هذه هي قوة الشخصية وما عداها فهو ضعف ونقص
ماهو مفهوم قوة الشخصية عندنا ؟
للأسف ، إنه في وقتنا الحاضر ، قد شُوهت الكثير من المفاهيم الجميلة وعبث بها, ومنها
قوة الشخصية، حيث أفرغناها من معانيها الجميلة الحقيقية.
ومما لا شك فيه , أنه إذا نُعت أحدهم حاليا - سواء كان رجلا أو امرأة - ووُصف بأنه
قوي الشخصية ، فإن هذا يُعد مدحا عظيما له .
وإذا أبحرنا على شواطئ قوي الشخصية هذا وسبرنا غور صفاته، فعلى ماذا ستقع أبصارنا ؟
في الغالب وللأسف الشديد، فإنك ستجد العجب العجاب :
ستجده طويل اللسان , شرس الأخلاق , سالب للحقوق , يهابه الكبير قبل الصغير.
الكلمة الأولى والأخيرة له , يأخذ حقه كاملا غير منقوص بأي وسيلة كانت.
الكلمة يردها بعشر عجاف ملتهبات تحرق كل ما يقف أمامها .
يحترف تزوير الحقائق والتلاعب بالقيم وتسميم المعاني .
وإذا كان أبا , فإنك تجد أطفاله مذعورين خائفين حتى من التفكير في السلام عليه وملاعبته.
أما زوجته, فربما تجد تلك المسكينة تأنس بالجميع إلا به , وتصاب بمغص شديد إذا رأته.
وفي المقابل دعونا نتأمل قليلا في شخصية سيد البشر صلى الله عليه وسلم.
أليس هو صاحب أجمل وأروع شخصية قوية عرفها التاريخ ؟
قد هابه الجميع, حبا واحتراما وتقديرا , فقد كان من أحلم الناس وألطفهم وأحسنهم أخلاقا.
وقد قال الشاعر
محمد سيد الكونين والثقلين والفريقين من عرب ومن عجم
نبينا الآمر الناهي فلا أحد أبر في قول لا منه ولا نعم
إن مفهوم قوة الشخصية الحقيقي هو:
أن يملك الشخص قلبا يفيض حنانا وودا وروحا تشع تسامحا وحبا ولسانا عفا رقيقا.
فتجد لديه قوة في الحجة وقوة إقناع دون مصادرة آراء الآخرين والحجر عليها .
لا يجرؤ عليه السفيه ولا يطأ حماه البذئ الفاحش .
مستعينا بالله في كل صغيرة وكبيرة .
صابرا محتسبا على المصائب.
متفائلا يمتلك روح المبادرة ومستقلا برأيه دون استغناء عن مشورة العقلاء.
متسلحا بثقافة وعلم وسلامة القلب.
ينظر إلى الآخرين بنظرات الاحترام والتقدير, بغض النظرعن معتقداتهم أو أوطانهم أو وظائفهم
اوغناهم أو فقرهم.
قوة الشخصية لا تعني العناد والإصرار والثبات على الرأي إن كان خاطئا, فقوي الشخصية هو
من يغير رأيه إذا اتضح له الصواب في غيره.
وسيرة الرسول تشهد بذلك .
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر, يغير موقع المعسكر ويأخذ برأي الحباب
بن منذر بعدما اتضح له صوابه.
قوي الشخصية أيضا , مؤمن بقدراته لا يجلد نفسه عند الخطأ, ولا يكثر من تقريعها ,بل يؤمن
بأن الخطأ من طبائع البشر, وان من لا يعمل لا يخطئ .
تجده أيضا واثق من نفسه, تتكسر على دروعه المتينة سهام النقد الجارح , فلا تهتز له شعرة ولا
تنزل له دمعة .
وهو في المقابل لا يتكبر ولا يتعالى على النقد الهادف.
ولا تجده يدافع عن نفسه عند وضوح الخطأ,بل يتعلم من أخطائه فتقل زلاته.
لديه القدرة على ضبط انفعالاته وإدارة مشاعره إدارة جيدة, فيتحمل المسؤولية ولا يتنصل منها
ولا يلقي باللوم على الآخرين في حال الإخفاق.
تلكم هي قوة الشخصية الحقيقية , التي تصنع الانسان المتحضر, وتبني القيم الجميلة الخالدة .
تلكم هي قوة الشخصية , وما عداها فهو ضعف ونقص.
زادنا الله نحن وإياكم حكمة وبصيرة.