بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداَ ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداّ عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين .... أما بعد :
يعيش العالم اليوم عصر التحديات والمخاطر التي تستهدف ليست فقط عقيدتنا إنما مكتسباتنا الحضارية والثقافية ... في ظل ظاهرة العولمة العالمية الآخذة في الانتشار والتوسع حاملة في طياتها تأثيرات عميقة على البشرية بعضها إيجابي وبعضها الآخر ينذر بالخطر ، هذا من جهة . ومن جهة أخرى تتسابق الأمم لتحرز ما تقدمه التقنية من خدمات في جميع مجالاتها العلمية والإنسانية والإدارية .... وفي خضم تلك الصراعات ، يُعاني العالم بصفة عامة من ظاهرة الإرهاب التي تضررت منه العديد من الدول الأمر الذي وضع أمام المجتمع العربي والإسلامي مسؤولية مضاعفة تتمثل في ترسيخ الشعور القومي الإسلامي لدى أبنائها بصفة عامة ، وتجذير الانتماء الوطني للوطن بصفة خاصة .
وسأتناول في هذه الورقة مفهوم الانتماء الوطني ومتطلباته في عُجالة مع إلقاء الضوء على كيفية تحقيق التوافق بين استخدامات التقنية - التي أصبحت ضرورة عصرية - ومتطلبات الانتماء الوطني، لمواجهة التحديات التنموية الكبرى في الوطن .
مفهوم الانتماء : إحساس تجاه أمر معين يبعث على الولاء له ، والفخر به ، والانتساب إليه ، وحسن القيام بواجباته . وبالتالي فإن الانتماء للوطن هو بذل الجهد والتضحية والاهتمام بالمشكلات والقضايا المطروحة والعمل على النهوض به . لأن الوطن هو النعمة الكبرى ، به يُعرف الإنسان وإليه يُنسب . ومن ذا الذي يستطيع أن يحيا حياة هانئة بلا وطن . والانتماء للوطن يصاحبه التزام بالسلوك ، والعمل كل وفق قدراته ومؤهلاته وهو تنوع يتيح تكاملاً في العطاء ويتطلب ابتداءً استشعار الواجب تجاه الوطن الغالي على النحو الذي يسهم في تعزيز الشعور بالمسؤولية لدى أفراد المجتمع في المحافظة على أمنه واستقراره وتنميته .. وبالتالي فإن من أهم متطلبات الانتماء الوطني ما يلي :
أولاً : واجبات المواطن تجاه نفسه :- ( إن اهتمام المواطن بنفسه من واجبات الوطنية الحقة التي يجب أن يعيرها المواطن اهتمامه لأن الوطن يتألف من مجموع المواطنين ، فإن كان هؤلاء المواطنون أصحاء مثقفين سعداء ناجحين استطاع الوطن أن يحقق أهدافه ويحتل مكانة مرموقة بين الأوطان ) .
ثانياً : واجبات المواطن تجاه الدولة :- ( إن المحافظة على الوطن ليست مسؤولية الدولة فقط ، بل هي مسؤولية كل فرد ، العالم ، الداعية ، رب الأسرة ، الطالب..الخ لأنه لا يمكن أن تتحقق المنجزات الشرعية فضلاً عن التنموية والتقدم الحضاري إلا بتماسك وقوة وولاء الجميع ) .
ثالثاً : واجبات المواطن تجاه إخوانه المواطنين : - تحقيقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً " .
وتظهر تلك الواجبات في سلوك المواطن والتي حث عليها ديننا الإسلامي الحنيف، ومنها على سبيل المثال لا الحصر :
• تنمية الذات والمحافظة عليها : المحافظة على الذات تعني الاهتمام بجميع الجوانب التي خلقها الله للإنسان مثل إشباع جميع حاجاته الجسمية والنفسية بطريقة سوية شرعية ، وأن يتزود بالعلم النافع ، ويتعلم ضبط انفعالاته ويوجهها التوجيه السليم . كما يهتم في هذا الجانب بالمحافظة على نفسه من الهلاك والدمار ، اتباعاً لقوله تعالى : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " البقرة :195
• التحلي بالأخلاق الفاضلة في التعامل مع الآخرين : وهو السلوك الحسن الذي يصدر عن الفرد في علاقاته مع الآخرين وتحقق له التوافق السوي معهم وبالتالي تحقق له طمأنينة النفس وراحة البال ، اقتداءً برسولنا الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم في قوله تعالى "و إنك لعلى خلق عظيم " ومن ذلك : صلة الرحم ، التعاون في الخير ، الرحمة ، الصدق ، الأمانة ، الإيثار ، الإخلاص ، العفو والصفح ، العدل ، العفة ، التوسط في كل الأمور ، المبادأة في عمل الخير ، حسن الجوار .
• اجتناب السلوك السيئ : وهو أي سلوك نهى عنه الله سبحانه وتعالى ، ومن ذلك : عقوق الوالدين ، عدم الوفاء بالعهد ، الغش ، التكبر ، الكذب ، الحقد ، الحسد ، العدوان .
• التحلي بالقيم الإنسانية : وهي السلوكيات التي تعبر عن الوجود الحقيقي للإنسان والتي تحكم وجهة نظره وتصرفاته إزاء الثقافات الإنسانية ، والصراعات والمواقف والأحداث في العالم الداخلي والخارجي مثل الرفق بالضعيف ، ورعاية المسنين ، ونبذ العنف وحب السلام ، والحرية في حدودها الإسلامية المشروعة .
• احترام العمل : يجب أن يكون الفرد مواطناً منتجاً ، يؤدي من خلال كسب عيشه خدمة للوطن والمواطنين ، و لا يتكسب من جهد غيره ليسير الوطن في الخطى المرسومة له من التقدم والنماء .
• طاعة ولاة الأمر : وهم أصحاب التصرف في شأن الأمة الذين يملكون زمام الأمور وبيدهم قيادة الأمة وهم ملوك ورؤساء الدول ،وقد أمرنا الله بطاعتهم في قوله تعالى : " يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " النساء:59 . ثم كل من تولى أمراً من أمور المسلمين ابتداءً من الأب ومن في حكمه مثل المعلمة ومديرة المدرسة ورؤساء المؤسسات ...الخ . ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم :" من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية " أخرجه البخاري ومسلم . وأهمية ذلك أنها تؤدي إلى تماسك الأمة وترابطها ، وانتظام أمور الدولة وأحوالها ، وتسهم في ظهور الأمة داخل الوطن الواحد بمظهر الهيبة والقوة أمام الأعداء .
