وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ
خلق آدم الإنسان
تمهيـد
كان الله ولم يكن شيء ... ويبقى سبحانه وينفي كل شيء ...سبحانه قائم بذاته ولا يحتاج لأي شيء فهو سبحانه منزه عن كل شيء, هو أول بلا نهاية وآخر بلا بداية . سبحانه وتعالى لحكمة هو اعلم بها, أراد للأشياء أن تكون فكانت كما أراد لها أن تكون . أوجد كتلة البروتون الضخم وحولها سحابة الإلكترونات ( الجوهرة التي تحدث عنها ابن عباس)1. واحدث فيها الاندماجات النووية فانفجرت فتكونت على اثر ذلك الذرات والعناصر والجزئيات والمركبات فكانت الكتلة بصورها الثلاث :-الصلبة : سدوم ومجرات ونجوم وكواكب وشمس وارض وقمر وجبال وصخور ورمال . والسائلة : محيطات وبحار , وأنهار , ومياه .والغازية : أهمها الإيدروجين والأكسجين والنيتروجين وثاني أكسيد الكربون ...... الخ . واقتضت حكمة الله أن يخلق من تلك العناصر والذرات , البروتينات والعُضيات, التي تآلفت بقدرة الله بعضها مع بعض لتتكون بقدرة الخالق العظيم مادة الحياة الأولى البروتوبلازم ومنها كانت الخلية الأولى , التي نصفها نباتية , ونصفها الآخر حيوانية . ولم تفسر نظرية التطور نوع الجنس التي كانت عليه الخلية الأولى , هل كانت أنثى ؟, أم كانت ذكر ؟, أم كانت الاثنين معاً ؟!! . المهم أن الخلية الأولى سارت في مسار تطورها وفقا لقانون رسمه خالقها لها فراحت من حال إلى حال ومن طور إلى طور كما قرأناه في صفحات السجل الحفري الذي حفظه الله ليكون لنا آية ودليلاً : فمن الخلية كان النسيج " الإسفنج " . ومنه كانت الجوفمعويات. ومنها كانت الديدان , فالرخويات , فالأسماك , فالبرمائيات , فالزواحف , ثم الطيور , ثم الثدييات. وتربع القرد على قمة السلم التطوري .
قال تعالي :{ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً }2.
وقال تعالى:{ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ}3.
فقد خلق الله الأرضَ وما عليها من نبات وحيوان من أجل الإنسان. وبعد ذلك خلق رست سفينة التطور على الإنسان , فكان الإنسان هو قمة المخلوقات النباتية والحيوانية. وهذا دليل على أن خلق الإنسان هو آخر المخلوقات على الإطلاق. ولقد أوضح الله كيف كانت بداية خلق الإنسان . قال تعالي وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين .... وبعد :
كيف كانت بداية خلق الإنسان ؟
إن ما بين الإنسان والقردة من تشابه دقيق من الناحية التشريحية والفسيولوجية , والبيولوجية , وما بين جميع الأحياء والأنواع الحيوانية من تشارك في مظاهر الحياة الأساسية كالتغذية والحركة والتنفس والإخراج والنمو والإحساس....الخ, دفع علماء التطور إلى القول بأن الإنسان والقردة العليا من أصل واحد. والإنسان بما منحته الطبيعة من الامتيازات تربع على قمة السلم التطوري للأحياء. ورغم أن هناك من المظاهر ما يجعلهم يقولون ذلك, إلا أن علماء البيولوجي لم يؤمنوا بالخالق العظيم. ويدعي علماء التطور أن هناك حلقة مفقودة, هي الرابطة التسلسلية التي تربط الإنسان بالقرد. وأنا على يقين من أن علماء التطور لن يعثروا على الحلقة التي تربط بين القرد والإنسان. وذلك لأن الحقيقة هي أن الله حق وما يقوله حق. رضي بذلك علماء التطور أم لم يرضوا .
المهم أن الله قال {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ }4. فقد أحسن الله خلق النبات . وأحسن خلق الحيوانات. وأراد سبحانه وتعالى لحكمته التي لا يعلمها إلا هو, أن يخلق خلقاً جديداً لم يخلق مثله من قبل, خلقاً لا يختلف عن سنة مَنْ خَلَقَ من قبله . ولكن بمميزات عظيمة باهرة يعمها العقل المبدع ويسودها الطموح , والتطور. إنه الإنسان العظيم الذي ثبت أنه مخلوق عظيم قال تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ.}5. ذلك الإنسان المجهول .
كيف خُلِقَ الإنسان ؟
أولا :- ماذا تقول التوراة حول قضية خلق الإنسان ؟
تقول التوراة : ( فخلق الله التنانين العظام وكل ذوات الأنفس الحية الدبابة التي فاضت بها المياه كأجناسها . وكل طائر ذي جناح كجنسه...وقال الله لتُخرج الأرض ذوات أنفس حية كجنسها : بهائم ودبابات ووحوش ارض كأجناسها..ورأى الله ذلك انه حسن. وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا فيتسلطون على:سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الأرض وعلى جميع الدبابات التي تذوب على الأرض... وجبل الرب الآلة ادم ترابا من الأرض ونفخ في أنفة نسمة حياة فصار ادم نفسا حية )6.
