نظرة في الشعارات الملكية الأردنية الوطنية والقومية
(1921- حتى الآن)
د. حسين محافظة
مقدمة:
تنشأ الشعارات عادة من خلال آفاق معرفية محددة، وترتبط بظروف تاريخية تبين قواعدها المنظمة، وتكشف بواعثها المبررة لها. والشعارات لا يمكن طرحها إلا في ضوء رؤية لا تكمل عناصرها الثقافية والفكرية والسياسية والاجتماعية؛ إلا بظهور حقل الأحداث الواقعية التي تنطبق عليها.
ومن الدراسة الدقيقة للأدبيات الثقافية والسياسية الأردنية وفي مقدمتها الأدبيات الهاشمية، نجد شعارات وطنية وقومية مميزة وعديدة كثفت الأفكار والمبادئ، وحددت الأهداف الاستراتيجية والمرحلية لكل حقبة تاريخية. وتحولت هذه الشعارات إلى برامج لتأطير الثقافة، وتوجيه العمل وتقويمه. ثم صارت علامات بارزة، ونقاط أضاءت تاريخ الأردن الحديث والمعاصر. ولعل نظرة إلى تاريخ هذه الشعارات توضح مضامينها ، دلالاتها وأبعادها؛ وبالتالي بيان أهميتها التراثية والمستقبلية.
الشعارات الملكية في عهد الإمارة (21-1946).
يشار ابتداءً إلى أن الشعارات الملكية الأردنية التي طرحت منذ تأسيس الإمارة (1921)، وحتى الآن لها جذور عميقة تتصل بثقافة الأمة وحضارتها. وكانت نقطة انطلاقها تنبع من مفهوم الحق بالتغير والإصلاح، الذي جاءت به الرسالة الخالدة.
وفي العصر الحديث تنبت الأمة شعار التحديث والإصلاح. ومع تطور الوعي القومي، تبلورت شعارات النهضة والتحرر والاستقلال والوحدة والتقدم، التي رفعت لواءها الثورة العربية الكبرى 1916م بقيادة الهاشمية.
وعند تأسيس الإمارة الأردنية، (1921م) على يد الأمير عبد الله ابن الحسين نظر الأردنيون وكثير من العرب إلى هذا الكيان السياسي، على أنه امتداد لمشروع النهضة العربية، وتعبير حي عن مبادئه ومنطلقاته، وعزز الأمير والملوك الهاشميين من بعده هذه النظرة بأقوالهم وأفعالهم.
وفي سياق عملية بناء الدولة ومؤسساتها، طرح الأمير عدة شعارات وطنية وقومية متتابعة ومتسلسلة، حددت هوية الدولة واتجاهاتها المستقبلية، وبينت الأساليب العملية الفضلى في تحقيقها. ولعل اول هذه الشعارات هو إطلاق اسم "الشرق العربي" على الدولة، الأمر الذي حول الأردن إلى بيئة حاضنة لحركة التحرر العربية وملاذاً آمناً للثوار السوريين والفلسطينين، وأصبح الأمير والأردنيون قادة للمشاريع السياسية والجهادية، التي تستهدف الدفاع عن القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. وتجلت المعالم النموذجية للشعارات الوطنية والقومية الأردنية في مشاريع سياسية مثل: مشروع "وحدة سوريا الكبرى 1943"، ومأثرة القتال الملحمي للجيش الأردني في عملية إنقاذ القدس عام 1947-1948م.
ويمكن القول أن الأردن والأردنيين تحملوا القسط الأكبر من نتائج كارثة فلسطين وتبعاتها، في كل المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية. إلا أنهم أبدوا مجدداً روحاً أصيلة بالتشبث بالقيم والمبادئ الوطنية والقومية. وقدم الهاشميون نموذجاً رائداً في الشهادة، وفن القيادة، وإدارة الصراع مع القوى الاستعمارية والصهيونية.
الشعارات الملكية في عهد الاستقلال (1946-1999م).
