذا كان نصيبه من زمن الحصة الواحدة ثلثي دقيقة وإذا كان نصيبه من مساحة (الفراغ) ضعفي مساحة بطن أمه في شهور الحمل .. هؤلاء الضحايا ثم نطلب منهم في هذه الظروف امتحانات الفترات والنهائيات واختبارات القدرات والقياس والتحصيل .
* ـ تخيلوا أن هؤلاء الشباب في قمة العنفوان يقضون الأسبوع كاملاً بحصة (رياضة) واحدة ، واقسم بالله لو أنهم خيروني أن أقضي نصف يومي في فصلهم أو في السجن لاخترت الأخير بلا تردد .. والأدهى أن أحداً لا يجرؤ على الكلام ليتخذ المبادرة أن يلغي من أجلهم ثلث المنهج أو أن يصادر على الأقل ثلث الحصص الأسبوعية كي ينطلق هؤلاء إلى هندسة فراغ .. من هو الذي يستطيع أن يتحمل سبع ساعات في اليوم الواحد في نصف متر مربع ومن هو العبقري في مثل هذه الظروف كي يهضم (2700) ورقة من منهجه الدراسي ومن هو المعلم الذي يستطيع عشر (الإبداع) وهو الذي لا يستطيع حتى في بعض الفصول أن يصل إلى سبورة الفصل وأي معلومة هي تلك التي تستطيع إثارة شاب بالإنصات والاستماع حين تدنو الحصة السابعة من يوم كئيب ممل، نعم، أنا هنا أدعو لحقوقنا وحقوق أولادنا في نظام تعليمي برأسين ونظامين ومنهجين ومدرستين مختلفتين ومن أراد لابنه أن يبقى في السجن فليقرأني بعد غد حين أكتب مطلبي بكل شفافية .
* ـ السعودية : صحيفة الوطن ( علي سعد الموسى ) .