• إنماء الدولة والمحافظة عليها : يقول الله تعالى " والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه " الأعراف :57 . فتعاليم ديننا الإسلامي تعتبر إماطة الأذى عن الطريق صدقة ، فما بالنا بإماطة الأذى والضرر عن المسلم نفسه وأهله وجيرانه ووطنه . والدفاع عنها بالنفس والمال والقلم .
وفي بلادنا ولله الحمد تتوافر عوامل عديدة تعزز نماء وقوة الهوية الوطنية لدى كافة الأفراد ، فالدين الإسلامي يربط الإنسان بحبه لوطنه والانتماء إليه ومشاركة سكانه في مضمونهم الثقافي والاجتماعي ، وبذلك يرتبط الانتماء باحترام القيادة والشعب والأرض ، إن الشعور بالانتماء في بلادنا التي تحكم بالشريعة الإسلامية ، لابد أن نتعامل معه على أنه خيار حضاري يحث عليه الشرع الحنيف ولا يتناقض معه . فهذا الوطن هو وطن الحرمين الشريفين ، منه انطلقت رسالة الإسلام لتهدي الأمة في جميع بقاع الأرض ، فهو وطن مميز له أسسه الخاصة ومستلزماته التي يجب علينا الارتكاز عليها ، والاعتزاز به والسعي بكل إخلاص لرفعة شأنه بين الأمم .
الجهات المعنية بترسيخ الانتماء الوطني
مرتكزات الترسيخ: ( التربية مسؤولية مشتركة ) ( وعي مجتمعي مساند )
لتفعيل مضمون مفهوم الانتماء كما ورد سابقاً ، لابد من إعادة النظر في قضية الانتماء ومفهومه في هذا العصر ، عصر اندماج العالم ثقافياً وحضارياً واقتصادياً عبر ثورة الاتصالات والمواصلات ، الذي أدى إلى جعل الانتماء من القضايا الشائكة التي تبحث عن تعريف بعد أن كان من المسلمات ، وإن كان الأساس في قضية الانتماء أنه حاجة إنسانية أساسية ؛ فالشعور بالانتماء هو نتاج معطيات موضوعية يستلزم لتنميتها في أي إنسان أن يحقق المكان للفرد حاجاته الأساسية والعليا التي تتضمن شعور الفرد بأنه مؤثر وفاعل ومقدر في هذا المكان (1) . ومن هذا المنطلق فإن قضية الانتماء الوطني لا تأتي فقط بالتوجيه المباشر أو بالجهد الإعلامي ؛ بل يتطلب تضافر الجهود في المجتمع لترسيخ الشعور بالانتماء عن طريق تنشئة أفرادها بتحقيق حاجاتهم الشخصية وتطلعاتهم الاجتماعية والاقتصادية . وتتمثل تلك الجهود في :
- يأتي ترسيخ الانتماء للوطن من خلال التعامل مع شخصية الفرد الإنسانية بجميع أبعادها الجسمية والنفسية والاجتماعية والروحية ، وذلك في ظل الخلية الأولى للمجتمع وهي الأسرة المتمثلة في مسئولية الوالدين عن أولادهم تربية وتنشئة وتعليماً و توجيهاً ومتابعة ومناصحة ، وإشعار الطفل المتلقي كيف ترتبط عزته وكرامته بعزة وكرامة وأمن الوطن .
- وتلعب المدرسة دوراً مهماً وبارزاً في تنمية حب الوطن وتأصيله في نفوس الناشئة ، وتقوية جانب المسؤولية لدى الطالب تجاه المحافظة على أمن وطنه وحماية مكتسباته ومدخراته ، من خلال حرصه على ممتلكات المدرسة وربط ذلك بمفهوم الانتماء قولاً وفعلاً ، هذا من جهة ، وفي تقوية جانب الاعتدال والتسامح والوسطية وعدم الغلو والتطرف من جهة أخرى. و لا ننسى دور المعلمين بصفة خاصة وهم يقفون أمام طلابهم يلقنونهم العلم والسلوك ويدربونهم على مواجهة التحديات بمختلف أشكالها وغرس القيم العربية الإسلامية ، وروح الشورى في نفوسهم ،وتجسيدها سلوكاً حقيقياً في حياتهم اليومية ، وعليهم أن يبينوا لهم حقوق ربهم ومن ثم حقوق ولاة الأمر في وطنهم وعلمائهم ، ويبينوا لهم مكانة الوطن وقيم الولاء والتضحية بالنفس والنفيس في سبيل بقاء الوطن كريماً مصوناً من الاعتداءات الداخلية والخارجية ، وأطماع الحاقدين والحاسدين والمتطرفين بصورة تربوية وجدانية وعقلانية مقنعة .
- تصحيح المفاهيم الخاطئة التي تخالف المنهج السليم في المجتمع مسؤولية كل فرد ضمن بيئته الأسرية وبيئة عمله - الخطيب على منبره ، الأكاديمي والأكاديمية في الجامعة ، المعلم والمعلمة في المدرسة ، الموظف والموظفة في العمل ، الإعلامي والإعلامية في وسائل الإعلام المتنوعة المقروءة والمسموعة والمرئية ،رب الأسرة والأم في المنزل – فكل تضارب للتوجهات والأفكار داخل الوطن الواحد ليس في صالح المسؤول والمواطن على حد سواء بل الوطن وأبنائه كافة. إننا مع ما يتعرض له وطننا الحبيب من أخطاء بشعة ترتكبها قلة من الفئة الضالة التي اختارت الخروج عن النهج القويم لديننا الإسلامي السمح مطالبون جميعاً آباء وأمهات ، مربين ومربيات ، مدنيين وعسكريين ، صغاراً وكباراً، بإعادة محاسبة الذات ومساءلة النفس عما دفع هؤلاء إلى مثل هذا السلوك المعوج ، وكيف يكون التقويم، وأين توجد مكامن الخلل التي يستوجب منا أن نتلمسها للعمل على معالجتها .