وفي المرحلة التالية (1948-1960)، شهد الأردن فترة انتقالية هامة وحرجة بفعل تأثير التطورات العالمية والإقليمية، حيث تعرضت المنطقة إلى موجه من التغيرات السياسية المعروفة "بمرحلة الانقلابات" تعبيراً عن القلق والاضطراب التي أعقبت مرحلة انكفاء الاستعمار، وتشكل النظام الدولي الجديد (ابتداء عام 1945).
وكان على الأردن استيعاب هذه المتغيرات ومواجهتها، فطرح الملك طلال بن عبد الله (1951-1953)، شعار إعادة بناء الدولة وتحصين الاستقلال الوطني، من خلال تأسيس الدستور ليكون ضمانة البناء والتطور. وقد جاءت مواده ونصوصه ملبية لهذا الطموح. وتفاعل الأردنيون بحماسة بالغة مع قضاياهم الوطنية الداخلية، وقضايا أمتهم الحيوية، مثل مواجهة الاستعمار، والنزوع نحو الاستقلال والوحدة.
وبعد تسلم الملك الحسين بن طلال (1953-1999م) مقاليد الحكم، وزمام القيادة، دخلت البلاد عهداً جديداً من الاستقرار والبناء، وتميز العهد بطول الفترة وتتنوع الشعارات. وكان في مقدمتها شعار تفعيل الدستور، واستكمال الاستقلال من خلال تعريب قيادة الجيش (1956م)، والتخلص من بقايا النفوذ الأجنبي.
وفي مرحلة الستينيات طرح الملك شعار إعادة بناء البلاد الدولية، من خلال الخطط التنموية الشاملة، للنهوض بكل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية. وزُينت هذه الخطط بشعار أخلاقي عنوانه "الإنسان أغلى ما نملك". فكانت المقولة الملكية بمثابة البوصلة التي تضبط بموجبها اتجاهات مسار تطور الخطط التنموية، ومعياراً لتطبيقها، وحاكمة لدوافعها وغاياتها الإنسانية. وتحقق بفعل هذه الخطط والشعارات إنجازات كبيرة، في كل المجالات، وصار الأردن نموذجاً يحتذى به في نمط التكوين، وخيارات التطور وأساليبه القائمة على مفاهيم العلم والاعتدال والوسطية والتسامح.
ومع نهاية الثمانينيات، طرح الملك الراحل شعارات ذات طبيعة ديمقراطية، مثل: إعادة الحياة البرلمانية، وتفعيل مؤسسات المجتمع المدنية، مثل: الأحزاب، والنقابات، والصحافة والمنتديات الثقافية وغيرها.
يمكن القول أن عهد الملك الحسين_ رحمه الله- صهر الهاشميين والأردنيين في بوتقة واحدة، عمادها الأصالة والإبداع في تطبيق الشعارات الوطنية والقومية. وهذه الأصالة وهذا الإبداع دفعهم إلى تبني أهداف وطموحات أمتهم بإخلاص وأمانة ومسؤولية. كما هيأت الفرصة لانبثاق شعارات جديدة في المرحلة التالية.
الشعارات الملكية في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين
من هنا، يمكن الإطلاله على عهد الملك عبد الله الثاني وملاحظة ملامح التجربة الجديدة التي انطلقت منذ لحظة تسلمه للعرش (7-2-1999م).
لقد توافر للعهد الجديد ذخيرة وكم هائل، من التجارب الناجحة في القيادة والبناء التي تحفز على الاستمرار بتحمل المسؤولية الوطنية والقومية بكل أمل واقتدار وتميز، على الرغم من شدة التحديات وتعقيدات المرحلة.
طرح الملك عبد الله شعاراً جديداً عنوانه: "على قدر أهل العزم" (19/6/2000م)، مستلهماً التجربة التاريخية، ومبدعاً أسلوباً جديداً في الشكل والمضمون. والعزم المقصود هو عزم الأردنيين المؤسس على العلم والمعرفة، والمؤطر بروح الولاء والانتماء للقيادة والوطن والأمة.
