العلاج الطبيعي في السنة النبوية .........
______________________________ __________
سوف نذكر في هذا المقال أنماط وتطبيقات العلاج الطبيعي في السنة الشريفة وهي جزء من أقوال وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم وليس كل أقواله التي تختص بعلم العلاج الطبيعي, وقد جاء ذكر العلاج الطبيعي وأساليبه وتطبيقاته على لسان النبي صلى الله عليه وسلم وظهرت أفعاله في أكثر من موضع وفي أكثر من مكان وزمان، تارة يوصي بها أصحابه وتارة أخرى يستخدمه هو عليه السلام لوجع ألم به، فمن ذلك:
أولاً: الحـــــــــــــــــرارة:
التطبيق الأول (قطعة قماش ساخنة):
قال الصحابي جبير بن مطعم رضي الله عنه:"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد سعيد بن العاص فكمده بخرقه".
قال ابن الأثير في كتابه (النهاية في غريب الحديث) ج4/ص199 بعد إيراده لهذا الحديث:
(التكميد: أن تسخن خرقة وتوضع على العضو الوجع، ويتابع ذلك مرة بعد مرة ليسكن، وتلك الخرقة: الكمادة والكماد).
وفي استحباب وتفضيل الكمادات أو (الكماد) على الكي وردت عن النبي مجموعة من الأحاديث منها مارواه الإمام أحمد بن حنبل في مسندة ج6/ص170 عن أم المؤمنين السيدة عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مكان الكي التكميد) والمراد من الحديث أن الكماد أو الكمادات تغني عن الكي وتحل محله.
وروى الحافظ عبد الرزاق بن همام في كتابه المصنف ج10/ص407 عن الشعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "الكماد أحب إلي من الكي" وهذا الحديث وإن كان ضعيفًا باعتباره مرسلاً إذ أن الشعبي تابعي وليس بصحابي إلا إن له شواهد تقويه وتحسنه، وقد تقدم ذكر بعضًا منها.
التطبيق الثاني (الرضف بالحجارة):
أخرج الحاكم في (المستدرك) ج4/ص238 عن عبدالله بن مسعود رفع الله تعالى مقامه أنه قال:"أصاب رجلاً من الأنصار مرض شديد فوصف له الكي، فأتوا النبيّ فأعرض عنهم، ثم أتوه فأعرض عنهم، ثم قال في الثالثة أو في الرابعة: إن شئتم فارضفوه رضفًا" ذكر الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتابه (العين) ج7/ص28ه (الرضف: حجارة على وجه الأرض قد حميت) وقال الصاحب بن عباد في كتابه (المحيط في اللغة) تحت مادة الرضف مايلي: (الرضف: حجارة على وجه الأرض قد حميت بالشمس أو بالنار).
وفي هذا الحديث دليل جديد على تفضيل الكماد أو الرضف على الكي، وسكوت النبي صلى الله عليه وسلم بعد سؤال أصحابه وأعراضه عنهم وإعطائهم بديل آخر غير الكي وهو الرضف شاهد قوي على ذلك التفضيل.
ثانياً: الماء البارد:
التطبيق الثالث (الاغتسال بالماء البارد):
في مجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة نصح الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم أمته باستخدام الماء البارد في حالة ارتفاع درحة حرارة الجسم نقتصر على ذكر أثنين:
الأول: قوله صلى الله عليه وسلم : "إذا حم أحدكم فليسن – وفي رواية أخرى فليرش عليه من الماء البارد من السحر ثلاث ليال" – كتاب (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للحافظ أبو الحسن الهيثمي حديث رقم 8344).
الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: "أيما أحد فيكم أخذه الورد فليصب عليه جرة ماء بارد" – (مسند الحارث بن أبي أسامة) حديث رقم 567 والورد المذكور في الحديث الثاني هو الحمى كما ذكر ذلك علماء اللغة، منهم الجوهري في كتابه (الصحاح) قال في ج2/ص549 (والورد: يوم الحمى إذا أخذت صاحبها لوقت، تقول: وردته الحمى فهو مورود) والعلاج بالماء البارد أمر معروف ومشهور لكل من خالط كتب السنة المشرفة وتوسع في مطالعتها لدرجة دفعت شيخ الإسلام ابن حجر إلى القول : (إن الرعدة تعقبها الحمى وقد عرف من الطب النبوي معالجتها بالماء البارد) أنظر (فتح الباري بشرح صحيح البخاري) ج8/ص555.
