رسالة عمان
ظروف نشأتها ومبرراتها
إن تأثير الإسلام على الفرد يبدأ من تشكيل تصوراته ومنطلقاته النظرية ليتناول توصيف أفعاله وإجراءاته، وينتهي بربط جملة من السلوك بغاية إرضاء الخالق، وبالتالي مراجعة الذات ومراقبتها. ولا يقتصر تأثير الدين على السلوكيات الاجتماعية بل يشمل السلوكيات والأفعال العلمية التي تقوم على الموضوعية والنزاهة. ومن هنا نرى وعي الدوائر والمؤسسات بالدين الإسلامي بوصفه محدِّداً لأعمال البشر فظهر على شكل محاولات تؤسس لإقصاء الدين عن مسرح الحياة وبعضها لاغتياله عن طريق اعتباره مصدراً للانغلاق الذهني والتقليدية والتخلف.
وقد ظهرت توجهات أكاديمية ومهنية أخذت على عاتقها تشويه الإسلام ومحاولة إظهاره ديناً مخالفاً للتوجهات العالمية الجديدة وصور الإسلام على أنه دين الإرهاب وداعم للتمييز ضد المرأة، وضد أتباع الديانات الأخرى وغير ذلك من الاتهامات الآيلة للتطاول يوماً بعد يوم.
واستجابة لهذه التطورات تباينت ردود الفعل في الدوائر الفكرية في العالم الإسلامي محاولة إعادة قراءة الإسلام بلغة العصر وأدواته.
ولعل رسالة عمان تجسد نمطاً من أنماط ردود الفعل إذ تفصل المضمون الفكري والسلوكي للإسلام عت السياق الذي يعيش فيه الفرد مؤكدة ثبات هذا المضمون عبر تنوع الأمكنة والأزمنة. ممثلة بذلك ثبات القيم الإسلامية وهي تلك الروح التي تضمنتها الآية القرآنية " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط، ولا يجر منكم شنئان قوم ألاّ تعدلوا، اعدلوا هو أقرب لتقوى، واتقوا الله، إنّ الله خبير بما تعملون". إذ لا تتغير قيم الإسلام بتغير الظروف التي يحياها المسلم.
مبررات رسالة عمان
تستمد رسالة عمان مبرراتها من:
1. النظرة الموضوعية للعقل البشري، وآلياته في اكتساب المعرفة، إذ تحترم الرسالة التنوع في تصورات الأفراد للموضوع المعرفي الواحد، فعلى الرغم من أن النصوص القرآنية ثابتة إلا أن الفهم غير موحد لهذه النصوص. مما يتطلب الحاجة إلى الحوار المستمر والمناقشات المتعمقة لبناء أفضل فهم.
2. فالنصوص الدينية صالحة لكل مكان وزمان وإن رسالة عمان لتدعوا إلى استغلال التنوع الفكري والتأكيد على مهارات المناقشة والحوار والتفاوض واحترام الآخر.
3. النظرة إلى الظرف الذي يظهر الإرهاب فيه وإلى نفسية الفرد. إذ يبرر الإرهابيون أعمالهم بالظرف الذي يعيشون فيه من تهميش وإحباط ويؤدي الظرف إلى التأثير في تفكير الفرد للخروج عن هذا الظرف أو تغييره ومن هنا نستبعد القيم الإسلامية الثابتة من عدل وسماحة ورحمة واحترام الأديان وغير ذلك من قيم الإسلام.
4. الوعي التام بأسباب تراجع دور الأمة في المجتمع الإنساني فعلى الرغم من أن للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة من قداسة فإن ذلك لا يمنع من تحديث أدوات التوصيل والنظر والدراسة وطرائق الاجتهاد للتعامل مع هذه النصوص من واقع الناس وحياتهم وتحسين هذا الواقع وقيادته نحو الأفضل.
5. النظرة الموضوعية للأطر الثقافية للأفراد والمجتمعات إذ تعي الرسالة ازدواجية المعايير التي يحكم بها الآخر على أفكار المسلمين وتصرفاتهم لذلك دعت علماء الإسلام إلى إعادة صياغة الخطاب الإسلامي الحضاري الفاعل لإظهار المعاني الحقيقية ونزع مبررات اتهام الإسلام بما هو بريء منه، كما أكدت على تطبيق الآخر للقوانين الدولية واحترام حقوق الإنسان دون تحيز.
الرسالة بذلك تقدم أنموذجا أكثر فاعلية يتمثل في إلغاء أسباب الإرهاب لا عن طريق العقوبات بل بتطوير النفس البشرية وإلغاء الأسباب الموجدة لتلك الجريمة.