فما هو رأي علماء التطور فيما تقوله التوراة ؟
ثانيا : ماذا تقول الأناجيل ؟
يقول إنجيل برنابا: ( تبارك اسم الله القدوس الذي خلق الإنسان من طين الأرض وجعله قيما على أعماله... أجاب يسوع : لما خلق الله كتلة من التراب . وتركها خمسا وعشرين ألف سنة, بدون إن يفعل شيئا آخر )7.
________________________
1- من تفسير النسفي جزء 4 صفحة 108
2-. سورة البقرة آية 29
3- سورة السجدة آية 7
4- السجدة 7
5- الإسراء 7
6-التوراة سفر التكوين الإصحاح الأول الفقرتين".2_21_24_26_27 . الإصحاح الثاني "2, 7"
7- إنجيل برنابا في الفصل الثاني عشر فقرة 15- الفصل الرابع والثلاثون فقرة 6،7
ثالثا :ماذا يقول القرآن معجزة محمد عليه الصلاة والسلام ؟
في البداية قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً..}1.
يقول ابن كثير
يخبر الله بامتنانه على بني ادم بتنويهه بذكرهم في الملأ الأعلى قبل إيجادهم بقوله : وإذ قال ربك للملائكة وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّد إِذْ قَالَ رَبّك لِلْمَلَائِكَةِ وَاقْصُصْ عَلَى قَوْمك ذَلِكَ ....إني جاعل في الأرض خليفة : أَيْ قَوْمًا يَخْلُف بَعْضهمْ بَعْضًا قَرْنًا بَعْد قَرْن وَجِيلاً بَعْد جِيل. كَمَا قَالَ تَعَالَى " هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِف الْأَرْض " وَقَالَ " وَيَجْعَلكُمْ خُلَفَاء الْأَرْض" وَقَالَ " وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَة فِي الْأَرْض يَخْلُفُونَ " وَقَالَ " فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْفٌ ... وَلَيْسَ الْمُرَاد هَاهُنَا بِالْخَلِيفَةِ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام فَقَطْ كَمَا يَقُولهُ طَائِفَة مِنْ الْمُفَسِّرِينَ إِذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمَا حَسُنَ قَوْل الْمَلَائِكَة " أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء " فَإِنَّهُمْ أَرَادُوا أَنَّ مِنْ هَذَا الْجِنْس مَنْ يَفْعَل ذَلِكَ وَكَأَنَّهُمْ عَلِمُوا ذَلِكَ بِعِلْمٍ خَاصّ أَوْ بِمَا فَهِمُوهُ مِنْ الطَّبِيعَة الْبَشَرِيَّة فَإِنَّهُ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ يَخْلُق هَذَا الصِّنْف مِنْ صَلْصَال مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون أَوْ فَهِمُوا مِنْ الْخَلِيفَة أَنَّهُ الَّذِي يَفْصِل بَيْن النَّاس مَا يَقَع بَيْنهمْ مِنْ الْمَظَالِم وَيَرْدَعهُمْ عَنْ الْمَحَارِم وَالْمَآثِم قَالَهُ الْقُرْطُبِيّ أَوْ أَنَّهُمْ قَاسُوهُمْ عَلَى مَنْ سَبَقَ. وقول الملائكة هذا ليس على وجه الاعتراض على الله ولا على وجه الحسد لبني ادم كما يتوهمة بعض المفسرين ولقد وصفهم الله بأنهم لا يسبقونه بالقول : إي لا يسألون شيئا لم يأذن لهم به فها هنا لما أعلمهم بأنه سيخلق في الأرض خلقا وقد تقدم إليهم أنهم يفسدون فيها قالوا : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟. إنما هو سؤال واستعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك يقولون :يا ربنا ما الحكمة في خلق هؤلاء مع إن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء . فإن كان المراد عبادتك فـنحن نسبح بحمدك ونقدس لك : أي نصلي لك. ولا يصدر منا شيء من ذلك . وهلا وقع الاقتصار علينا ؟ قال تعالى مجيباً لهم عن هذا التساؤل : إني اعلم مالا تعلمون : أي إني اعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها مالا تعلمون انتم . فأني سأجعل فيهم الأنبياء وأرسل فيهم الرسل . ويوجـد منهـم الصد يقـون
والشهداء والصالحون والبعاد والزهاد والأولياء والأبرياء والمقربون والعلماء والعاملون والخاشعون والمحبون له سبحانه وتعالى . وقال ابن جرير : قال بعضهم أن ما قالت الملائكة ما قالت لأن الله إذن لهم في السؤال عن ذلك بعدما اخبرهم ذلك كائن من بني ادم فسألته الملائكة فقالت على التعجب منها : وكيف يعضونك وأنت خالقهم ؟ فأجابهم ربهم إني اعلم ما لا تعلمون :- يعني أن ذلك كائن منهم وان تعلموه انتم ومن بعض ما ترونه طائعا قال وقال بعضهم ذلك من الملائكة على وجه الاسترشاد عما لم يعلموا من ذلك فكأنهم قالوا يا رب خبرنا مسألة استخبار منهم لا على وجه الإنكار واختاره ابن جرير )2.
