كيف نبني الأمم وكيف نهدمها
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله وحدة المتفرد بملكه وعظيم صنعه والصلاة والسلام على هديته العظمى لخلقه أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد .
فإن حديثنا اليوم عن موضوع من أخطر مواضيع نجاح الأمم أو انهيارها وزوالها
إنها القيم السامية
في جميع الحضارات التي مرَّت على سطح الكرة الأرضية سواء كانت الحضارة الإسلامية أو غيرها من الحضارات جميعا نجد بأن ركائز البناء الحقيقية للحضارة هي القيم العليا السامية
وبزوال هذه القيم تزول الحضارة مباشرة وباختصار ونحن في عصر السرعة أقول
ركائز الحضارات جميعا وتمكينها في الأرض هي القيم السامية و سبب تدمير الحضارات هو زوال القيم السامية و ياترى ماهي هذه القيم السامية التي يمكن أن نبني عليها حضارة أو بالمقابل يمكن أن تُسحب من حضارة من الحضارات بأي طريقة وبأي أسلوب فتنتهي هذه الحضارة وتزول ؟
وما مدى خطورتها ؟
حضارة الأمم مبنية على جملة من القيم تُكمِّل بعضها بعض و منها قيم
العدل .
المساواة .
الأمن .
الأمان .
الكرامة بجميع جوانبها الفردية والمجتمعية .
الحرية الحقيقية والتي تضمن حقوق الجميع وعدم التعدي .
الخُلق الرفيع ومنه الصدق و الأمانة و المسؤولية و الشرف و نحو ذلك .
وعندما تبحث في تاريخ أمة من الأمم تجد أن حضارة تلك الأمة قامت على تحقيق قدر كبير من هذه القيم والسعي إلى تحقيق المزيد منها .
وبالمقابل عندما تلاحظ انهيار تلك الحضارة تجد أن الأسباب وراء ذلك ثغرات عظيمة استغلها أعدائها لكي ينفذوا من خلالها بحيث يزرعوا الفرقة بعرض هذه النقائص أمام الملا ويضربوا على وتر الإصلاح وإزالة هذه المظالم و المفاسد .
وقد يكونوا مُحقين في ذلك وقد يكونوا كاذبين ومُستغلين للظروف , غير أن الأمر في جميع الأحوال لا يخلوا من خلل حقيقي يتم استغلاله من قِبل أعداء تلك الحضارة .
إذا علمنا ذلك دعونا نلاحظ حضارتنا الإسلامية أو العربية المعاصرة
و سنناقش الموضوع من خلال الأسئلة
من هم أعداء أمتنا ؟
مالذي يزرعونه في أعماق مجتمعاتنا ؟
كيف ينشرون الرذيلة داخل الشعوب العربية المسلمة ؟
كيف نشروا الخيانة في التعاملات التجارية ونحو ذلك ؟
كيف عمَّقوا مفهوم الأنانية وحب الذات المفرط في نفوس الكثير ؟
كيف يعملون على هدم القيم الاجتماعية العليا وما هي طرقهم وأساليبهم ؟
كيف يعملون على تغيير المفاهيم الاجتماعية الراقية إلى مفاهيم وضيعة ؟
كيف غيروا عقول أبناءنا وألبسوهم لباس أسوء فئات مجتمعاتهم ؟
كيف يستغلون الإعلام في نشر الفكر الغريب والمتطرف والشاذ سلوكيا بل إنسانيا ؟
كيف يحمون الرذيلة ويسنون لها القوانين والتشريعات ؟
كيف يزرعون الفرقة بين أبناء الأمة الواحدة , بل القطر الواحد , بل الأسرة الواحدة ؟
كيف ينشرون فكر عدم الأمان وعدم الثقة في قيادات الأمة ؟
كيف وكيف و كيف ؟ أسئلة ليست غريبة عنكم ولكنها تحتاج إلى تفكير وليس مجرد تفكير وحسب بل تفكير وتفكر وتحليل لإيجاد الحلول للخروج من هذه الضائقة الحضارية إلى سعة الحضارة الحقيقية .