- إن تربية الشباب تشكل تحدياً بارزاً للقائمين على العملية التربوية ، مما يتطلب تكاتف الجهود . ومع انتشار ظلال العولمة على المجتمع الدولي وزيادة تقنية المعلومات والاتصالات بات من الضروري إعداد الشباب بشكل يضمن أمنهم الفكري ضد تيارات الغلو والتطرف ،؛ ووضع الحصانة الفكرية اللازمة في ضوء الشريعة الإسلامية حتى يبقى الفكر صفواً لا يعتريه كدر ولا تشويش ، والانتماء للوطن قوياً لا تزعزعه مفاهيم مغلوطة ،انطلاقاً من الأهمية الملقاة على كاهلهم ودورهم الريادي في قيادة مسيرة البناء والإنماء في وطننا الغالي باعتبارهم مشروعاً وطنياً وقومياً للوطن والأمة الإسلامية ، بهم ومن خلالهم تتحدد ملامح الغد الآتي وتطوره بفكرهم وخبراتهم ومهاراتهم وكفاياتهم وإبداعهم.
مواطنة مسؤولة الانتماء الوطني
ولعلي أشير هنا إلى أبرز العوامل التي تدعم الانتماء للوطن على النحو الذي يسهم في تعزيز المسؤولية لدى أفراد الوطن صغاراً وكباراً ، واستجلاء أهمية دورهم المساند لجهود الدولة في مكافحة الإرهاب ، وتحصين المواطن ضد الأفكار المنحرفة ، وتعميق المشاعر الوطنية الإيجابية لديهم ، خاصة أننا في عصر أصبحت تربية الفرد فيه أمراً بالغ الصعوبة في ظل مناخ مفعم بالصراع تقوده قيم غير ثابتة وسريعة التحول ، ومن ذلك على سبيل المثال :
• تجذ ير الانتماء والولاء للوطن بالاحتفاء باليوم الوطني ، والذي كان للأسف يمر دون الاحتفاء اللائق بأهميته، بل لا يكاد يشعر به المواطن , وإن صدور الموافقة السامية بجعل اليوم الوطني يوم إجازة رسمية إسهام من الدولة على إشعار كل مواطن بالمواطنة ، وأنه يوم متميز يوم توحدت المملكة وأرسيت دعائمها ، ولابد من استثماره بقراءة تاريخه ، واستعراض الإنجازات للارتقاء بالمشاعر الوطنية . ذلك أن الرجوع إلى ذاكرة الأسلاف وتراثهم التراكمي يشبع حاجة الإنسان إلى الشعور بالانتماء والأصل الحضاري ، كما تساعد على تشكيل الشعور الجماعي الذي يربط بين أبناء الجماعة ويملأ قلوبهم بحب الوطن والولاء لولاة الأمر فيه.
• إبراز تاريخ المملكة وجغرافيتها في المناهج الدراسية بأسلوب يحرك وجدان الطلاب ويرتبط بأفئدتهم ، وقد قرأت ما أود أن نتنبه له جميعاً من أن المعلومات التي يحفظها الطلاب عن تاريخ المملكة أو جغرافيتها لا تربطهم بوطنهم كما يجب ، لأن أسلوب تقديم تاريخ المملكة مقدم للناشئة كموضوع من مواضيع مادة التاريخ كحقبة زمنية ، فما الذي يفرق عرض جغرافية المملكة عن أسلوب عرض جغرافية دول أخرى عربية أم أجنبية ، لابد أن يوجه اهتماماً خاصاً لتاريخ الوطن وجغرافيته ، يتلمس خلالها الطلاب خصوصية وطنهم فينزلونه في قلوبهم منزلة تليق بحب الوطن وتميزه عن بقية البلدان(4)
• تفعيل الاهتمام بالنشيد الوطني والعلم في الطابور الصباحي لطلبتنا في المدارس ، وفي كل المحافل بالمؤسسات الاجتماعية الرسمية وغير الرسمية ،. فالنشيد الوطني والعلم رمزان للانتماء ، لأن النشيد الوطني لكل دولة والعلم الذي ترفعه يعدان من أبرز الشرايين التي تغذي الانتماء لدى المواطن ، فهما رمزان للحماية والرعاية والاحتضان لأبناء الشعب ؛ تبعث في النفس الفخر والاعتزاز بوطن خالد عبر الأجيال .
• تخصيب وتنمية بذور الانتماء بالمحاضرات والندوات والحوارات الفكرية الواعية والإرشادية الهادفة، والحملات التضامنية ضد الإرهاب والفكر المتطرف الذي يهدف أمن الوطن وتدمير قدراته وإنجازاته ، وإتلاف أمواله واقتصاده . وأشير هنا إلى فعاليات حملة التضامن الوطني ضد الإرهاب والذي أقيم بمشاركة جميع القطاعات على مستوى الدولة ، والتي نظم لها استخدام توزيع المطبوعات والملصقات ، والأنشطة الخطابية والقصائد وعروض للأفلام والصور التي توضح مخاطر الأعمال الإرهابية للمجتمع وأمن الوطن ، والتي عكست ما في نفوس أبناء هذا الوطن من حس وطني صادق يعكس مدى التلاحم الوطني في شتى المجالات لرفض كل أشكال التطرف والإرهاب . وذلك تزامناً مع المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب والذي عقد في الخامس والعشرين من شهر ذي الحجة. تعزيزاً للمساعي الدءوبة لمواجهة الإرهاب واقتلاعه من جذوره ومنع أسباب استفحاله ، بما يكفل القضاء عليها ويصون حياة الأبرياء ويحفظ للدولة سيادتها وللشعوب استقرارها وللعالم سلامته وأمنه ، عبر بلورة جهود واسعة النطاق شملت العديد من الدول المتضررة منه وتبادل الخبرات والتجارب فيما بينهم .
• تكرار فعاليات يوم الأمن في كل عام دراسي والذي نظمته المدارس ، دعماً لتبلور عواطف الانتماء نحو الوطن عند الناشئة ، حيث تفاعل الطلاب مع فعالياته وأبدوا تجاوباً ووعياً في التنديد بكل مظاهر الإرهاب ، والتفوا حول حكومتهم فكان ذلك رداً على أصحاب هذا الفكر الضال بأنهم لن ينجحوا في زعزعة استقرار مجتمعنا و لا تقويض الثقة في كفاءة رجال الأمن في بلادنا .