الأرض
ما هي الأرض المقصودة من الآية ؟
الجميع يعتقد أن المقصود بالأرض التي تتحدث عنها الآية (30) من سورة البقرة هي ارض الدنيا فهل هذه هي الحقيقة ؟! . لو كان الأمر كذلك , فلماذا سألت الملائكةُ ربها: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}. ما هي دواعي التعجب والاستغراب من الملائكة ؟
يقول الأمام النسفي: ( قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها: تعجب من أنْ ستخلف مكان أهل الطاعة أهل المعصية.)3.
وأنا اسأل إذا جاز لي السؤال: هل كان على الأرض الدنيا أهل طاعة حتى يخلف الله مكانهم أهل معصية ؟!!.
حسب ما اعلم أن الأرض الدنيا كان يعيش عليها الحيوانات الأليفة والحيوانات المفترسة وكانت الحيوانات المفترسة تسفك دماء الحيوانات الأليفة . وكان يعيش عليها الجن كما ورد في التفاسير رُويَ عن ابن عباس :
( عَنْ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : إِنَّ أَوَّل مَنْ سَكَنَ الْأَرْض الْجِنّ فَأَفْسَدُوا فِيهَا وَسَفَكُوا فِيهَا الدِّمَاء وَقَتَلَ بَعْضهمْ بَعْضًا قَالَ فَبَعَثَ اللَّه إِلَيْهِمْ إِبْلِيس فَقَتَلَهُمْ إِبْلِيس وَمَنْ مَعَهُ حَتَّى أَلْحَقَهُمْ بِجَزَائِر الْبُحُور وَأَطْرَاف الْجِبَال..)4.
إذن لم يكن على الأرض أهل طاعة , بل كان على أرض الدنيا من يفسد فيها ويسفك الدماء . نعود للسؤال مرة ثانية : ما هي دواعي التعجب والاستغراب من الملائكة ؟
ويقول ابن كثير: (..إنما هو السؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك : يقولون : يا ربنا ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء . وإن كان المراد عبادتك فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك إي نصلي لك ولا يصدر منا شيء من ذلك وهلا وقع الاقتصار علينا ؟)5.
واتسائل هنا أيضا: هل كانت الملائكة ترغب أن تسكن ارض الدنيا رغم ما فيها من فساد وسفك دماء وحياة أسفل
سافلين, وتترك مكانها في الجنة ؟ أعتقد أن الجواب : لا !. إذن ما هو وجه الاستغراب والتعجب من الملائكة ؟ الحقيقة والله اعلم هي أن الأرض المقصودة في الآية رقم 30 من سورة البقرة هي ارض الجنة.
وارض الجنة مقامها هو مقام الفردوس الأعلى فلا ينبغي فيها الفساد ولا سفك الدماء . ولا ينبغي فيها التناسل بالماء المهين
الذي ستتكون على أثره الخليفة. كما أن الملائكة كانت تقيم في الجنة . ولما قال الله لهم إني جاعلٌ في الأرض خليفة ,
___________________________________
1- سورة البقرة آية 30
2- تفسير ابن كثير في مجلد 1 صفحة 49
3- تفسير النسفي في جزء "1" صفحة 55
4- ابن كثير جزء 1صفحة 50
5- ابن كثير في مجلد "1" صفحة 49
أدركوا أن الأرض المقصودة , هي أرض الجنة . لذلك أصابهم الذهول والاستغراب : كيف سيجعل الله على أرض الجنة خليفة تتكون بالماء المهين ؟! كيف سيجعل الله على أرض الجنة خليفة تفسد في الأرض وتسفك الدماء ؟! فكل ذلك لا ينبغي أن يكون في أرض الفردوس الأعلى . أما تساؤل الملائكة و استغرابهم وتعجبهم فكان استيضاحاً للأمر : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء . ولما اعتقدوا بأن هذا المخلوق سيخلفهم في الجنة , قالوا : ونحن نُسَبِحُ بحَمْدِكَ ونُقَدِسُ لك ؟!. ولعلم الله بأن هذا المخلوق الجديد, سوف تكون منه معصية بأكله من الشجرة المنهي عنها, وسينزل على أثرها إلى أرض الدنيا. "والملائكة لا تعلم بذلك" فإن الله أجابهم على تساؤلهم واستغرابهم: قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ.
ويأخذ معنى الأرض هنا والله أعلم وجهين: الوجه الأول: أرض الجنة التي فيها تعيش الخليفة مخلدين. والوجه الثاني: أرض الدنيا التي عليها تتكون الخليفة بالماء المهين.
ومع كل ذلك, يظلُّ عِلْمُ الحقيقة لله وحده سبحانه وتعالى .
ما معنى كلمة خليفة في الآية وكيف ستكون ؟
من قاموس اللغة: ( خَلَفَ يَخْـلُفُ خَلْفاً مثل وخلف من بعدهم خلف: أي عقبهم عقب سوء. كقولة تعالى: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات . وخَلَّفَ يُخَلِّفُ تَخْليفاً . وخلَّف الشخص أي أنجب .)1. ونحن في الأرض الدنيا يُخَلِّفُ بعضنا بعضا جيلا بعد جيل ونسلاً من بعد نسل. وجميعنا يبتلعنا الموت. ونظل هكذا إلى يوم القيامة. فإذا ما انتهت الحياة الدنيا كانت ذرية ادم وخِلْفَتَه وخَليفَته , قد اكتملت. فمن هو الخليفة منهم ومن هو المحروم من هذه الميزة العظيمة ؟. من الذي سيخلد في الجنة فينطبق عليه قوله تعالى أني جاعل في الأرض خليفة ؟. وقرار الله سبحانه وتعالى إني جاعلٌ في الأرض خليفة, هو قرار لا رجعة فيه, ولا ينتهي أمره. إنه أمر خلود في مقام الفردوس الأعلى . ومن المعلوم أن الخليفة هو الذي يخلف أباه في مال أو ملك. ولكن إذا قتل شخصٌ أباه فهل يحق له أن يرثه ,وإذا كان شخص ما كافرٌ, وأباه مؤمنٌ, فهل يجوز أن يرثه ؟ الحقيقة أن الكافر لا يرث المؤمن والقاتل أباه لا يرثه, وعندما هبط أبونا ادم من الجنة بعد المعصية, قال الله له: {قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }2. فمن سار على منهج الهدى ومات على ذلك, كان خليفة أبيه ادم ويرث الجنة التي ملكها أبوه ادم في أول نشأته , ثم انتُزِعَتْ منه بعد المعصية . وهذا الخليفة يقول يوم القيامة وهو يدخل الجنة : {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ }3. أما الذين كفروا بآيات الله وهداه , فهم رغم أنهم من
ذرية آدم, إلا أنهم ليسوا من الخليفة التي ترث, ولا يحق لهم أن يرثوا . بل يقذف بهم في نار جهنم وهم
يقولون{ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً }4.
وكلمة خليفة أيضاً لها وجهين في المعنى : الوجه الأول هو : خليفة تخلف الملائكة في أرض الجنة . وهذا ما دفع الملائكة لأن تقول: ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك. أما الوجه الآخر: فهو تكون الخليفة بالماء المهين على أرض الدنيا. هذا والله اعلم.
خلق آدم الإنسان
المرحلة الأولى في خلق ادم مرحلة التراب : قال تعالى : { كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ }5.
وقال صلى الله عليه وسلم: كلكم لأدم وادم خلق من تراب .
ويقول ابن كثير
عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله خلق ادم من قبضة من جميع الأرض..)6. الحديث أخرجه الإمام احمد والترمذي وأبو داوود وقال الترمذي حسن صحيح.
وقبضة التراب هي عبارة عن حبات من الرمل مفككة ومكونة من عناصر و ذرات ولا يمكننا أن نشكل من حبات الرمل المفككة هيكلا ما. ولكن إذا ما جُبلتْ بالماء كان من السهل تشكيلها. وهذا والله أعلم هو ما كان حيث جُبلت قضية التراب بالماء فأصبحت طرية ولينه. وسَهُلَ تشكيلها. و بذلك أصبح التراب طينا لازبا وهي المرحلة الثانية لخلق ادم : مرحلة الطين اللازب : قال تعالى: {... إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لازِبٍ }7.
يقول الإمام النسفي (معنى الطين اللازب: أي اللاصق أو اللازم "لازم" وقرئ به. وهذه شهادة عليهم بالضعف لأن ما يُصْنَعُ من الطين غير موصوف بالصلابة. أو انه احتجاج عليهم بأن الطين اللازب الذي خلقوا منه , تراب فمن أين استنكروا أيخلقون من تراب مثله حيث قالوا أئذا كنا ترابا ؟)8.
ويقول ابن كثير
قال مجاهد والضحاك: اللازب هو الجيد الذي يلتزق بعضه ببعض. وقال ابن عباس وعكرمة هو اللزج الجيد: وقال قتادة : هو الذي يلزق باليد )9.
إذن الطين اللازب قوامه ليِّنٌ وسهلُ الالتصاق بعضة ببعض وبالتالي شكَّلَ الله منه: خلايا وأنسجة وأعضاء وأجهزة, على
___________________________
1- قاموس لاروس صفحة 417
2- سورة البقرة38
3- سورة الزمر74
4- سورة النبأ آية 40
5- سورة آل عمران59
6 - ابن كثير في مجلد 3 صفحة 51
7- سورة الصافات آية 11
8- في تفسيره جزء 4 صفحة 23
9- ابن كثير في مجلد 3 صفحة 176
شاكلة من هم موجودون على أرض الدنيا من خَلْقِه. مع الأفضلية كما قال: الذي أحسن كل شيء خلقة . وبالتالي كان آدم أحسن المخلوقات. فكان اتجاه الخلايا والأنسجة والأعضاء والأجهزة في نشأتها, نحو الاعتدال والاستواء, والنطق والكلام. قال تعالى: { الذي خلقك فسواك فعدلك * في أي صورة ما شاء ركبك }1.
ويقول الإمام النسفي: ( الذي صفته . أحسن كل شيء أي حسنة لان كل شيء مرتب على ما اقتضته الحكمة ..... خلقة... على الوصف أي كل شيء خلقه فقد أحسن .)2.
وقال تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ}3.
يقول النسفى ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم : أي خلقنا أباكم ادم طينا غير مصور ثم صورناه بعد ذلك)4 .
ويقول الشيخ السعدي : (ولقد خلقناكم ثم صورناكم : أي خلقنا أباكم ادم ، أي قدرناه من الطين ثم صورناه علي الصورة البشرية الكريمة التي ورثها بنوه من بعده إلى نهاية الوجود الإنساني )5. أننا لم نشهد الكيفية التي خلق بها الله ادم عليه السلام ولم نرى كيف تشكلت الخلايا والأنسجة والأعضاء والأجهزة لان ذلك بالنسبة لنا غيب ولا يعلم حقيقة ما جرى إلا الله : كيف جرى وأين جرى ؟ .قال تعالى :{..هو أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ..}6..ولكن وكما يقول الإمام الجزائري.. ثم صورناه علي الصورة البشرية التي ورثها بنوه من بعده إلي نهاية الوجود الإنساني .
فقد اطلعنا الله على آية من آياته فشاهدناها وتتبعناها خطوة بخطوة كيف تتكون وتتخلق وتتشكل خلاياها وأنسجتها وأعضائها وأجهزتها ، إنها آية خلق الجنين في رحم أمه : فمن من النطفة كانت التوتة, ثم العلقة . ومنها كانت المضغة؛ مخلقة وغير مخلقة. ثم تكونت الأجهزة والعظام واللحم والجلد والشعر وهذا كله مدونٌ كيفية حدوثه في أرشيفنا الوراثي, الذي ورثناه عن أبينا أدم . وما المانع إذن أن يكون ما حدث لنا في الأرحام قد حدث مع أبينا أدم في أرض الجنة أو في المكان الذي لا يعلمه إلا الله ؟. قال تعالى : (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ )7.
المهم في الأمر أن الله شكل أدم وصوره وأنشأ له السمع والبصر والفؤاد وكل ذلك في مرحلة الطين اللازب لأنه طين لينٌ وسهلُ الالتصاقِ بعضهُ ببعضٍ . والله أعلم .
تشكلت الخلايا والأنسجة الطينية الآدمية وتوجهت كل مجموعة من الخلايا والأنسجة نحو تكوين أعضاء معينة ومحددة. ثم توجهت كل مجموعة من الأعضاء المتآزرة معا لتكون الجهاز الخاص بها. وكانت لأدم خلايا وأنسجة وأعضاء وأجهزة :
كان لأدم جهازاً هضميا: غدد بلعوم ومريء، معدة وبنكرياس واثني عشر. وأمعاء دقيقة وأمعاء غليظة. وكان له كبد وطحال.
وكان لأدم جهازا تنفسي: وأنف وحنجرة وقصبة وشعبتان ورئتان.
وكان له جهاز دوري: قلب وأبهر وأوردة وشرايين وكان له دم من كرات بيضاء وحمراء وبلازمة وصفائح ).
وكان لأدم هيكل عظمي: جمجمة وفكّان وعمودي فقري وقفص صدري وحوض وعظمة عجز وله ذراعان وساقان . وكفان وقدمان وله عظمة قص ولوحتان .
وكان لأدم جهاز بولي وتناسلي : كليتان وخصيتان مثانة بولية وحالبان . قنوات منوية وقاذفة منوية وبروستاتا وغدد منوية وحيوانات منوية, واحليل وقضيب وكان لأدم جهاز عصبي: مخ ومخيخ ونخاع شوكي وأعصاب مركزية , وأعصاب طرفية .وكان له عينان وأذنان وعضلات وجلد وشعر وكان له زائدة دودية , والتي مهمتها في الحيوان هضم السيليلوز ولكن ! لماذا كانت في أدم وورثها لنا ؟ هل لأن أدم تطور عن الثدييات وهي فيهم طويلة فقصرت ؟ أم لأن أدم خلق في أفضل وأحسن تقويم وأنه لن يعيش كما تعيش البهائم في الغابات ويتغذى على حشائشها وأشجارها بل له نظامٌ راقيٌ في أسلوب تغذيته . لذلك وجدت فيه لأنها صورة موجودة فيمن قبله وهو متطور عنها وغير منبثق منها . ولذلك أضمرها الله في مكانها.الله أعلم .
قضية السُّرةُ
هل كان لآدم سُّرةٌ وهو المخلوق من التراب ولم يتقلب في رحم ليتلقى غذائه من أمه عبر الحبل السري؟ فالسرة مكان ينطلق منه الحبل السري من الجنين إلى المشيمة في عضلة الرحم والعكس .
إنّ نظام الوراثة للبشرية جاءها على فترتين. الأولى: من آدم عليه السلام حيث دوَّنَ الله كل خطوات خلقه عليه السلام بدقة متناهية. وهنا لا نعلم هل كان للسرة تأسيس أم لا ؟! قال تعالى:{قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ...}8. والثانية: لمَّا عصى آدم ربه فغوى, وأكل من الشجرة, ورُدَّ على أثر ذلك هو وزوجته, إلى أسفل سافلين, فحدث الجماع والمضاجعة, وحملت حواء بذرية آدم. فكانت السُّرة الرابطة بين الجنين وأمه لإمداده بالغذاء. وبالتالي وُرِّثَتْ السرة لذريتهما.
ولكن حتى لو كان ذلك كذلك, فإنَّ آدم أعطى حواء من صفاته الخالصة, فلا بُدَّ أن للسرة معلومات فيها. خصوصاً وأن حواء خُلِقَتْ من آدم صفاتاً وجسداً. وعلى أي الأحوال فإنَّ السرةَ, والله أعلم .
وعلى أي حال لم تكن السُّرَةُ كما يقول إنجيل برنابا: ( وبصق الشيطان أثناء انصرافه على كتلة التراب فرفع جبريل ذلك
______________________________
1- سورة الانفطار آيتي " 7 , 8 "
2- النسفى في جزء "3" صفحة 366_367-
3- سورة الأعراف آية 11
4- النسفى في جزء 2 صفحة 60
5- أيسر التفاسير الجزء واحد صفحة 253
6- سورة النجم32
7- سورة النمل أية 93
8 سورة النمل آية 65
البصاق مع شئ من التراب فكان للإنسان بسبب ذلك سرة في بطنه )1 .
وبعد أن أكتمل تكون أدم وتشكيل بنية جسده خلقا وتخليقا من الطين اللازب تُرِك ليجف فدخل أدم بذلك مرحلة جديدة .
مرحلة الحمأ المسنون :
قال تعالى في الحجر آية 26 : ( ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون )2.
يقول الشيخ السيوطي: ( من حمأ : أي طين أسود . ومسنون : أي متغير )3.
وقال ابن كثير: ( من حمأ: هو الطين والمسنون: أي الأملس .... وعن ابن عباس ومجاهد :أن الحمأ المسنون : هو المنتن. وقيل المراد بالمسنون هنا المصبوب)4 .
ويقول القرطبي: ( كان أول ترابا أي متفرق الأجزاء ثم بل فصار طينا ثم ترك حتى انتن فصار حمأ مسنون أي متغير ثم يبس فصار صلصالاً... والحمأ: الطين الأسود)5. (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما صور الله تعالى أدم عليه السلام في الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه فجعل إبليس يطيف به ينظر ما هو فلما رآه أجوف عرف انه مخلوق لا يملك نفسه عند الغضب وقيل لا يملك دفع الوسواس عنه )6.
ويصل أدم إلى أخر مراحل خلقه وتخليقه :
مرحلة الصلصال :
قال تعالى
{خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ }7. ( والصلصال:هو طبخ طين)8. " أيسر التفاسير".
وقال النسفي: ( من صلصال : أي من طين يابس له صلصلة كالفخار: أي الطين المطبوخ بالنار وهو الخزف)9. وهكذا طبخ الطين الجاف اليابس بالنار فصار صلصالا تماما مثل ما يحدث مع الفخار . والله أعلم
الفترة التي مكثها أدم ولم يكن شيئا مذكورا :
قال تعالى في سورة الإنسان: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً }10.
يقول الإمام النسفي: ( هل آتى : أي قد مضى . على الإنسان : أي أدم . حين من الدهر : أي أربعون سنة مصورا قبل نفخ الروح فيه . لم يكن شيئا مذكورا : لم يذكر أسمه ولم يدر ما يراد به بأنه كان طينا يمر به الزمان . ولو غير موجود لم يوصف بأنه قد آتى عليه حين من الدهر ...)11.