أنظروا إلى حضارتهم التي أوشكت على الزوال الآن مازال فيها شيء من العدل
ومازال فيها شيء من الحرية إلا أنها بدأت تتجاوز حدود الحرية إلى الإفساد وهذا هو الباب الكبير الذي وقعوا فيه ( حرية لا حدود لها ) هذا القانون أفسد بشريعته كل القوانين ومن هنا أتاهم الخراب من حيث لم يحتسبوا .
ومازال في حضارتهم شيء الإخلاص في العمل والإنتاجية
ومازال في حضارتهم شيء من الثقة في المعاملات
وكذلك مازال لديهم عقلاء يحاربون في الداخل وبكل بسالة لكي يحافظون على ما تبقى من حضارتهم .
إلا أنهم يحاربوننا في المقابل بتصدير كل رذيلة وهم يعلمون أنها رذيلة فيصدرونها للعالم ذلك لأنهم يعلمون بأن النقائص والرذيلة والخيانة والأنانية والظلم و البغضاء . من أكبر مُدمرات الحضارات فيزرعونها في أمتنا بكل وسيلة لكي تتفجر بين لحظة وأخرى ويظل عالمنا العربي والإسلامي يسير في حقل ألغام في كل ساعة ينفجر فيه لغم يُفقده جزء من كيانه .
لن ننهي الحديث على هذه الخاتمة الحزينة ولكنني سأقول
إن كنا صادقين علينا أن نبادر بزرع القيم والمُثل العلياء عندها فقط سنستمر في المقاومة والمدافعة بل والثبات ومنه إلى النصر بإذن الله تعالى .
من داخل المنزل على الأسرة أن تُربي أبنائها على الفضيلة وحسن الخلق .
من داخل الإدارة في جميع مستوياتها , على المدير أن ينشر ثقافة المسؤولية والعدل والإنصاف وحب العمل والإخلاص .
من داخل القضاء علينا أن نُطبق أحكام شريعتنا ولا تأخذنا في الله لومت لائم .
من داخل المدرسة على المربي أن يصلح ما أفسده وسائل الإعلام وأن يبني بناء الخير في هذا الجيل الصاعد ومن يدري لعل كلمة صادقة خالصة لوجه الله يُصنع الله بها على يديك قائد أمه ومصلحها أو عالم شرعي أو نووي أو إنساني أو مربي فاضل أو قل ما شئت
نخاطب ضمائر القائمين على وسائل الإعلام , إذا عملنا على المحافظة على أخلاق أبنائنا فإننا نضمن وبإذن الله نصراً حقيقيا مؤزرا فلا تكونوا معاول هدم لأمتكم وأجراء لأعدائكم من حيث تدرون ولا تدورن .
إلى كل مسئول أو باحث عن مخرج لهذه الأزمات المتتالية والتي تعصف بأمتنا أقول لهم لن ننجوا أبدا إلا بزرع المُثُل العليا في مجتمعاتنا , لن ننتفع من أي خطط خمسيه ولا عشرية ولا مئوية إلا إذا كانت هذه الخطط من أهم مهماتها وأولا أولوياتها المحافظة على القيم السامية والأخلاق الحميدة فصاحب الخلق ( لن يسرق , لن يظلم , لن يستغل موارد الأمة , لن يستهتر بالأنظمة والقوانين , لن يظلم نفسه ولا الآخرين , لن يكذب , لن يرتشي , لن تُحركه المحسوبية والمصالح الشخصية ,لن ولن ولن و سوف يتعفف عن كل رذيلة )
أما في المقابل فإن عديم الخلق ستجد في تصرفاته كل نقيصة ضارة لأمته ابتداءً من التسيب في عمله وانتهاءً بالظلم والإجحاف في حق الآخرين بل سيُضحَّي بكل من حوله وحتى بوطنه في سبيل تحقيق مصالحه الشخصية .
أما إذا أردنا أن نعرض دليل من واقع ديننا فقد قالها مُعلم البشرية الأول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ( إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق )
وقال ( أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه )
وقال الكثير والكثير عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم , ولكننا نحتاج إلى الرجوع إلى هذه المرجعية العظمى لاقتباس كل فضيلة منها .