• تشجيع الاتجاهات التي تدعم الانتماء بالحفاظ على ثروات الوطن ، ومنها على سبيل المثال ما تقوم به حالياً وزارة المياه والكهرباء من دعوة إلى ترشيد استهلاك المياه . والتجاوب مع هذه الدعوة وأمثالها من الكبار قبل الصغار انطلاقاً من المواطنة المسؤولة يدعم ذلك لدى الناشئة ، فالاستهلاك الراشد لمنتجات الوطن مظهر سلوكي حضاري يجب على المواطن أن يسلكه ، لأن المبالغة في الإسراف سواء لموارد الأسرة أو المؤسسات الحكومية وغير الحكومية فيه إساءة لخطط التنمية وهدر للأموال العامة والخاصة .
• تنظيم أنشطة طلابية في جميع المراحل التعليمية لتعريفهم بكل ما هو متوفر ببيئتهم ، وما تقدمه لهم من خدمات ، مع القيام بأعمال ميدانية لتطوير بيئتهم للشعور بمسئوليتهم في العناية بمرافقها وحدائقها، ونظافتها . بالإضافة إلى إشعارهم بمسئوليتهم في المحافظة على مدرستهم : أدواتها ، أجهزتها ، ساحاتها ، فصولها ، وربط سوء الاستخدام لها بالخسارة الاقتصادية للوطن والتي يكون لها مردودها السلبي على الفرد ذاته
• إن المشاركة في الإدلاء بالأصوات في الانتخابات البلدية تجعل المواطن في موقع المسؤولية المشتركة مع الجهات الرسمية في الحرص على مصالح الوطن ورقيه ونمائه وأمنه ، وتأكيداً على عامل الولاء والانتماء للوطن.
• المواءمة بين التخصصات في المؤسسات التعليمية بجميع مجالاتها ومستوياتها وسوق العمل حتى لا يؤدي قصر التخطيط في تعطيل طاقات الباحثين عن الوظائف من أفراد المجتمع ؛ مع الاهتمام بجانب المقدرة الفردية لكل مواطن على التواصل مع مجتمعه وتطوراته من خلال تحقيق متطلباته وتطلعاته .
مفهوم التقنية : للتقنية تعاريف متعددة ليس هنا مجال ذكرها ، ومن تلك التعاريف : " التقنية هي التطبيق المنظم للمعرفة والخبرات المكتسبة في المهام العملية لحياة الإنسان ، وهي تمثل مجموع الوسائل والأساليب الفنية التي يستخدمها في مختلف نواحي حياته العملية ، و بالتالي فهي مركب قوامه المعدات والمعرفة (3 ) . وعلى ذلك فإن الطريقة بمفردها ليست تقنية ، ولا الآلة بمفردها تقنية ، وبالتالي فإن الحاسب الإلكتروني لا يعد تقنية ، وإنما هو جزء من التقنية المتقدمة ، يتطلب مهارات متخصصة ، وعمليات دقيقة حتى ينجز الأعمال بشكل فعال (5)ا . وقد أضحت التقنية اليوم أكثر من أي وقت مضى عنصراً أساسياً للتنمية الاجتماعية والاقتصادية بل وسلاحاُ إستراتيجياً للمحافظة على الأمن الوطني والمكانة الدولية للدول . بل إن للتقنية في هذا العصر تأثيراً هائلاً في الطريقة التي نحيا بها ، فأعاجيب الحاسوب والراديو والتلفاز والاتصالات الرقمية الحديثة لها نتائج بعيدة المدى بالمدلولين الحرفي والمجازي .
وقد دخلت المملكة العربية السعودية عصرها التقني الحديث ، حين جاء قرار جلالة الملك عبد العزيز – طيب الله ثراه - بالسماح لفريق المنقبين بالتوغل في كثبان المنطقة الشرقية بحثاً عن البترول، ذلك القرار الحكيم الذي أدخل الجزيرة العربية عصر الطاقة والتقنية الحديثة، والتي كانت مقترنة بصورة دائمة بأمر في غاية الأهمية ألا وهو السعي إلى ملاءمة هذه التقنية للظروف والقيم والمورثات الاجتماعية ، و المفاهيم الإسلامية التي يعايشها المجتمع السعودي ، وهو ما جعل الملامح التي أبرزتها التنمية السعودية ذات سمة متميزة وخصوصية فريدة يشهد لها الجميع . وهي تتطلع في هذا القرن الحادي والعشرين إلى تعزيز تلك المكتسبات الحضارية والمحافظة على استمراريتها وتعضيدها ، والتحضير لمواجهة التحديات التنموية الكبرى على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي برزت مع إطلالة القرن الجديد ، وتقع في مجملها من ضرورة التعامل مع معطيات الواقع الاقتصادي العالمي بأبعاده الكونية وفي إطار المنجزات العالمية للثورة العلمية والتقنية المعاصرة (3) ، مقتدين في ذلك بأفضل معلم في البشرية سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم الذي وظف التقنية المتاحة آن ذاك لخدمة دعوته الخالدة باستخدام الوسائل المختلفة في تعليم أصحابه كباراً كانوا أم صغاراً، فخاطب الناس على قدر عقولهم وواجه كل موقف بما يناسبه ، فنراه يستخدم استدعاء الخيال بضرب مثل من الواقع المشاهد ، أو توضيح الفكرة عن طريق رسوم توضيحية أو تخطيط على الرمال تارة أو التمثيل بأجزاء الجسم لتجسيد المعنى إشارة منه إلى الأمر المهم الذي يجب أن يهتموا به ويماثلونه تارة أخرى . وغير ذلك من الوسائل موظفاً ذلك حسب الموقف واحتياج المتعلم وقدراته وإمكاناته ، والأهم من كل ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعطي لأصحابه نماذج حية في أسلوب التعليم والتربية والتكوين ، مع انتهاز المناسبة لمن يريد وعظهم وإرشادهم ، لتكون أبلغ في التأثير و افضل للفهم والمعرفة ، وفي هذا قمة التوظيف للتقنيات التي هي علم الحرفة والتطبيق العملي للمعرفة البشرية .
