دولة الأستاذ فيصل الفايز
العلاقة الإنسانية بين قائد عظيم وشعب عظيم
يأتي هذا الحديث في وقت نحتفل فيه بعيد ميلاد جلالة سيدنا الملك عبدالله الثاني بن الحسين حفظه الله وامد في عمره واعز ملكه وحماه.
للحديث عن العلاقة الانسانية بين القائد وشعبه ، تأصيل تاريخي لا بد من الاشارة اليه لانه جوهر المسألة، فالهاشميون على مر العصور كانوا دعاة سماحة وتسامح وخيمة تظلل الجميع وترعاهم ولا تفرق بين احد منهم والامثلة الكثيرة شاهدة على ذلك،
الهاشمية كما هي مصطلح ، هي ايضا مدرسة في الحكم الرشيد المبني على التواصل والتسامح مع الشعب واحترام حقوقه وصولا الى حماية مقدراته والحفاظ عليها.
وتاريخنا يخبرنا كيف كان المغفور له باذن الله الشريف الحسين بن علي مفجر الثورة العربية حاضرا بين الناس يصلح امورهم وينصر ضعيفهم ويشد من عزائمهم في وجه الظلم والاستبداد. ومن بعده الملك المؤسس عبدالله الاول كان حاضرا في السياسة كما هو حاضر في الادب والشعر فكانت مجالسه تجمع الادباء والشعراء الذين عاصروه من كل لون وطيف ، وله ابداعات صدرت في مجلدين تتضمن حواراته الادبية ومحاوراته الشعرية ، وكان الناس من مختلف الطبقات يؤمون مجلسه للاستماع اليه او لقضاء مصلحة او رفع مظلمة. وكان الملك المؤسس يتواصل مع الناس في مناطقهم ويستمع اليهم وهو النهج الذي سار عليه الهاشميون من بعده. وصولا الى الملك طلال_ رحمه الله_ والذي ثبت هذه العلاقة لتكون اساسا يقوم عليه دستورنا الاردني الذي يجسد قيم العدل والمساواة.
ولا بد لنا ونحن نتحدث عن علاقة الهاشميين بشعبهم من وقفه لنتحدث بها عن الارث الانساني العظيم الذي تركه جلالة المغفور له الملك الحسين الباني _طيب الله ثراه _اذ كان رحمه الله علامة فارقة في تاريخ الاردن ، لا بل ، في تاريخ الامة العربية جمعاء. فقد كان مثالا للتسامح في اعلى مستوياته ، ونتذكر الحسين وهو يبادر بالعفو _ عفو الكرام القادرين عمن حاولوا ان يستهدفوه _، فكان ذلك العفو هو الحجة البليغة التي اعادتهم من اوهامهم الى الولاء الحقيقي ، وهو ايضا مثال في التواصل بين القائد وابناء شعبه اذ لم يترك قرية او مدينة او مخيما او منطقة بعيدة في الارياف والبوادي الا زارها والتقى اهلها وتابع قضاياهم واستمع منهم الى اوضاعهم مجسدا على ارض الواقع مقولته :الانسان اغلى ما نملك.
الهاشميون مدارس في الحكم ، ومدرسة جلالة الملك عبدالله الثاني _حفظه الله _ في التواصل والتفاعل مع ابناء شعبه الطيب ارست نهجا فريدا لا نستطيع ان نجمله في محاضرة او حوار هي مسألة صعبة ؛ بمكان ان نتحدث فيها ، الصعوبة تكمن في ترتيب الافكار ، فالحديث عن جلالته يوقعني شخصيا في مأزق يتعلق تحديدا بنقطة البداية ، فلأكثر من مرحلة كنت اتشرف بالاقتراب من شخصيته وكنت في كل مرة - وليست مبالغة - استفيد تجربة جديدة ، ولا اخفيكم انني ما زلت الى اليوم كثيرا ما افكر في المواقف التي جمعتني بجلالته فاكتشف شيئا جديدا او زاوية اخرى للنظر ، هذه الحالة تجعلني افضل ان اتحدث وارجو ان تعفوني مقدما من وضع حديثي في سياق يقصد به الترتيب او منح الاولوية لمسألة على اخرى.