التطبيق الرابع ( التيار المائي البارد المندفع):
روى جلال الدين السيوطي في (جامع الأحاديث والمراسيل) ج18/ص253 عن الإمام علي رضي الله عنهأنه قال: "كنا حول رسول الله جلوسًا وقدمه وساقه مكشوفة إلى رأس ركبته وساقه في ماء بارد كان يضرب عليه فكان إذا جعله في ماء بارد سكن عنه.... إلخ الحديث" (whirl pool) في علاج الإصابات والمستخدم في عصرنا هذا كأحد طرق العلاج الطبيعي، لم يكن معروفًا لدى عرب الجاهلية أو في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، "إلا أني بعد ذلك تذكرت أن القرآن الكريم قد أشار إلى هذا الأسلوب في قصة سيدنا أيوب, وأيوب عليه السلام بلاشك متقدم زمنيًا على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، فيكون النبي صلى الله عليه وسلم قد اقتبس من قصة سيدنا أيوب عليه السلام هذا الأسلوب في العلاج، ولابأس هنا أن نوضح جانب آخر من قصة النبي أيوب عليه السلام لم نذكره في العدد السابق من مجلة الصحة، وفي الوقت ذاته يؤيد معنى الحديث النبوي الأخير، قال الله تعالى: {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب} (ص:42)،
يقول علماء التفسير أن الماء المذكور في الآية المتقدمة إنما خرج من عين من باطن الأرض، فجأة ونتيجة الضرب أو الدفع لا يكون هادئًا ساكنًا، بل يكون مندفعًا للأعلى وبقوة، وأن أيوب (عليه السلام) بالإضافة إلى مرضه الرئيس والمباشر وهو التقرحات والالتهابات كان بلا شك يعاني من مرض آخر ثانوي وغير مباشر ناتج عن قلة الحركة ألا وهو ضعف وضمور العضلات، وإذا أضفنا حقيقة أخرى ذكرتها الآية الأخيرة وهي أن الماء كان باردًا عرفنا مدى تأثير هذا العلاج وقدم استخدامه من قبل الإنسان.
وأحب أن أذكر في هذا المقام حديث آخر لرسول صلى الله عليه وسلم يحث فيه المريض بالحمى أو الحرارة على الاغتسال بالماء البارد ولكن بطريقة خاصة جدًا تؤيد ما تقدم، والحديث رواه كبار الحفاظ كأحمد بن حنبل في مسنده ج5/ص218 وأبو عيسى الترمذي في صحيحه حديث رقم 2166، ونص الحديث هو كالتالي واللفظ لأحمد بن حنبل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إذا أصاب أحدكم الحمى – وإن الحمى قطعة من النار – فليطفئها عنه بالماء البارد، وليستقبل نهرًا جاريًا يستقبل جرية الماء، فيقول: بسم الله، اللهم اشف عبدك وصدق رسولك, بعد صلاة الفجر قبل طلوع الشمس، فيغتمس فيه ثلاث غمسات، ثلاثة أيام، فإن لم يبرأ في سبع، فتسع، فإنه لايكاد يجاوز التسع بإذن الله عز وجل".
لاحظ قول النبي صلى الله عليه وسلم "يستقبل جرية الماء"، جاء في القاموس المحيط للفيروز آبادي ج3 ص399 مايلي: السيل: الماء الكثير السائل وجمعه سيول والسيلة، بالكسر: جرية الماء.
وقال العلامة الطيبي فيما نقله عنه المباركفوري في تحفة الأحوذي ج6 ص217: يقال ماأشد جرية هذا الماء بالكسر، أي حال الاستقبال.
ولاحظ أيضًا عزيزي القارئ قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (بعد صلاة الفجر قبل طلوع الشمس) حيث يكون الماء في هذه الفترة من أي يوم باردًا ولم يقل صلى الله عليه وسلم ليلاً لأن الماء لاسيما ماء البحار يكون في الليل دافئًا.
ثالثاً: التدليك أو (الغمز)
التطبيق الخامس:استخدام اليد في علاج الإصابات أو Manual Therapy:
روى علي بن حسام الدين المشهور بالمتقي الهندي في كتابه (كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال) ج7/ص213 عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وغليم له حبشي يغمز ظهره، فقلت: يا رسول الله أتشتكي شيئًا قال: (إن الناقة تقحمت بي البارحة) و(الغمز) لفظة عربية فصيحة كانت تستخدم في الماضي ومعناها الكبس والعصر باليد (انظر لسان العرب لابن منظور ج5/ص388) ويقابلها في عصرنا الحديث لفظة التدليك، وأما معنى (تقحمت) فقد ذكر الزمخشري في كتابه الفائق في غريب الحديث ج3ص69 مايلي:
(القحمة: الورطة والمهلكة، ومنها قالوا اقتحم الأمر وتقحمه، إذا ركبه على غير تثبت وروية، الكلام أيضًا للزمخشري في كتابه الآخر الموسوم بأساس البلاغة تحت مادة (قحم).
وورد في استخدام واستعمال التدليك أحاديث أخرى منها ما رواه أيضًا عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال بخصوص شجرة الزيتون: "ائتدموا بالزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة" سنن ابن ماجة 3319 ومعنى الائتدام هو الطعام والأكل, واستخدام أي نوع من الدهون أو الزيوت على الجسم لا يكون إلا باستخدام اليد من خلال حركات معينة ومحددة وهذا التدليك بعينه أو كما يسمى في السابق (الغمز)، وقد أشارت بعض الدراسات الحديثة إلى أن لزيت الزيتون آثار مهدئة عند استخدامه على الجلد مباشرة.
وهكذا يتبين مما تقدم أن طرق العلاج الطبيعي بأشكاله المختلفة كانت موجودة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، استخدمها ونصح بها أمته من أجل تخفيف الأوجاع ومظاهر الألم.