وتجدد الشعار واكتمل بشعار جديد "الأردن أولاً"(تشرين الثاني 2002م)، من أجل تعزيز أسس الدولة الديمقراطية العصرية، وهي خطة عمل تهدف إلى ترسيخ الانتماء بين المواطنين، حيث يعمل الجميع شركاء في بناء وتطوير الأردن.
لقد اشتملت وثيقة الشعار على مفهوم شامل لكل أبعاد الشعار وغاياته، فهو مشروع نهضوي يحرك مكامن القوة عند الفرد والمجتمع، ويؤسس لمرحلة جديدة من التنمية الاقتصادية والسياسية والثقافية والتربوية والإدارية. في إطار ديمقراطي يستلهم مبادئ وحقوق الإنسان ويجعلها فلسفة حكم ونهج قيادة، تضع المصلحة الوطنية الأردنية في صدارة اهتمامات الدولة والوطن.
ولتفعيل الشعار أطلق الملك مبادرة "كلنا الأردن" (تموز 2006م) بهدف تأسيس منظور وطني شامل يستند إلى رؤى مشتركة بين مكونات المجتمع الأردني، عبر مشاركة واسعة وفاعلة في صياغة القرارات الوطنية، وتنفيذها ومتابعتها.
وفي الوقت الذي حققت فيه هذه الشعارات والمبادرات الملكية نجاحات ملموسة، على طريق التغير والإصلاح، انتقل الملك إلى طور اعتماد الأولويات الوطنية، التي ركزت على أولوية التنمية الاقتصادية والخدمات والبنية التحتية، وتوفير الطاقة والمحافظة على البيئة، وتسهيل وصول المواطنين إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتوفير الخدمات المالية والاستثمارية والمعرفية. كما حُددت لهذه الأولويات مراحل زمنية، وآليات مراقبة، ومعايير قياس الأداء المنشود.
ويمكن الإشارة إلى بعض النتائج التي تحققت حتى الآن، وذلك على النحو الآتي: إصدار قانون الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية (نيسان2000م)، إصدار قانون ترويج الاستثمار (2003م)، تأسيس الصناديق والمراكز التنموية مثل: صندوق الملك عبد الله الثاني للتنمية (2001م)، والصندوق الهاشمي لتنمية البادية (2006)، مبادرة التعليم وحوسبة المناهج (2003)، تأسيس هيئة مكافحة الفساد (2005م) وتأسيس هيئة شباب كلنا الأردن (2006م) ودعم نشاطات الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية للإغاثة والتنمية وغيرها.
من كل ما سبق، يسُتنتج أن الشعارات الملكية الأردنية الوطنية والقومية، تميزت بالإبداع والاستمرارية، وأنها طرحت على ضوء رؤية فكرية سياسية واجتماعية واقتصادية شاملة، تشكل في مجموعها أسس نظرية متكاملة لرؤية الوطن، والدولة، والحكم. وهي رصيد معرفي هام في تاريخ الأمة.
المراجع:
- أنطونيوس، جورج: يقظة العرب، دار العلم للملايين، ط(
بيروت، 1987.
- الشوابكة، حمزة: الأردن "على قدر أهل العزم" المطابع العسكرية، الزرقاء 2002م.
- الصمادي، سليمان: الأردن مائةعام من التحدي والعطاء، ط(2) عمان 2002م.
- الطراونة، غيث: المبادرات الملكية رؤية للمستقبل، مركز الرأي للدراسات، عمان 2006م.
- عبد الله بن الحسين:الآثار الكاملة، الدار المتحدة للنشر، ط(2)، بيروت، 1979م.
- المبادرات والمكارم الملكية لصاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، مديرية التوجيه المعنوي القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية، 2008م.
- المحافظة، علي: الفكر السياسي في الأردن، ج(1)، دار الكتب الأردني، عمان 1990م.
- أبحاث وأراء في تاريخ الأردن الحديث، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط(1)، بيروت، 1998م.
- منيب الماضي وسليمان الموسى: تاريخ الأردن في القرن العشرين، مكتبة المحتسب، ط(1) عمان 1989.