اتذكر بحنين كبير صوت_ المغفور له باذن الله تعالى جلالة الملك الحسين _، وهو يخاطب الاردنيين بعد ولادة ابنه البكر عبدالله بايام ،" لينذر الى الاسرة الاردنية الكبيرة ، ويهب حياته لامته المجيدة "، واتطلع اليوم الى كل هذه السنوات التي مرت واقول لنفسي ، كأن جلالته كان يرى هذا النذر في عيني والده منذ اللحظات الاولى التي ضمه فيها ، وألحظ هنا مسألة مهمة ، فالحسين هو الوريث لسلالة تمتد من خير الانام وتعطر الارض باجيالها ، هذه السلالة التي وجب علينا الا نتجاوز صفتين جوهريتين فيها وهما:" التواضع والتسامح" واذكركم الا تضعوا الترتيب في أذهانكم ، فالخصلتان المتأصلتان في آل هاشم لهما من الدلائل في التاريخ ما لا يعد ولا يحصى.
ان لهذه الصفات امتدادها في شخصية جلالة الملك عبدالله الثاني ، فكلنا نعرف وخاصة من اقتربوا منه مدى تسامحه وسعة صدره ، ونتذكر يوم حديثه المباشر الذي بثه لوكالة الانباء الاردنية قبل عام ونصف العام ، وما تبع ذلك الحوار الشهير من احداث اعطى جلالته فيها درسا حقيقيا في التسامح ، وبقيت صفة التسامح تتواصل مع صفة اخرى مهمة في شخصيته وهي الصبر ، فجلالته بشكل عام يفضل ان يعطي الفرصة كاملة ويفضل ان يتدخل مرة واحدة وبجزم في الوقت المناسب ، والقرارات الاخيرة التي انتهت لحل مجلس النواب تدل على ذلك بوضوح.
في الحديث عن الخصل الجينية - كما يمكننا ان نسميها - ليس لنا ان نتجاوز عن صفة التواضع ، فما زال زملاء الملك في الجيش من ضباط وجنود يتذكرون بعيدا عن اضواء الاعلام ايامه التي قضاها بينهم ، كان مثالا للانضباط العسكري وللوعي بدور مؤسسة الجيش العربي في البلاد ومسؤوليته تجاه الامة ، تواضعه قريب من الجميع ، يستمع من خلال موقعه بينهم لنبض الشارع الاردني ، لم يكن وجوده شكليا كما يحدث في بعض الدول ، وانما ذلك التواجد الحقيقي الذي تعرفه الجيوش الكبرى في العالم ، ملتزما بوظيفته ومصاعبها وبعيدا عن الاضواء ، ايضا كانت صفة غالبة عليه اثناء دراسته في جامعة اكسفورد البريطانية ، هذه القدرة على التعامل مع الناس والبسطاء منهم دون تكلف اثارت اعجاب الجميع.
بجانب هذه الصفات ثمة صفات شخصية اخرى ليست بخافية على احد ، فالملك عفوي وتلقائي ، نتذكره منفعلا في المباريات الرياضية التي تلعب فيها منتخباتنا الوطنية مرتديا فانلة المنتخب غير مهتم بقواعد البروتوكول ، يتحمس للشباب والاجيال الجديدة ، يشجعهم ، لديه الاستعداد لتبادل الحوار حول اهتماماتهم وطموحاتهم ، اما الاطفال بشكل عام فهم الاستراحة الحقيقية عنده ، يحب ان يتمهل قليلا معهم ، يحدثهم ويداعبهم ببساطة ، يبذل بعضا من الوقت لهذه اللحظات الطبيعية معهم.
الملك مستمع جيد وصاحب ذاكرة ممتازة ، خبرته العسكرية اتاحت له قدرة نادرة على التقاط التفاصيل ، يميل الى الحياة المنظمة ، ويعرف جلالته ان ذلك هو فوق طاقة الكثيرين ، ولكنه يضع ثقته فيمن يستطيعون الانجاز ولا يحب الملك الثرثرة او الاستعراض ، انه يركز على العمل ، وافضل وقت تنجز فيه عملك بالنسبة لجلالته هو الامس ، يمكن ان يمضي ساعات طويلة في مناقشة الخطط الاستراتيجية ، ويحب دائما الرجال القادرين على تحويلها الى تكتيكات وتحركات على ارض الواقع ، لا يطلب المستحيل ولكنه لا يرضى باقل من الطاقة القصوى ، يمكن ان يغفر للبعض الفشل في مهمة او اخرى ، ولكنه يرفض ان يكون ذلك نتيجة اهمال او تقصير ، فهذه خطوط حمراء.