ونتيجة لسيطرة التقنية شهد العالم في السنوات الأخيرة جملة من التحديات المعلوماتية ذات أبعاد مختلفة : ( سياسياً و ( اقتصادياً ) و( اجتماعياً و( ثقافياً ) و( تربوياً ) وقد شكلت التحديات المعلوماتية بأبعادها المختلفة منطلقاً لدعوات عديدة بضرورة إصلاح النظام التربوي بجميع مدخلاته وعملياته ومخرجاته ، خصوصاً في ضوء عجز النظام الحالي عن مواجهة التحديات التي أفرزتها تقنية المعلومات والاتصال . وأدى ذلك إلى تسابق كثير من الأمم لإصلاح نظمها التربوية بهدف إعداد مواطنيها لعالم موجه بالتقنية . وفي هذا الصدد أشير إلى ما ورد عن جمعية المهندسين الأمريكيين التي أجرت مسحاً ميدانياً على المهندسين الناجحين والذين حققوا مدخولات عالية أو شهرة وسمعة مرموقة أو منصباً فنياً أو إدارياً متقدماً أو كل ذلك ، فوجدت أن درجاتهم في البكالوريوس لم تشكل إلا جزءاً بسيطاً فيما وصلوا إليه بمعنى أنه لم يكن الجزء الأكبر منهم من الأوائل ، بل سبب نجاحهم هو ملكات التواصل مع التقنية والناس والإدارة الجيدة للذات (2) .
والمملكة العربية السعودية إدراكاً منها بأهمية التقنية وأن الاعتماد الكلي على التقنيات المستوردة دون القدرة على تطويعها وتطويرها لن يمكنها من مواجهة تحديات التقدم العلمي والتقني والصناعي المنشود ، فقد واكبت تلك الإنجازات في نقل التقنية المتقدمة جهود كبيرة في الاستيعاب والتطويع والتوطين ، لتخريج كفاءة بشرية قادرة على التعامل مع التقنية وتوطينها وتطويرها ، من أجل تحقيق الطموحات الكبيرة والأهداف الاستراتيجية للمملكة للتحول في المستقبل المنظور بإذن الله تعالى من دولة مستوردة للتقنية إلى منتجة لها ، لتصبح دولة متقدمة علمياً وتقنياً وصناعياً .
إذن فإن من متطلبات الانتماء الوطني لتحقيق الطموحات والتطلعات أن نتهيأ جميعاً لإيجاد أجيال تعرف التعامل مع التقنية العصرية والاستفادة منها ، حتى لا نصل إلى مرحلة العجز عن التعامل مع الثورات المرتقبة لتقنيات الهندسة الجينية والعلوم العصبية وتقنية النانو ، والحاسبات الكمية ، والأنظمة العالمية التكنولوجية والمعلوماتية والاقتصادية التي تتشابك اليوم وتتوسع ، مع الحفاظ على خصوصياتنا وثوابتنا الأساسية والأخذ بكل جديد وحديث من تقنية وفكرة لا تتعارض مع هذه الثوابت بل تعمل على تأصيلها وتنميتها وإثرائها بإضافات تقنية متطورة في آفاق أبعد وأوسع مما تلقيناه .
تحقيق التوافق بين استخدامات التقنية ومتطلبات الانتماء الوطني :
لعل من أبرز اهتماماتنا اليوم هو استشراف المستقبل بحكمة وإدراك تحدياته ، الأمر الذي يحتم مراجعة مستمرة وتطويراً لا يتوقف عند حد لتحقيق مزيد من المواكبة عبر منجزات تربوية تحتضن الثوابت والقيم الراسخة ، وتراهن على جعل ثقافة العلوم والتقنية عنصراً مؤثراً في التفاعلات الفكرية السائدة والأعمال المتنوعة . - حتى لا نكون مثل رجل رأى نمراً شرساً جائعاً وسط الغابة فوقع قلبه في حذائه من فرط خوفه ، وبدلاً من أن يطلق النار على النمر أو يتسلق أي من الأشجار ، أغمض عينيه وقال للنمر صارخاً " أنا غير موجود " ، فهجم عليه النمر وأكله - لابد أن ننجو من مخالب النمر الإلكتروني الذي يعترض مسيرتنا والاعتراف والاستبصار بالواقع التكنولوجي الذي هو أولى مراحل العلاج التقني ، فنحن نعيش اليوم الموجة الثالثة لرحلة التقدم الإنساني التي ربطت العالم في أولها بأسلاك الكهرباء ، وفي ثانيها بأسلاك الهاتف ، وهي اليوم تربطه بالطريق السريع إلى المعلومات Information Super Highway من خلال شبكة ( الانترنت ). ونتيجة لذلك فإن الأخذ بالتعليم الإلكتروني والحكومة الإلكترونية والتقنيات في مجالاتها المختلفة أصبحت قضية لا مفر منها .
إذن فإن من متطلبات الانتماء الوطني الذي يدعونا جميعاً لتكريس مفهوم مسئولية الفرد في المشاركة في تطوير ونمو المجتمع وصولاٍ إلى إعداد الكوادر القادرة على تحمل مسئولياتها لمواصلة البناء والتنمية ، يضعنا أمام قضية محددة واضحة استجلاها صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - في وثيقة الآراء المقدمة بشأن إصلاح التعليم العالي والتي تم تفعيلها في ورشة العمل بجامعة الملك عبد العزيز بجدة في التاسع عشر من شهر ذي الحجة . تناولت بناء القاعدة العلمية والتقنية ، والتركيز على العلوم والرياضيات وتدريس الحاسوب والتقنية وتطوير مناهجها . وتعميم ثقافة تقنية المعلومات والاتصالات في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي ، وتبني استخدام التعليم الإلكتروني ، والاستغلال الأمثل لاستخدامات الحاسب الآلي في العملية التعليمية ، ومن المؤكد أن هذه المناسبة وانعقادها على هذا المستوى الرفيع ألقى الضوء على أهمية العوامل الإنسانية والإدارية في نجاح تطبيق التقنيات الحديثة، والتي تتطلب الاستثمار في تنمية القوى البشرية القادرة على مواجهة التحديات والتعامل مع التطورات المتسارعة علمياً وتقنياً ، حيث باتت التقنية المعلوماتية اللغة الوحيدة لهذا العصر، وبدونها تتخلف المجتمعات والدول ، حتى وإن كانت مستهلكة لهذه التقنية .
إن قضية إعداد الموارد البشرية العلمية والفنية والمتمثلة في طلاب المراحل التعليمية المختلفة هي قضية العصر، لما لهم من دور مستقبلي متميز في دعم مسيرة التنمية بمفهومها الشمولي التكاملي نماءً وإنماءً ، بصفتهم طاقة جبارة ستقود مجتمع الغد الآتي وتطوره بفكرها وخبراتها ومهاراتها وكفاياتها وإبداعاتها ... ولكن هذه الطاقة بحاجة إلى مزيد من العقلنة والتقنين والاستثمار الإيجابي للقيام بواجباتهم الوطنية تجاه أنفسهم من جهة وتجاه وطنهم ومجتمعهم من جهة أخرى، وهذا ما يشكل تحدياً بارزاً للقائمين على العملية التربوية لرعايتهم وتمكينهم بشكل يضمن صحتهم وعقولهم وطاقتهم كثروة وطنية وإنسانية تتعلق بأمن الوطن وسلامه الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والتربوي حاضراً ومستقبلاً . و لعل الشكل التالي يوضح لنا المكونات الرئيسة لمنظومة الانتماء الوطني التي من خلالها يمكننا أن نحدد الإطار الاستراتيجي لتطوير النظام التربوي القادر على استثمار التقنية وربط ذلك بالولاء والانتماء للوطن .
