ديناميكية السياسة الخارجية الاردنية د.فاروق الشناق
السياسة الخارجية الاردنية ممثلة بصاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين لايدانيها في ديناميكيتها الا عدداً محدوداً من الدول في محيطها الاقليمي الدولي؛ فهي في حركتها ودبلوماسيتها النشطة تكاد تضاهي الدول المقررة لاتجاهات السياسة الدولية.
بيد ان ذلك لا يجوز ان يعمينا عن حقائق ومعطيات المجتمع الدولي والسياسات الدولية ومقرري اتجاهاتها والادوار المترتبة عليها وفاعلية تلك الادوار التي لا يمكن فصلها بأي شكل من الاشكال عن مقدمات ومرتكزات ديناميكية السياسة الخارجية لأية دولة. فهناك فرق جوهري بين دينامكية سياسة خارجية ترتكز الى مقومات القوة التقليدية وابرزها العناصر الديموغرافية والاقتصادية والعسكرية والتقنية والتكنولوجية وبين دولة لا تمتلك تلك المقومات او تفتقر الى معظمها.
والمملكة الاردنية الهاشمية واحدة من هذه الدول التي تستند في سياستها الخارجية الى ديناميكية يقودها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين لا يمكن لكل ذي بصر وبصيرة ان يخطئها. ومثل هذه السياسة الخارجية النشطة لا بد وان تنعكس ايجابيا على المصلحة الوطنية العليا للاردن، الامر الذي يظهر حالياً في اتساع نطاق علاقات الاردن الخارجية وحضور الاردن المميز في المنابر والمؤسسات الاقليمية والدولية والنشاط الانساني الدولي وتسلم الاردن لعدد من المواقع القيادية في المؤسسات الاقليمية والدولية كان اخرها رئاسة الاردن " للاتحاد من اجل المتوسط".
كما تتجلى الاثار الايجابية للسياسة الخارجية الاردنية في المشاركة في الفعاليات والمنتديات الاقتصادية الدولية واهمها " منتدى دافوس الاقتصادي " سويسرا واستضافة طبعته الثانية " منتدى البحر الميت الاقتصادي الدولي" ومشاركة الاردن الفعالة في قوات حفظ السلام الدولية في اكثر من بلد تحت راية الامم المتحدة.
ولكن فاعلية السياسة الخارجية الاردنية محكومة بعدد من العوامل الاقليمية والدولية، مما يؤثر سلباً على توجهاتها واهدافها على الاصعدة العربية و الاقليمية والدولية واهمها:
1- استعصاء تسوية الصراع الاسرائيلي – العربي بفعل سياسة اسرائيل العدوانية التوسعية الاستيطانية الاستعمارية الاحلالية وتشبثها باحتلال الارض العربية في فلسطين والجولان السوري ولبنان مديرة بذلك الظهر ليس للقانون الدولي والشرعية الدولية ممثلة بقرارات الامم المتحدة ذات الصلة بالصراع الاسرائيلي – العربي بابعاده المختلفة واخطرها رفضها الاعتراف بحق الشعب العربي الفلسطيني بتقرير مصيره، واقامة دولته المستقلة ذات السيادة على كامل ترابة الوطني وعاصمتها القدس والاصرار على المضي قدماً في عمليات تهويد ممنهجة للاراضي الفلسطينية المحتلة وبخاصة الشطر الشرقي من القدس .
2- انحياز الولايات المتحدة الأمريكية المطلق للطرف المعتدي والخارج على الشرعية الدولية والقانون الدولي والقانون الدولي الانساني، اسرائيل. وعلى الرغم من ان جلالة الملك عبدالله الثاني قد نجح بفضل طبيعة ادراكه للذهنية الغربية عامة والامريكية خاصة في حمل ادارتي جورج بوش الابن وباراك اوباما على انتهاج سياسية ايجابية تجاه الصراع الاسرائيلي – العربي قوامها اعتماد مبدأ " حل الدولتين"، بمعنى العمل على اقامة دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل، فان هذا الجهد الملكي السياسي الخارجي لم يثمر حتى الان عن بلوغ الهدف المنشود، الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وذلك بفعل النشاط المضاد الذي تقوده اسرائيل من خارج الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلال اذرعها الاخطبوطية وابرزها "الايباك"، اللوبي اليهودي الصهيوني من داخل الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وضعف، ان لم يكن غياب التأثير المماثل في الجانب العربي، سواء من داخل الولايات المتحدة الأمريكية او من خارجها من جهة اخرى.
3- عدم وحدة الصف العربي، لا بل انقسامه وتشتته في محاور بتسميات اعلامية مرغوبة او مستلهمه، ان لم يكن طغيان نزعة تشكيكية موهومة تجاه حركية السياسة الخارجية الاردنية النشطة والدؤوبه لاسباب قد تدخل في اطار التنافسية في جانب او في اطار الوقائية في جانب اخر.
4- انقسام الصف الفلسطيني والذي اخذ شكل الاقتتال احياناً، مما سهل على اسرائيل ومؤيديها في الولايات المتحدة الأمريكية على اختلاق المبررات والاعذار للتنصل من التزاماتها وفقاً لخارطة الطريق وانابوليس والاستمرار في ادارة الظهر للقانون الدولي ولقرارات الامم المتحدة ذات الصلة.
واذا كانت السياسة الخارجية الاردنية قد حققت نجاحات على صعيد العلاقات الثنائية مع العديد من الدول وبخاصة تلك الفاعلة والمقررة لاتجاهات السياسية الدولية، بما يحفظ للاردن وجوده وامنه واستقراره من جهة، واستجلاب الاستثمارات الاجنبية ( العربية والإقليمية والدولية) من جهة اخرى، فانها على صعيد القضية الفلسطينية رغم الجهود المضنية والحثيثة التي بذلها صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني لم تفض الى الحل المنشود لما تقدم ذكره من اسباب مضافاً لذلك تقديم الطرف العربي لتنازلات غير مبررة اخطرها الانطلاق من ان السلام خيارها الاستراتيجي بما شجع اسرائيل على المضي قدماً في سياستها الاستعمارية وشن حروبها العدوانية ضد لبنان وغزة من ناحية وتجاهل " مبادرة السلام العربية " من ناحية ثانية، وكذلك تجاهل ارادة المجتمع الدولي من ناحية ثالثة.
ان فاعلية السياسة الخارجية الاردنية التي يقودها جلالة الملك عبدالله الثاني ستكون يقيناً اكثر تأثيراً وفاعلية في التوصل الى تسوية للقضية الفلسطينية، فيما لو عززت بموقف عربي متجانس. ففي عصر التكتلات السياسية والاقتصادية ما من سبيل لحجز مكان في حركة دوران العالم السياسية دون توحد العرب، ان لم يكن في شكل تكتل سياسي، فعلى الاقل في شكل التوحد حول هدف سياسي.. وليس هناك من هدف اعظم واسمى من التوحد حول وجوب خلق مقومات انتزاع الدولة الفلسطينية من حلق اليهودية الصهيونية واسرائيل لكي تؤخذ السياسة الخارجية العربية وانشطها السياسة الخارجية الاردنية على محمل الجد وتثمر في تحقيق الهدف المنشود.
فهل لنا ان نأمل ذلك؟