عقلانية الملك تضعه دائما في حوار ذاتي بين المتوقع والمنجز ، يحاول ان يصل الى الصيغة القابلة للتحقيق ولكنه لا يتنازل داخليا عن الصيغة الافضل ، يبقى متأهبا لتحين اللحظة التاريخية والموضوعية المناسبة ، يعتقد البعض انه صرف النظر عن هذه المسألة او تلك ، وفي الحقيقة هو فقط يرتب الاولويات ، يمكن ان يسأل في اي لحظة تتاح فيها الفرصة للتحرك الفاعل عن نقطة معينة يتوقع دائما من رجاله ان تكون جاهزة.
ليس سرا ، أن العمل مع جلالته تجربة مختلفة عن تلك التي نخوضها في حياتنا اليومية والمهنية ، خاصة وان معايير الوصول الى رضا الملك ثرية ومتعددة ، فالمواطن الاردني وحصوله على حقوقه الانسانية وحقوق المواطنة والفرص اللائقة واعتبارات اخرى كثيرة هي المحصلة للعملية المتواصلة التي يقودها الملك ، وهي امور نوعية اكثر منها كمية ، وبالتالي فالعملية متواصلة وتحتاج دائما الى جهود استثنائية من الجميع.
اما قصة التنكر والتخفي وزيارة المؤسسات دون بروتوكول او تحضير او استعداد ، فهي بحد ذاتها تروي مدى اهتمام جلالته بتلمس الواقع كما هو ومدى اهتمام جلالته وحرصه على تقديم افضل الخدمات للمواطنين.
وكثيرا ما كان يقارن بين التقارير التي تصله عن احوال هذه المؤسسات وما شاهده جلالته على ارض الواقع من خلال زياراته لها ، ليتعرف على مواطن الخلل. وهو ما دفع جلالته الى الاعلان عن تأسيس جائزة التميز في الاداء الحكومي ومكافحة البيروقراطية ، التي اثمرت منافسة حقيقية بين المؤسسات ، كان هدفها كما اراد جلالته التسابق في خدمة الناس بشفافية واتقان.
ان لدى جلالة سيدنا _ حفظه الله ورعاه_ القدرة دائما على اختيار رجاله ، يمنحهم الثقة بمسؤولية كبيرة يتابع ويوجه ، وهذه الثقة الملكية هبة غالية ، تحتاج الى سنوات من العمل لتحظى بها ، وفي الوقت نفسه يمكنك ان تحتفظ بها ما دمت تتطلع في نفس الجهة مع الملك الى تحقيق الانجاز ، ليس رجال الملك هم المقربون منه فقط ، كل اردني هو من رجاله ، هي مسيرة وتترتب عليها مسؤوليات وواجبات وكل اردني لديه دور ، صغير او كبير ، لذلك لا يكتفي الملك من التأكد من جاهزية الطاقم المقرب منه في القصر او الحكومة فقط ، ولكنه يذهب الى الميدان ليطالع اداء الوحدات الصغيرة التي تتماشى مع معيشة المواطن والانسان في الاردن.
الكل الاردني هو الذي يعني الملك ، مفهوم كلي وليس متاحا لكثيرين ، هي حلقة من العلاقات الانسانية والوظيفية تعمل من اجل تحقيق اهداف الجميع ومصالحهم ، لتمكنهم من الحصول على حياة كريمة وفرص لحياة افضل على الدوام ، وهي مسألة تحتاج دائما الى تركيز وتصميم ، مسألة مرهقة بالفعل ولكن ابتسامة طفل اردني يشعر بالامن ويعيش بكرامة يمكن ان تعوض جلالته وان تكون المكافأة لكل ما يبذل من عمل وعطاء.