موارد بشرية معتزة بوطنها مؤهلة لاستخدام التقنيات المختلفة والتعامل معها وتطويرها
وبحكم كوني تربوية سأتناول من هذه المنظومة دور التربية في تعزيز الانتماء الوطني ، باعتبارها استثماراً لأغلى أنواع الموارد وهو المورد البشري ، فالتقنية التي أضحت اليوم أكثر من أي وقت مضى عنصرأ أساسياً للتنمية العسكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية ، بل وسلاحاً استراتيجياً للمحافظة على الأمن الوطني والمكانة الدولية للدول ، تكتسب في معظمها من الجهود الرائدة للتعليم والتدريب . ولعل رعاية أبناء الوطن من الطلبة تعد عملية استثمارية فبقدر ما نعطي الشباب من رعاية واهتمام ، بقدر ما نعدهم الإعداد السليم ، يرتد هذا العطاء سخياً على الوطن في شكل خبرات بشرية تعتبر ثروة العصر وعدة الأمة في حاضرها ومستقبلها لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية بهمة وعزم لا يلين في عالم سريع التغيير .
لذا فإن الرؤية المستقبلية المنشودة للتربية لابد أن تتضمن مايلي :
نظام تربوي يحقق التميز والاتقان والجودة في بيئة تعلم دينامية ، مرنة ، ومفتوحة تضمن المستوى اللازم للخريج من حيث اكتسابه المفاهيم والمهارات العلمية والتقنية ومتطلبات ثقافة عصره، مع الحفاظ على الهوية الإسلامية ، للإسهام في وضع وطنه على خريطة الدول المتقدمة المتميزة بالكفاءات البشرية القادرة على المنافسة إقليمياً وعالمياً بإضافات تقنية متطورة في آفاق أبعد وأوسع مما تلقيناه .
نمط التربية في عصر التقنية لتفعيل منظومة الانتماء الوطني:
• التحول التدريجي نحو أسلوب في التعليم يركز على الطالب ، ويؤدي إلى زيادة استخدام التعلم الفردي بصوره المتعددة.
• المرونة والتفاعل مع الأحداث والقضايا ذات المساس بالتغيرات والأحداث اليومية وهموم المجتمع.
• توظيف التعليم الإلكتروني وفق منظور شمولي.
• مواكبة التطور المتسارع في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتوظيفها بفعالية.
• الربط الإلكتروني للحاسوب الشخصي لكل طالب في البيت.
• التدريب على الإبداع وتوليد الأفكار الجديدة.
• تشجيع الاتجاهات التي تدعم التسامح والاختلاف البناء
• فتح حوار معمق مع الشباب وبين الشباب أنفسهم وتمكينهم للتعبير عن رؤيتهم كشركاء في بناء الوطن وخدمته.
• التفكير الناقد ومنهجية حل المشكلات واتخاذ القرارات ، عوضاً عن تلقين المعلومات .
• التعليم عملية مستمرة مدى الحياة ( تعلم فعمل فتدريب فعمل فتدريب فعمل فإعادة تدريب ).
• بدائل متنوعة في مناهج وأوقات وأماكن ونظم الدراسة .
• النظر للتعليم كمسألة أمن وطني وقومي.
• تفعيل وسائل حماية الأمن الفكري.
• تمكين الفرد من التعامل الواعي والناقد مع القيم المعاصرة الوافدة.
• تقبل حتمية التغيير كقاعدة للتطوير ، والاستجابة الفاعلة المتفاعلة معه.
إن مسيرة بناء وطن يؤمن بضرورة التطور العلمي وا لثقافي والاجتماعي ، بقدر ما يحرص على رسوخ الاستقرار الأمني والسياسي لرفاهية أبناء الوطن .. لابد أن يقابله أبناؤه بشعور عميق بالانتماء والفخر ، وأحقية الاستمتاع بكل ما نتج عن تأسيس هذه الدولة الفتية من منجزات وإيجابيات حضارية واقتصادية ؛ مع إدراك كامل بأن طبيعة سلوك كل فرد في تعامله مع تلك المنجزات التقنية ترتبط إرتباطاً وثيقاً بمسؤولينه الوطنية المنبثقة من شعوره بالانتماء لهذا الوطن .
وهنايطرح السؤال التالي نفسه :
ما السلوكيات المنشودة من المواطن في عصر التقنيات الحديثة لتجسيد متطلبات الانتماء الوطني في جوانبه الثلاث ( واجبات المواطن تجاه نفسه ، واجبات المواطن تجاه الدولة ، واجبات المواطن تجاه إخوانه المواطنين ) والتي تساعده على إحراز النجاح في حياته الشخصية والاجتماعية ليصبح عضواً فاعلاً في وطنه ؟
أو بأسلوب آخر كيف نوظف مفهوم الانتماء الوطني عندما نستخدم التقنية في حياتنا اليومية ؟
أذكر هنا بعض السلوكيات البسيطة التي نعيشها يومياً منها :
• إن المواطن الذي استخدم الأجهزة التقنية في حياته اليومية استخداماً شاملاً ، والتي منها ( الموقد سواء بالغاز أم الكهرباء ، غسالة الملابس والصحون ، المكوى ، أدوات الطبخ الكهربائية وغير الكهربائية ، أجهزة الفيديو والتلفزيون ، الإضاءة ، السخانات ، التكييف ... الخ ) . عليه أن يتعلم حسن استخدامها الاستخدام الأمثل مع معرفة مبادىء واسس عملها وآلياتها ، والاستفادة من تقنينها الاستفادة القصوى ، مع الحرص على إتقاء شرها وتجنب أخطارها حماية لممتلكاته الشخصية أو ممتلكات الغير ، وإدراك أن سوء استخدام الأجهزة قد تقضي على حياة الفرد ، أو قد تسبب خسائر تضر باقتصاد الوطن .