يبدو والله أعلم أن الله بعد أن دحى الأرض, وأخرج منها مائها ومرعاها, بدأ في نفس الوقت تشكيل أدم وخلقه. وفي نفس الوقت بدأت مسيرة التطور للملكة النباتية والحيوانية فما أن اكتملت حتى كان أدم قد اكتمل هو أيضاً. المهم لو تأملنا في عدد السنين التي يذكرها النسفي والتي مكثها أدم ولم يكن شيئا مذكورا وهي أربعين سنة كما يقول النسفي . وحاولنا معرفة عددها الحقيقي فأنني أقول :
لقد كانت السنون التي قضاها أدم لم يكن شيئا مذكورا أربعين سنة من سنين الله وكما نعلم من القرآن أن اليوم عند ربك كألف سنة من سنين الأرض الدنيا فكم سيكون عدد تلك السنين الأربعين !؟
من قول الله تعالى : أن عدة الشهور عند الله اثني عشر شهرا يوم خلق الأرض .
إذن فيكون عدد أشهر الأربعين سنة هو ( 12 x 40 ) ويساوي ( 480) أي أربعمائة وثمانون شهرا ويكون عدد أيامها ( 480 × 30 = 14400) أي أربعة عشر ألف وأربعمائة يوم . فيكون عددها بأعداد أرض الدنيا (14400x 1000 = 14400000) أي أربعة عشر مليون وأربعمائة ألف سنة ( في حالة اليوم عند ربك ألف سنة ) أو: ( 14400 x 50.000 = 720000000) أي سبعمائة وعشرون مليون سنة من سنين أرض الدنيا وهناك رواية وردت عن أنجيل برنابا يقول فيها : ( وتركها خمسة وعشرين ألف سنة بدون أن يفعل شيئا أخر ) إصحاح 35 فقرة 7
فتكون عدد الأشهر : ( 25000 x 12 = 300000) أي ثلاثمائة ألف شهر . وبالتالي يكون عدد أيامها هو : (300،000x30= 9000000) أي تسعة ملاين يوم وتكون عددها بأيامنا هو : (9000،000x1000=9000،000000) أي تسعة مليارات سنه (في حالة اليوم 1000سنة عند ربك من سنين
الحياة الدنيا ) أو :(9000،000x50،000= 450،000.000.000) أي أربعمائة وخمسين ألف مليون سنه أي أربعمائة وخمسين مليار سنه.
فإذا ما سألني سائل : ما هو مقصودك من هذه الحسبة وهذه الأعداد المهولة من السنين؟!. أجيب : عندما يقال في علم الجيولوجيا أن عمر الأرض أربعمائة وخمسين مليار سنة؟! وان الحياة ظهرت علي الأرض منذ ثلاثمائة ألف مليون سنه . لا
_______________________________
1- إنجيل برنابا الفصل الخامس والثلاثين فقرتين 26و27
2- سورة الحجر آية 26
3- تفسير الجلالين صفحة 346
4-.تفسير ابن كثير جزء 2 صفحة 311.
5- تفسير القرطبي " من الإنترنت "
6- من تفسير الجلالين صفحة 346
7- سورة الرحمن آية 14
8- أيسر التفاسير
9- تفسير النسفي جزء 4 صفحة 253
10- سورة الإنسان آية 1
11- تفسير النسفي جزء 4 صفحة 385
يصيبني الذهول ولا الاستغراب, فآدم مكث وهو جسد صلصال مدة : سبعمائة وعشرين مليون سنه . أو أربعة عشر مليون وأربعمائة ألف سنة . أو حسب برنابا تسعة آلاف مليون سنه. أو أربعمائة وخمسون ألف مليون سنه .إذن فليقل علماء الجيولوجيا ما يقولون من السنين التي يعجز العقل عن استيعابها وكما يقال : أن الكون عمره ثلاثة عشر ألف مليون سنه . ولا يعلم بالحقيقة إلا الله .
ويقول علماء الجيولوجيا: إن الإنسان ظهر في الدنيا منذ مليونين من السنين . فماذا يكون جواب البشرية عندما تُسأل : كم لبثتم في الأرض عدد سنين ؟ قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين .
ولو تأملنا المليونين من السنين فما قيمتها بالنسبة لمليارات التي مكثها ادم ولم يكن شيئا مذكور ألا يدعونا ذلك إلي احتقار الدنيا وعدم الركون إليها ؟ وأن نُحَسِّنَ حياتنا فيها ؟ وكم عمر الواحد منا بالنسبة لتلك الأرقام المهولة من السنين ؟ إنها لا تمثل شيئا من الناحية العددية, فلماذا نعيش سنيننا المحدودة القليلة العدد في ظلم الغير وسفك الدماء والفساد في الأرض ؟ !.
على أي الأحول اكتمل بناء آدم وأصبح الآن مهيأ لأن تبعث فيه الحياة :قال تعالى : { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ}1.