ها هي مملكتنا الزاهرة تعجّ بالمبادرات التي اطلقها جلالته والتي يصعب علينا هنا ذكرها كاملة ، تلبية لحاجات ابنائه ، وخدمة للاردن الغالي ، فنحن نشاهد المناطق التي يقوم جلالة سيدنا -حفظه الله- بزيارتها ومدى التغير الايجابي التي يطرأ عليها من بناء للمدارس والمراكز الصحية ومحاولة ايجاد مشاريع تتناسب مع هذه المناطق بما يكفل لابنائها فرص عمل مخففة عنهم ظروف الحياة الاقتصادية الصعبة ، وعلى المستوى العام فمساكن الاسر العفيفة المنتشرة في مختلف مناطق المملكة اضحت مدنا تشهد على اهتمام جلالته بتوفير سبل العيش الكريم لابناء شعبه ، بعد ان انتقل اصحابها من العيش في بيوت من الصفيح والخيش ، حيث يقاسون حرارة الصيف وبرودة الشتاء ، الى بيوت حديثة ، مجهزة بكافة متطلبات العيش الكريم والمسكن الملائم.
وطرود الخير الهاشمية التي تجوب مختلف المحافظات والمناطق في اوقات محددة من كل عام خففت الكثير من اعباء المعيشة على المواطنين ذوي الدخل المحدود ، فقد جعلت هؤلاء المواطنين يوفرون جزءا من دخولهم ليستخدموه في سد احتياجاتهم الحياتية الاخرى.
والمبادرات التنموية في المناطق الاقل حظا اضحت توفر الفرص امام ابنائنا وتحد من مشكلتي الفقر والبطالة ، وتحسين الوضع المعيشي للمواطنين في تلك المناطق ، بعد ان كان ابناؤها يغادرونها بحثا عن العمل في العاصمة او حيث تتوافر مصادر الرزق.
ولم تكن رعاية جلالة الملك ومبادراته تختص بفئة دون اخرى ، او بمنطقة دون غيرها ، فجلالته يحرص على توفير الفرص لكل ابناء شعبه ، صغارا كانوا ام كبارا ، وذكورا كانوا ام اناثا ، ولعل ابلغ درس يجب ان يتعلمه كافة المسؤولين على مختلف مستوياتهم الوظيفية ، قيام جلالته وفي ايام عهده الاولى بزيارة لدار البرّ بالبراعم البريئة والتي تهتم برعاية الايتام ، هذه المبادرة كان لها اثر كبير في نفوس جميع الاردنيين ، اذ حملت رسالة واضحة المعالم لكافة المسؤولين ، فهي توجههم الى ضرورة رعاية الطبقات الاقل حظا من ابناء شعبنا الطيب ، لانهم الفئة الاكثر حاجة للدعم والرعاية ، تحقيقا لمبدأ تكافؤ الفرص ، والمساواة بين ابناء الشعب الواحد. وهو ما يتجسد من خلاله اسس الحكم العادل الرشيد.
لقد تشرفت بالعمل بمعية جلالة سيدنا- حفظه الله ورعاه -في كثير من المواقع ، وقد لمست مدى حب جلالته لشعبه ، وشعوره معهم ، فهو اليد الحانية التي تمسح بدفئها معاناة الفقير والمحتاج والسند لكل من مد يده طالباً العون والمساعدة ، وهو الأخ والصديق لرفاق السلاح الذين عاش حياته العسكرية معهم ، يفرح لفرحهم ويؤرقه ما يؤرقهم. ونحن نجد ذلك في أول سطر نتعلمه من مدرسته- حفظه الله-. فجلالته يتابع المواطنين عبر وسائل الاعلام المختلفة ، ويركز على قضاياهم ، فلم يشاهد أو يسمع او يقرأ يوماً عن محتاج الا ولبى له حاجته ، ولم يترك قصاصة ورقية وضعها بيده أي مواطن محتاج الا واهتم بها. بل الاكثر من ذلك انه دأب بنفسه على زيارة ابناء شعبه في مواقعهم ، يتلمس احتياجاتهم ، ويرعاهم ويقف عند مطالبهم ، ثم يعود بعد فترة وجيزة الى هؤلاء ليتابع بنفسه التغير الايجابي الذي طرأ على حياتهم. وهذا ليس بغريب على قائد تربى في مدرسة الهاشميين ، ونذر مع ساعات مولده الاولى ليكون قائدا مخلصا ومحبا لهذا الوطن.