• واقع شوارعنا وكيفية إنطلاق المركبات فيها ، حيث يلاحظ عدم التزامها بقوانين السير ، بل السير برعونة تؤدي إلى الهلاك ، إن متطلبات الانتماء الوطني تتطلب من الفرد تعلم قوانين السير والمرور ومتطلبات السلامة في ذلك ، ومنها إتقان المباديء السليمة لقيادة السيارة وفهم تقنياتها الحديثة وعدم التهور في استخدامها دون إدراك لوظائف كل جهاز فيها ، حتى لايؤدي بنفسه للتهلكة . بل لابد له أن يدرك أن مردود كل خسارة في السيارة يؤثر على معدل النمو الاقتصادي الوطني ، و لا يقتصر على خسارته الشخصية فقط ، لأن الوطن الذي يستهلك مواطنوه المنتجات دون تدبير أو عدم الحرص على الممتلكات هو وطن خاسر.
• حسن التعامل مع مهارات التواصل مع المجموعات باستخدام تقنية الاتصالات الحديثة، وتفهم وظائف الأجهزة الحديثة وعدم إساءة استخدامها ، على سبيل المثال ، الهواتف المصورة ، هذه الجولات ذات تقنية فنية عالية ومزودة ببرامج إلكترونية حساسة يستطيع المستخدم لها أن ينجز كافة الإجراءات بيسر وسهولة ، فبعضها يحتوي على تقنية الحاسب الآلي ، وبعضها مزود بنظام تسجيل فيديو عالي الجودة ، وكما هي نعمة من الله يمن بها علينا فهي في نفس الوقت نقمة إذا أسىء التصرف بها أو استخدمت في تصرفات غير لائقة ، وبالتالي يكون قد أخل بواجباته الوطنية تجاه أخوانه وألحق بهم الضرر الذي نهانا عنه ديننا الإسلامي الحنيف. و خاصة أنه بعد سنوات قليلة قد تشهد الأسواق العالمية الهواتف المرئية .
• أما ما يخص تقنية الانترنت فإن إيجابياته وسلبياته ليست بخافية على أحد ، وللاستفادة من الإيجابيات على جميع المؤسسات التربوية والأسر إيجاد صيغة تربوية قادرة على تحقيق الأمن الفكري للأبناء و تنشئتهم على الأصالة بلا إنغلاق والانفتاح بلا ذوبان ، والوسطية الموافقة للفطرة البشرية ليكونوا واقفين عند حدود الله عزوجل من غير إفراط ولا تفريط؛ قادرين على التمييز بين الحق والباطل والخطأ والصواب ليعرف كل فرد طريقه بنفسه دون انصياع إلى فكر سائد أو دعوة مضللة ، فيحافظ بذلك على ذاته كفرد بناء في مجتمعه ، ويحقق بهذا واجباته تجاه نفسه ووطنه وأخوانه في المجتمع . ولي وقفة هنا مع الانترنت ؛ إذ أن إقبال أبناء هذا الجيل لاستخدام هذه التقنية في زيادة ، بل تفوق الكثيرون منهم في هذا المجال ، وهذا ولاشك مطلب وطني ؛ إلا أنه يتطلب مراقبة الآباء لأبنائهم عند استخدامهم لهذه التقنية خشية انزلاقهم في المحظور ، سواء في استخدامهم للمواقف الإباحية ، أو المواقف التي تستهدف غسل عقول الشباب والتربص بأمتنا في دينها وأمنها لصالح الأعمال الإرهابية ... وهنا يأتي دور أولياء الأمور وكل مسؤول عن رعيته في :
- استثمار الناشئة بتوعيته بالفكر الصحيح المغاير للفكر المنحرف بأسلوب تحاوري مقنع ، بعيدأً عن العنف والشدة .
- توجيههم لاستخدام سلاح التقنية ذاتها في مجابهة جميع أنواع الإرهاب ، بتأسيس مواقع أخرى مضادة للأفكار المضللة .
ولاشك أن النتائج المتميزة التي أُثمرت عن( حملة السكينة ) دليلاً على أهمية استخدام تقنية الانترنت في محاربة الإرهاب . تلك الحملة التي خصصتها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لمعالجة الأفكار المنحرفة من خلال موقع مخصص على الانترنت؛ وكان هناك حوارناجح مع بعض المقتنعين بأفكار الفتنة الضالة، وتمكن المفكرين والعلماء والمشرفين على الموقع من محاورة ما يقارب من (800 ) شخصاً كانوا يحملون مفاهيم وافكاراً خاطئة ، كما تلقى الموقع أكثر من (420 ) رسالة لأشخاص كانوا يتبنون أفكاراً مضللة ، وتغيرت أفكارهم ومفاهيمهم إلى الطريق الصحيح .
كما أن ( حملة الأمن المنشود ) التي أطلقها مجموعة من الشباب على شبكة الانترنت تفاعلاً مع حملة التضامن الوطني ضد الإرهاب ؛ لابد أن يدعم بتوجيه محبي الانترنت من الطلبة والطالبات إلى المساهمة فيها . وتهدف الحملة إلى الاتصال بكل المنتديات والمواقع ، وتقوية أواصر التلاحم بين أفراد المجتمع ليقفوا صفاً واحداً في وجه الخطر الذي يهدد دينهم وديارهم وعقولهم وأخلاقهم سواء أكان خطر داخلياً أم خارجياً .. والمساهمة في حماية مجتمعهم دون أن ينتظروا من يندبهم ويحثهم على ذلك .
• الانتباه لبرامج الفضائيات التي قد تفوق في التأثير على شخصية الطفل من التربية المباشرة ، خاصة وأن التلفاز المستقبلي ذا القدرة المباشرة على التقاط البث الفضائي دون حاجة إلى صحن استقبال ( دشات) أو وسائط سيغزو الأسواق قريباً مما يتطلب تقديم تعليم يشجع على التفكير والنقد والتقويم ، فلو أضطلعت الأسرة ، والمعلم في المدرسة بهذه المهمة لأمكننا أن ندع الرياح تهب علينا من كل الجهات ، لأننا على ثقة أنها لن تقتلعنا من هويتنا وثقافتنا الوطنية المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية .
• الاستفادة من تقنية المعلومات والاتصالات في اكتساب مهارة المساومة أو عقد الصفقات أو إبرام الاتفاقات حتى لا تهدر أموال المواطن سدى ، حيث نسمع كثيراً عن الخدع التي يقع فيها المواطن من عقد صفقات مع شركات وهمية لا أساس لها .
