وأوهى قرنه الوعل
لم تتوقف حملات الافتراء على الإسلام ونبيّه باسم البحث العلمي وحريّة الرأي، وواصلت مراكز الاستشراق وجيوش المستعربين نفث سمومها، حتى اختلط الأمر على كثير ممن حرموا نعمة التحقيق العلمي، ومنهم نفر من أبناء جلدتنا لم يدركوا حقيقة الأهداف الخفيّة التي تكمن وراء الهجمة على الإسلام ونبيّه إلاّ متأخرين.
لأن من تولى كبر هذه الحملات لم يعرف قدر نبيّنا ومكانته وقد خصّه ربّه ببديع حكمته وجوامع كلمه، وعصمه بالوحي السماوي، ولو علم هؤلاء أنّه كان المثل الأعلى في معاملة أهل الكتاب، وداعية إلى حريّة التدين وعدم الإكراه في الدين، لأحبوه كما نحبه ولخجلوا من جهلهم وضيق أفقهم، وكان عليهم أن يقرأوا الإسلام من مصادره الأصيلة، ويفهموا مقاصده السامية، قبل أن يتهموه ويشوّهوا صورته.
وعندما أدركت قوى الظلام أن سرّ قوّة المسلمين وتقدمهم هو الإسلام، حشدت قوّتها لتجريدهم من هذا السلاح، وشغلتهم بمعارك جانبيّة عن تحقيق مشروع نهضتهم.
وكانوا يجرون بين الفينة والأخرى اختباراً علينا ويقيسوا ردّ فعلنا كلّ مرّة، ليعلموا مدى تمسكنا بديننا وحبنا لنبيّنا، فتارة يطلقون الآيات الشيطانيّة، وتارة الرسوم الكاريكاتيريّة، وتارة المقالات الصحفيّة الخبيثة ، حتى إذا وجدوا وهناً منا أو ضعفاً احتلوا بلادنا وهدموا أقصانا وكعبتنا، ولكن هيهات.
وانتهزت قوى علمانيّة وصهيونيّة أحداث الحادي عشر من أيلول فتعاهدت على تعميق الهوّة بين الإسلام والمسيحيّة، وتحالفت على النيل من الإسلام في حلف غير مقدّس تحت دعوى محاربة الإرهاب والتطرّف، وأضرمت نيران العداوة والبغضاء بين الشرق والغرب، وأخذت تسعّر الصراع بين الهلال والصليب، وتقرع طبول الحرب حتى جرى احتلال العراق وأفغانستان، وانحازت أمريكا إلى إسرائيل، واستخدمت مالها ونفوذها السياسي في خدمة المشروع الصهيوني، وقد فاتهم جميعاً أنّ دين الله ليس كالشيوعيّة، وأنّه عصي على السقوط.
كناطح صخرة يوماً ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
وقد فات من يضع الإسلام في قفص الاتهام ويصفه بالجمود والتطرّف والإرهاب أن يستعيد تلك الصورة المشرقة لحواضر العلم والأدب والفن في الأندلس، وابنتها الصغرى صقلية، يوم غدت دمشق وبغداد والقاهرة منارات هداية، ومقصداً للباحثين عن أسرار الكون وعلومه، ومنهلاً عذباً لطلاّب العلم والمعرفة.
وفاتهم أنّ المسلمين لم ينشئوا محاكم التفتيش في أوروبا، ولم يجتثّوا الهنود الحمر في أمريكا، ولم ينتزعوا الشعب الفلسطيني من أرضه ، وفي البحر المتوسط مشكلة قبرص، ولم يضربوا هيروشيما وناغازاكي بالقنبلة الذريّة، ولم يوقدوا المحرقة لليهود والغجر في أوروبا، ولم ينشئوا نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، لأنّ ربّ المسلمين والمسيحيين يأمرهم بالعدل والإحسان.
وهل يرضى أحمد والمسيح أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي مسلوبي الإرادة ممن ضرب خدهم الأيمن والأيسر، وهدم بيوتهم، واقتلع زيتونهم، وسرق مياههم، وانتزع البسمة من عيون أطفالهم، وسجنهم خلف الجدران، حتى يقال عنهم أنّهم ضد الإرهاب.
حثّنا الإسلام على بر أهل الكتاب وإنصافهم وأباح لنا مصاهرتهم وحسن مجادلتهم، واعتبر الإيمان بالرسالات السابقة جزء من الإسلام، ودعانا لنشره بالدعوة والقدوة الحسنة وكانت حروبه لضمان حريّة الشعوب في التدين، وموجّهة ضد الطغاة الذين سلبوهم حرياتهم.
علمنا الإسلام أن نؤمن بموسى وعيسى ومحمد، ولا نفرّق بين أحد من رسله، وأن نقول الحق ولو على أنفسنا.