عندما صارحني جلالته باختياره لي لأكون رئيسا للوزراء ونحن على الطائرة مغادران ماليزيا بعد حضور مؤتمر القمة الاسلامي ، كنت فرحا وفي نفس الوقت قلقا. فرحت للثقة الملكية الغالية ولأنني كنت أرغب ان أخدم جلالته لانه انسان أحبه من صميم قلبي ، وقلقت لأنني أدرك ان علي ان اعمل ليل نهار حتى استطيع ان اخدم مليكي وشعبنا الطيب وهذه المهمة ليست وجاهة لأنني تعلمت من جلالة الملك ان الموقع العام هو لخدمة الوطن.
جميع من التقيتهم في أي مكان سافرت اليه بمعية جلالته او بمفردي كانوا يقولون انكم محظوظون بملككم. فجلالة الملك شعلة من الذكاء السياسي والقدرة الذهنية والفكرية على الاقناع. وهو كذلك يتمتع بذاكرة قوية بالاضافة الى حبه لقراءة التاريخ. وكان يقول دائما ان اهمية قراءة التاريخ بالنسبة له هي للنظر في كيفية صياغة المستقبل. وواهم من يعتقد ان كثرة مشاغل جلالته تلهيه عن القراءة والاطلاع فحتى في الطائرة وهو مسافر كنا نراه يستخرج كتاباً ليبدأ في قراءته وعندها كنا ننسحب مفضلين ان نتركه يستمتع بالقراءة. وجلالته ليس في حياته حيز لكلمة مستحيل ، لان جلالته يدرك بأن الارادة الحقيقية تفتت الصخر وتذيب الفولاذ ، ولذلك كان يكره احيانا ان يقال له ان هذا أمر مستحيل.
ان جلالة الملك يبدي اهتماما كبيرا للناس والفقراء والمحتاجين وبالعمل الخيري ومن هنا فان هنالك اهمية ان يبادر اصحاب رؤوس الاموال والمقتدرين في بلدنا للاقتداء بجلالته لمزيد من التعاضد والتكاتف المجتمعي في بلد يحتاج ابناؤه الى الخيرين الذين يعملون للتخفيف من حدة الاوضاع الاقتصادية على الناس وبما يزيد من الشعور بالامن الاجتماعي الذي هو مهم مثل الامن والاستقرار ، بل هو صمام العملية بأكملها.
عندما ننظر الى السنوات العشر الماضية منذ تسلم جلالة الملك عبدالله الثاني مقاليد الحكم ندرك حجم الانجازات التي تحققت للاردن بقيادة ملك هاشمي يريد للاردن ان يكون في مقدمة الركب والتطور في كافة المجالات. وهو بذلك استطاع ان يخطو خطوات عملاقة في عملية نقل الاردن الى دولة عصرية حقيقية تؤمن بالانسان الاردني وتنظر الى التحديث والاصلاح بعين ملؤها الثقة والاصرار والتحدي على ان نكون السباقين الى تحقيق الانجازات ليس مقارنة بمن هم حولنا من الوطن العربي فحسب ، بل ايضا على مستوى الدول المتقدمة.
وعلى الرغم من الامواج المتلاطمة من حولنا ، ورغم الحرائق التي تعبق ريحها بالاجواء ، ورغم الانواء الكثيرة فان جلالته كان وما زال ، دوما ، صاحب رؤية استشرافية ينظر الى المستقبل ويحذر مما هو آت.
همومنا السياسية: هي مترابطة بشكل كبير مع ما نتحدث عنه. ان الاخطار والتحديات الخارجية التي تواجه الاردن هي اخطار من نوع امني وسياسي ، فالاردن ، الذي كان من اوائل الدول التي عملت على تفكيك الخلايا الارهابية ، مستمر في مهمة الحفاظ على الامن من اي اخطار خارجية وهذا يحتاج ، ايضا ، الى رص الصفوف في مواجهة اي خطر امني. والحركة الدؤوبة للدبلوماسية الاردنية ، بقيادة جلالة سيدنا حفظه الله ، تسعى لأن يكون الاردن لاعبا مميزا في المنطقة مما يمكنه من الحفاظ على اوضاعه الداخلية وعلى استقراره ، ويمكنه بنفس الوقت من المضي قدما في الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الهادفة الى رفاه الشعب الاردني وخيره.