• حسن استخدام التقنيات الصحية ، على سبيل المثال العدسات اللاصقة للعين والتي يؤدي سوء استخدامها إلى الضرر، حيث أن الجهل بكيفية استعمالها وتنظيفها والعناية بها أو حتى مدة صلاحية ارتدائها يؤدي إلى احتمال حدوث مضاعفات خطيرة ، وهذا يحمل الدولة جهد معالجة المرضى بزيادة عددهم .
• أن يحسن الطالب في مدرسته استخدام الأجهزة والأثاث ويحرص عليها كحرصه على ممتلكاته الشخصية ، فكل ما تم توفيره هو لمنفعته وراحته ، لأن المساس بها وسوء استخدامها فيه تعطيل لا ستمرار نفعها ، وفيه هدر للثروة الوطنية ، وهو بهذا أخلى بواجبه الوطني تجاه نفسه أولاً ، وتجاه زملائه ووطنه ثانياً .
• حسن اختيار لعبة الطفل عند الشراء ، من حيث استيفائها لشروط قدرته على اللعب بها، والاستفادة منها ، وعدم حدوث ضرر منها ، وتعويد الطفل على المحافظة عليها واستثمار الهدف من تصنيعها وتقنياتها ، وتجنب عادة شراء الألعاب لأطفالنا دون تخطيط أو حاجة ودون مراعاة للعمر الزمني الذي يتناسب واللعبة التي أُعدت له .
• توظيف حب الأطفال للعب في المنتزهات والملاهي بتخصيص ألعاب وصالات تعليم ترفيهية مستفيدة من التقنيات الحديثة لتجسيد مفاهيم الولاء لبلادنا الحبيبة في وجدان وعقول الأطفال لتشكل مقومات شخصيتهم منذ الطفولة ، وبهذا يتم الجمع بين الترفيه والتعلم ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى دعم مواهبهم وهواياتهم بتهيئة الأجواء والمناسبات والمسابقات التي تتيح لهم ممارسة تلك المواهب والهوايات لإبراز ولائهم وانتمائهم لوطنهم بتوفير التقنيات التي تتناسب مع أعمارهم وإرشادهم إلى حسن استخدامها ليدرك الطفل معنى الوطن و أنه جزء لا يتجزأ من أمنه واستقراره وتطوره .
• ينبغي على المؤسسات التربوية أن تطلق العنان لطلابها لترجمة الانتماء للوطن في صورة أنشطة فنية وترفيهية وفعاليات هادفة ، توظف فيها التقنية بكل إمكاناتها وقدراتها تحت شعارات تترجم ما لديهم من مصداقية انتماء في الواقع وفي الحياة اليومية والعملية قولاً وعملاً وروحاً ، على سبيل المثال : شعار ( جدة تستاهل ) أطلقته كلية علوم البحار بجامعة الملك عبد العزيز ضمن أنشطة طلابها في الحملة الخاصة بحماية البيئة البحرية ، مخاطبة جميع شرائح المجتمع وفئاته لتوعيتهم بضرورة اهتمامهم بالمحافظة على البيئة البحرية من التلوث ، حيث عرض الغواصون باستخدام الكاميرا ما وجدوه في قاع البحر من مخلفات بشرية عجيبة . ومن الشعارات الرائدة التي أطلقتها الحملة : ( إن كل ما نمارسه ضد البحر من سلوكيات خاطئة وتلوث يعود علينا بطريقة أو بأخرى ) .
وختاماً أشير في عُجالة إلى دورنا جميعاً في :
• تجسيد النماذج الحية لمفهوم الوطنية والانتماء الوطني قولاً وفعلاً كل في مجال عمله ، وكل راعٍ في حدود مسؤولياته لمواجهة هذه التصرفات الخارجة عن منظومة القيم والأخلاق الإسلامية السمحة من فئة ضالة تهدف إلى زعزعة الأمن في البلاد والمساس بمقدرات الوطن ومواطنيه .
• تحمل مسؤولية تعزيز الأمن الفكري لأبنائنا وبناتنا ؛ ووضع الحصانة الفكرية اللازمة باتخاذ التدابير الوقائية والعلاجية ، وزرع مشاعر الفخر بالوطن ومفهوم المواطنة المسؤولة بجانبيها الولاء لله ثم المليك والوطن .
• تنمية روح الشراكة بين جميع فئات المجتمع للارتقاء بالولاء والانتماء للوطن للحصول على مخرجات إنسانية وطنية متوازنة ومستقرة تسهم في تحقيق أهداف ومصالح الوطن على المدى القصير والطويل لتنعكس آثارها على أمن واستقرار المجتمع وبالتالي على أمن واستقرار الوطن .
• الرقي بأنفسنا لتفعيل الخطط التنموية للمجتمع باستثمار التقنيات الحديثة في كل ما يحقق النفع والفائدة للوطن والمواطن ، إلى جانب تفعيله لتجفيف منابع الإرهاب وسد منافذ الفكر المنحرف . مع الاهتمام بالبحث العلمي الذي يعتبر من أهم مطالب العصر الحاضر لاستثمار ما هو متراكم من معلومات علمية وتقنية في مختلف القطاعات التنموية لخدمة هذا الكيان الوطني والتفاعل مع احتياجاته ومتطلباته ، والتي تمثل متطلبات المواطن .
وأختم حديثي بهذه المقولة :
هذا الوطن نحمله فوق هاماتنا انتماءً أبدياً
ونسكنه داخل أرواح أرواحنا عشقاً أصيلاً
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
المراجع :
1- بشرى فيصل السباعي (1م1/1426هـ ) : الانتماء بين التنظير والواقع ، عكاظ ، السنة السابعة والأربعون ، العدد 14047
2- سعود حسن مختار (19/11/1425هـ ) : التغيير والإصلاح .. وزارة التربية أنموذجاً ، المدينة ، السنة السبعون ، العدد 15227
3- عبد الله أحمد الرشيد : التقنية السبيل الأمثل للنماء (http://www.bab.com/ articles ) .
4- غادة الحوطي (23/11/1425هـ) : عكاظ، السنة السادسة والأربعون ، العدد14010
5- محمد محمود الحيلة( 1421هـ) : تكنولوجيا التعليم بين النظرية والتطبيق ، عمان ، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة .