الدكتور قاسم أبوعين تربوي عريق ومثقف معاصر
بقلم الباحث: عبد المجيد جرادات
شكرا جزيلا لكل القائمين على فكرة هذا النشاط، فهو يعبر عن اشهار وتوثيق المواقف المتميزة، والسيرة العطرة لمن يتفانون في خدمة وطنهم وبيئتهم الاجتماعية، بهذا الاسلوب تتهيأ الفرصة امام المبدعيين ليكونوامن البناة ، الذين يترجمون طموحاتهم الى نجاحات، ترقى الى التسلح بالقدرة على صنع المنجزات التي تأخذ مكانتها في العادة ضمن المظاهر الحضارية للشعب والامة على حد سواء
تتفق على ان الجانب المشرق بمثل هذا الجهد، هو احترام دور الاوفياء، سعيا لتعميم ثقافة الايثار وتجسيد حسن التنافسبالاتجاه الذي يقوي العزائم ويوحد الكفاءات نحو العطاء المتجدد وتأسيسا على ذلك اقول انني اتحمس للحديث عن معالي الدكتور قاسم ابو عين لانه يختزن في شخصيته الفذة اكثر من صفة ، فهو تربوي عريق ومثقف معاصر ، حيث يرى ان التربية تتمثل بمنظومة القيم التي تحث على الفضيلة والسمو، في حين ان للثقافة من وجهة نظره الاثر المباشر في التنمية الشاملة وفي اقتصاد المعرفة القائم على الفكر النيير ، والتصميم الذي يتجاوز حدود التهيب، والابداع الذي ياتي بالحلول الخلاقة والقرارات الرشيدة
الى جانب ذلك ، فقد خبرتبمعالي ابو ، كل صفات القيادة التي في جوهرها على فن الاصغاء لمن يبادر بالحديث معه وهي معادلة فكرية رائعة ، لانها تتناول بعدت اساسيين ، اولهما منهجية الحوار الهادف، بما يعنيه من قدرة على دقة التشخيص، بحيث تتحدد الغاية والهدف، بعد مناقشة نقاط القوة والتركيز عليها، ومعرفة نقاط الضعف لتجنبها، اما البعد الثاني، فانه يتلخص باسلوب الاقناع الذي يؤدي للتوافق، بعيدا عن التحييد او الاكراه
في حقل الادارة، له باع طويل في عملية التخطيط للمركز المستقبلي للمؤسسة او الجهة التي يمثلها ، ولديه القدرة على استخلاص النتائج بمجرد شروعه بقراءة التفاصيل، وقد منحته صفلا الاباء فيه ، العديد من المزايا التي تشجع الاخرين على ان يروا فيه المرجعية التي تتقن منهجية التحكم، حتى تسود الثقة ، ويكون التوافق الذي يلتقي مع منطق العدالة والمساواة بين الناس يترفع عن الاستقواء على من هم دونه، ويبرهن للجميع ان مفهوم الاستقامة يمهد للتحلي بقيم العمل المنتج، وينأى بنفسه عن الاصطفافات التي كثيرا ما تشوش اما على المزاج العام، او انها تتطاول على مقومات الانسجام الودي بين الناس
يتمتع برؤية المفكر، الذذي يتفاعل مع بيئته الاجتماعية، ليكون مؤثرا فيها، وفي فلسفته ان مسألة التناسب بين الزمن وسرعته في قياس الحدث، لم تعد على ما كانت عليهقبل عصر العلم ومن هنا يحاول الربط دوما بين الشكل والمضمون، اما منهجيته في مواجهة التحديات فهي تستند على جملة عوامل منها اهمية التحريض اذاتي على الوعي، وهذا ما تتطلبه ضرورة الوفاء بحاجات العصر، واستيعاب مشكلاته، ومواكبة التغيير من بوابة القدرة على تفكيك القضايا ، ومعرفة تفاصيل القيم المعرفية
لديهمن الفطنة، ما يعطيه القدرة على دقة التصويب وتلك هي صفة الحكمة التي يحلق في فضاءاتها ليستجلي الحقيقة ويرسم تبعا لذلك سياساته وتصوراته وفقا لنظرية السير في ركب التطور والتجديد، وهو يؤمن ان التراخي يؤدي للتباطوء، ولهذا يسعى دوما لمتابعة احدث النظريات وانجح المشاريع ، حتى تكون المواكبة بما هي عليه من اثبات للموجودية ، والابتعاد عن الاتكالية