لقد استطاع جلالة الملك عبدالله الثاني ، وبما يحظى به من احترام وتقدير في الدول العربية الشقيقة ، والمكانة المرموقة دوليا ، من جلب الاستثمارات والمنح خاصة من الدول الخليجية وفي مقدمتها السعودية والكويت والامارات ، للانفاق على المشاريع التنموية التي تساهم بشكل كبير في التخفيف من الفقر والبطالة.
وجلالته لا يقتصر عمله الخيري والانساني على وطننا الحبيب الاردن فحسب ، بل امتد ليشمل الكثير من الاشقاء في الدول العربية والاسلامية. فهو يتألم عندما يرى الجرحى في فلسطين والعراق والبلدان الاسلامية ، ودائما يهب لنجدتهم سواء على المستوى السياسي او على المستوى الانساني ، وعلى هذا الصعيد فقد أمر جلالته مرات عدة بارسال مستشفيات ميدانية للاهل في فلسطين والعراق ولتضميد الجرحى في افغانستان.
جلالة الملك عبدالله الثاني صاحب رؤية ورسالة تؤمن بالتسامح والمصالحة وهي جوهر فكرة الهاشمية من حيث هي دعوة تؤمن بالجميع وتظلل الجميع بالخيمة الوارفة التي لا تفرق بين انسان وآخر مهما كان دينه او مذهبه أو جنسه. والهاشمية ايمان بضرورة نشر الاسلام الوسطي المتسامح الذي لا يرى في المخالف للرأي عدوا ، بل ينظر الى كل اتباع المذاهب باعتبارهم موحدين - دمهم ومالهم وعرضهم حرام على المسلم - . ومن هنا كانت دعوة جلالة الملك لممثلين عن جميع المذاهب الاسلامية التي نتج عنها ما عرف لاحقا برسالة عمان.
جلالته بحكم انتسابه الى بيت النبوة الأطهار الأخيار لا يريد ان يرى كربلاء جديدة في الدول العربية وان تصل الامور الى ان يقتل الاخوة لخلافات مذهبية أو طائفية أو سياسية فلذلك دعا جلالته اكثر من مرة الى التوحيد على اهمية المحافظة على الاوطان واستقلالها وعدم فتح المجال للطامعين بأمتنا ليحققوا مآربهم.
ان الجهد الذي يقوم به جلالة الملك على صعيد القضية الفلسطينية باعتبارها مربع الصراع الاول في المنطقة وعلى صعيد الاوضاع في العراق هو جهد دبلوماسية سياسي وقائي يهدف الى تجنيب المنطقة ويلات الحروب بما فيها الحروب الاهلية. وهذا الحراك يصب في الحفاظ على الوطن الاردن سليما معافى لأن هناك ادراك عميق بأن الازمات التي تشهدها المنطقة سيكون لها تأثيراتها السلبية المباشرة على الدول العربية وفي المقدمة منها الاردن. ان حل القضية الفلسطينية واقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس أمر مهم للمصالح الاردنية.. سياسية وامنية واقتصادية واجتماعية. فبدون حل هذه القضية ستبقى المنطقة تعيش صراعات تولد الاحقاد لدى الجيال القادمة. وانزلاق الاوضاع في العراق الى تطاحن مذهبي وصراعات مسلحة ستكون له تأثيراته السلبية علينا ايضا. ومن هنا جاءت التحذيرات الملكية المتكررة عن ضرورة حل قضايا المنطقة والسعي لدى الادارة الاميركية والدول الاوروبية وروسيا واليابان والصين لاقناعهم ان مواجهة الارهاب والعنف لا يكون الا بحل القضايا المعلقة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
لقد خطا الاردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني خطوات كبيرة الى الامام والامل بالخير القادم الذي تحمله السنوات القادمة بعزم لا يلين من جلالة الملك واصرار على تحدي كل الظروف والصعاب ونحن من حوله رجال ونساء نشد أزره ونحميه بحد سيوفنا ونرد عنه العدى وان دعا الداعي ستكون ارواحنا رخيصة فداء لعيون جلالة الملك المحبوب أطال الله في عمر جلالته.
لقد استطعنا نحن الاردنيين بالتفافنا حول قيادتنا الهاشمية ، تفويت الفرص على كل من حاول الطعن بهذا البلد او التآمر عليه او خلخلة بنيانه القوي الذي يقوم على لحمة وطنية داخلية بين الاردنيين من شتى منابتهم واصولهم ومناطقهم.
31-01-2010