يمتلك الدكتور قاسم محمد أيوعين، المولود في قرية ناطفة اربد عام1939، صفتي
المثابرة وقوة العزيمة، وقد تمكن بعد حصوله على شهادة الدراسة الثانوية العامة من متابعة
دراسته الجامعية،حيث حصل على ليسانس في اللغة العربية وآدابها من جامعة دمشق عام
1967 ودبلوم تربية،تخصص أساليب تدريس اللغة العربية من جامعة اليرموك عام 1980، وماجستير في الإدارة التربوية والإشـراف من جامعة اليرموك عام 1984، ثم دكتوراه في
الإدارة التربوية من جامعة أم درمان الإسلامية في السودان خلال الفترة من بداية عـــام 1995 ولغاية نهاية عام1997
لديه خبرات واسعة في مجال التدريس، فقد عمل معلما ً في الأردن وليبيا، في بدايات
مسيرته العلمية، ثم تسلسل في تسلم المهام على النحو التالي:-
_ الإدارة المدرسية / وزارة التربية والتعليم الأردنية من عام 1971 لغاية 1976
_ الإشراف التربوي / وزارة التربية والتعليم الأردنية من عام1976 لغاية1980
_ مساعد مدير تربية وتعليم من1980 لغاية 1984
_ مدير تربية محافظة اربد من1985 لغاية 1992
_ محاضر غير متفرغ في جامعة اليرموك وكلية تأهيل المعلمين من1984 _1992
_ مستشار ديوان الخدمة المدنية عمان من1993 لغاية 1995
_ أمين عام وزارة الثقافة عمان 1996
_ وزير الثقافة والشباب من1997 لغايةو
1998
ويعمل حاليا رئيس مجلس امناء جامعة جدارا
شغل الدكتور أبو عين مهمة رئيس اللجنة الأولمبية الأردنية خـلال عامي97 و98
وكلف بوظيفة عضو في الفريق الوطني للإشراف على تأليف كتب اللغة العربية للمرحلتين
الأساسية والثانويـة وذلك من عام 1991 لغاية 1995 وكان عضوا ً في مجلس التعليـم
العالي الأردني للفترة من عام1997 _ 1998، ورئيسا ً للمحور الثقافي في سيناريوهـات
الأردن 2020.
شارك منذ عام1990 ولغاية1998 في العديد من الدورات والمؤتمرات العلمية في حقول
التربية والثقافة والشباب في الأردن وتونس وبيروت والقاهرة وبروكسل /بلجيكا، واسبانيا
وسويسرا، وله كتابات مستمرة في الصحف الأردنية، وقد صدر له عام1990 ديوان شعـر
بعنوان أغنيات للوطن، وفي عام1996 صدر له كتاب بعنوان رسالة الثقافة في الأردن.
وفي عام 2007 صـدر له كتاب جديد بعنوان ( تطوير معايير التنظيم الإداري بين المركزية واللامركزية، وزارة التربية والتعليم أنموذجا ً) وهو جهد ُ متميّز، يوثق ُ المخزون المعرفي للدكتور أيوعين، ويعرض أنجح السبل التي تعزز مفهوم الابتكار، وتنـير الطريق
أمام المبدعين، ليتابعوا السير حيث وصل الرواد والبناة.
أهدى الدكتور أبو عين كتابه هذا إلى المربين والمديرين،السائرين على طريق الأصالة
بلا انكفاء، والباحثين عن التجدد المتبصر بالمضمون والجوهر، بلا تنافر مع الأصالة، ولا انقطاع عنـه،الحريصين على الاتجاه الذاتي المستقل لأمتهم في الإدارة والفكر وشؤون الحياة
جميعها.
وفي التقديم، يقول الدكتور أحمد راشد، أن هذا الكتاب، يستند على منهجية البحث العلمي
التاريخي، والوصف التحليلي لموضوع، يحتل مكانة بارزة في ميدان التربية والتعـليم، ومن
الواضح أن المؤلف، ربط بين أهمية استشراف المستقبل من خلال التفاعل الجاد مع الحاضر،
وضرورة المواءمة بين الأصالة بما تمثله من منظومة القيم السائدة في المجتمع، والحداثة بما
تستدعيه من فطنة، ترقى إلى مستوى القدرة على متابعة الجهود الحثيثة للاستفادة من أحدث النظريات العلمية عالميا ً ومحليا ً ، وتوظيفها في خدمة الحركـة التنموية بشقيها الاجتماعي
والاقتصادي.
ُيعّرف الدكتور أيوعين، الإدارة، بأنها عملية تنسيـق للجهود والطاقات من أجل تحقيق
أهداف المؤسسة، ويرى أن المظهر الحضاري للأمة، يتبلور في ظل الاقتناع بتنظيم الأدوار،
وفقا ً لمعادلة تجمع بين مهمة التخطيط ، ومراحل التنظيم ، بحيث تلتقي الإجراءات التنفيذية
مع مقومات الرقابة الذاتية، وعندما ترتكز الأسس التربوية على هذه المفاهيم، فإن ميـول
النشء، تتجه تلقائيا ً نحو التزوّد بأدوات المعرفة، واكتساب أرقي المهارات، خصوصا ً وأن
ثقافة الإنتاج، باتت تستند على ركيزتين، تتمثل الأولى ، بتفعيل دور المشاركة في رســم
السياسات وصنع القرارات، ومن المتفق عليه أن هذا الأسلوب، يوضّح الرؤية التي تضـع
الجميع أمام مسؤولياتهم ، أما الركيزة الثانية ، فهي تتلخص بمبدأ التنافس الإيجابي أثناء تأدية
المهام والواجبات، والتقليل من مظاهر الروتين، ثم الحد من التداخل بين مختلف الشرائح
والفعاليات، وكل ذلك من أجل مضاعفة الإنجازات، وهذا ما تقتضيه استحقاقات المرحلة،
ويتطلبه الموقف المستقبلي للجماعات والدولة على حد سواء.
وبناء على توجهات وزارة التربية والتعليم الهادفة إلى إعادة النظر في تنظيمها، وإجراء
حركة إصلاح تربوية شاملة، استجابة لتوصيات المؤتمر الوطني الأول للتطوير التربوي
( أيلول 1987)، وما ترتب عليه من خطط وبرامج، تنسجم مع فكرة التحـّول من نمــط
المركزية الإدارية، إلى المنهجية اللامركزية، وتفويض الصلاحيات، وتحديث التشريعات من قوانين وأنظمة لتساير روح العصر ، فقد وضع الدكتور أبوعين إجابات دقيقة حول المعايير
المعتمدة للتنظيم الإداري في المؤسسات التربوية، وتلك التي تمتلك رؤية للمواكبة، وتجسّد
المنافسة، سعيا ً لضمان شروط التميّز في الأداء، وُيمكن تلخيص استنتاجاته على النحـو
التالي:
أولا : تم استعراض ومقارنة مبادئ التنظيم في أشهر النظريات والتطبيقات الغربية واليابان
والفكر الإداري الإسلامي، حيث توقف المؤلف عند المنطق الفلسفي في هذه النظريـات،
مشيرا ً إلى أن التنظيم بحد ذاته، يعكس فلسفة الفكر الإداري الذي ينبثق عنه، كما أن الإدارة
تعكس فلسفة الحكم وأهدافه ، لأنها التطبيق العملي التفصيلي لكل المراحل والأهداف .
ثانيا ً: كان هنالك تركيز ُعلى نظرية العلاقات الإنسانية، والتي جاءت مغايرة لفكرة المدرسة
التقليدية أو الكلاسيكية، بما هي عليه من نظم لا تحترم في جوهرها كينونة الفرد، فهي تهمل
عواطفه ومشاعره، لأنها تأخذ بالمتغيرات الاقتصادية دون سواها، في حـين أن النظريـة
الإنسانية، تهتم بتوفير الحوافز التي توفر حس انتماء الفرد لبيئته الاجتماعية، بعد أن يتـأثر
بآرائها، ويؤمن بمعتقداتها، ومن المعلوم بأن هذا الجانب من التفاعل، يؤدي لتطوير أساليب
القيادة وحسن الإشراف، والاهتمام بالمشاكل العامة والاجتماعية والأسرية، وُيثـري الوعي
العام،والذي يؤدي للتحصّن ، ليكون التماسك،وآنذاك، يتجلّى الحديث عن ثقافــة المشاركة
ومضاعفة الإنتاجية التي تقوّي الروح المعنوية، وتبعث على الاعتزاز بالهوية الوطنية.
ثالثا ً: تم التأكيد على أن الإدارة الإسلامية، تستند على التدرج الرئاسي في إطـار وحـدة
القيادة والتوجيه، بما يتطلبه من أهمية اكتساب المعارف والخبرات، والجميل في هذا التدرج
أنه لا يستند على المفهوم الطبقي أو إساءة استخدام السلطة، ذلك لأن العمل في الإسلام عبادة
وفريضة عامة، ومصدر القيمة الإنسانية، وأساس التقدم، ومن خلاله، يتفاوت الناس بمستوى
عطائهم، وقدراتهم، ونضوج خبراتهم.
رابعا ً: بين وحدة الهدف، وتفويض الصلاحيات، تبرز مظاهر الالتزام بما هو عليه من ميل
تلقائي لتجسيد حسن الانتماء للمؤسسة، وفي هذه الأثناء، لابد من العمــل بسياسة الأبواب
المفتوحة، حتى يكون التشاور البناء، والتكاتف نحو إنجاز المهام أو الأهداف المنشودة.
ُيشير الدكتور أبو عين، إلى أن خط السلطة ونطاق الإشراف مبدآن تقليديان، والعلاقة
بينهما عكسية، إذ كلما قصر خط السلطة، اتسع نطاق الإشراف المتمثل في عدد الوحـدات
والوظائف والأفراد الذين يقعون في دائرة إشراف رئيس واحد، وطالت خطوط الاتصال مع
ما تتطلبه من جهد ووقت، خصوصا ً في المؤسسات الكبيرة، وهذا ما ُيبرز الوجه الإيجابي
لمنح الصلاحيات، وتطبيق نظم اللامركزية، ومن المتفق عليه أن هذا الأسلوب، ُيسهم بتزويد
طواقم العمل في الإدارة الوسطى بالكثير من المرونة ، وتبعا ً لذلك ، ُيمكن التعـّرف على
أصحاب الإبداعات، الذين يشكلون قيادات واعدة، بعد أن تتحقق للمؤسسات جملة فوائد،
أهمها إمكانية الحصول على بيانات دقيقة ، بعد تحليلها،وخضوعها لتسلسل خطوات التقييم
الموضوعي ، وهنا تتهيأ الظروف لاتخاذ القرارات الحكيمة والرشيدة .
ُيستدل مما خلص إليه الدكتور قاسم محمد أبوعين في كتابه الجديد،على أن الثقافة العربية
منفتحة على مختلف أبواب المعرفة ، وهو يرى أن منظومة القيم الفكرية المستمدة من أصالة
هذه الأمة، وتعاليم دينها الحنيف، تستطيع التأثير في بلورة السلوك الاجتماعي الذي ُيقبل على
التنافس من أجل إحداث الأفعال التي تحقق الترابط والتوافق في الحقول العلمية والتقنية، إلى
جانب مواصلة الجهود للنهوض بالفكر الاقتصادي الذي ُيعزز الحركة الإنتاجية في المجالات الصناعي
ة والتكنولوجية، معتبرا ً أن الارتقاء بالعملية التربوية، ُيشكل حجر الأساس في حركة التطور والبناء.
بين مخزون المعرفة، والسلوك الثقافي، تتجلّى صفات الإدارة الحصيفة في شخصيـة
الدكتور قاسم أبو عين، فهو من النمط الذي ُيفكر قبل أن ُيقرر، ومن الواضـح أن تجاربـه
الميدانية، قد منحته قدرات فائقة في تحليل القضايا، سعيا ً منه للتوصـل لأدق الاستنتاجات،
قبل اتخاذ أية قرارات، وهذا ما يستدعي من وجهة نظره، مراعاة دقة التشـخيص، ذلك لأن
القناعات التامة ، لا تتحقق في ظل الشك،وهذا ما جعله موضع ثقة، خصوصا ً في المواقف
التي يتم البحث فيها عن دور المرجعيات المرموقة، في المج[/size]الين الاجتماعي والفكري.
[/f