محطة الإعجاز العلمي في القرآن
في أول المحطة نتساءل : من أين لمحمد بن عبد الله العربي الأمي أن يعرف أصل خلق الأحياء والإنسان وتفاصيل ذلك بدقة متناهية ؟ من أين له أن يعرف أن التراب هو المادة التي خلق منها الإنسان ؟ فإذا ما قيل من التوراة والإنجيل فإننا نقول : كيف لأمي لا يعرف القراءة ولا الكتابة أن يطلع على أسرار كانت خاصة بالأحبار والحاخامات . ثم على فرض أنه تسرب إليه معلومات من هنا أو من هناك فمن أين جاء بهذه الدقة التكوينية لخلق آدم : تراب ثم طين لازب ثم حمأ مسنون ثم صلصال كالفخار ؟ ثم من أين علم بأن نسل هذا الإنسان من سلالة من ماء مهين . من نطفة أمشاج , ثم من علقة والعلقة صارت مضغة والمضغة عظاما ؟ . فلا نخدع أنفسنا ولا نُكَذِّبُ بالحقيقة الناصعة البينة ولنقول : إن الذي خلق ادم ونسله هو الذي أنبأ محمدا بحقيقة ما جرى من خطوات في خلق أدم .ولنقل أيضا أن الأديان بصفة عامة والإسلام بصفة خاصة مصيبون في أقوالهم بأن الله خلق الإنسان من تراب وان أدم الإنسان خلق خلقا مميزا بل ومنفردا عن البهائم والقرود و ليس كما يدعي علماء التطور من أن الإنسان والقرد من أصل واحد .
يقول الدكتور محمود البنهاوي: (إن الخلية هي وحدة بناء الجسد الإنساني وإن أنسجته مكونة من العديد من الخلايا وأن الخلايا كائنات، والحيوانات والنباتات ما هي إلا تجميع من مثل هذه الكائنات مرتبة في نظم معينة حسب قوانين بالغة التعقيد وتتركب من مواد كيميائية عديدة:
أولا : المواد العضوية : مثل الكربوهيدرات والدهون والبروتينات وجميعها يتكون من : الكربون والهيدروجين والأكسجين . إضافة على النيتروجين إلى جانب عناصر الكبريت والفسفور واليود والمغنيسيوم والمنجنيز والحديد.
كما أن الأحماض النووية تتركب من : كربون وهيدروجين ونيتروجين وفسفور .
ثانيا : المواد الغير عضوية وقد تكون على هيئة أيونات حرة لأملاح ذائبة ، وقد توجد متحدة بالمواد العضوية في الخلية . وتوجد بوفرة في أجزاء خاصة من الجسم مثل : الهيكل العظمي حيث توجد على هيئة كربونات كالسيوم أو فوسفات الكالسيوم وثمة أملاح أخرى مثل ، كلوريد الصوديوم وكلوريد البوتاسيوم وهي في أصلها: كربون وكالسيوم وفسفور وكلور وصوديوم وبوتاسيوم .
ثالثا : الماء يشكل 70% من وزن الجسم وهو عبارة عن ذرتين من الهيدروجين وذرة أكسجين )2.
ويقول علماء البيولوجي في كتاب بيولوجيا الجسم الإنساني( يدخل في تركيب مادة البروتوبلازم التي هي أساس الخلية حوالي 35 عنصرا منها أربعة أساسية للحياة وهي الأكسجين والكربون والهيدروجين والنتروجين وهي تشكل 96% من وزن الخلية وتكون نسبها في البروتوبلازمة كالآتي :
ويقول علماء البيولوجي في كتاب بيولوجيا الجسم الإنساني( يدخل في تركيب مادة البروتوبلازم التي هي أساس الخلية حوالي 35 عنصرا منها أربعة أساسية للحياة وهي الأكسجين والكربون والهيدروجين والنتروجين وهي تشكل 96% من وزن الخلية وتكون نسبها في البروتوبلازمة كالآتي :
كربون
20.2%
أكسجين
63%
هيدروجين
9.9%
نيتروجين
2.5%
فوسفور
1.14%
كلور
0.16%
مغنيسيوم
.07%
صوديوم
0.15%
كالسيوم
7.5%
كبريت
0.14%
بوتاسيوم
0.11%
حديد
0.51%
[/center]
كما توجد العديد من العناصر تسمى العناصر النادرة وهي : المنجنيز والكوبالت والنحاس والنيكل والزنك. وهي جميعا تمثل حوالي 0.76% )1.
___________________________
1-كتاب بيولوجيا الجسم الإنساني
ويقول الدكتور أحمد متولي مصطفى: ( اثبت العلم الحديث أن الجسم الإنساني يحتوى على ما تحتويه الأرض من عناصر ... وهذه هي نفسها العناصر المكونة للتراب وأن اختلفت نسبتها في إنسان عن آخر ، وفي الإنسان عن التراب إلا أن أضافها واحده)1 .
اللهم هذا البحث من اجتهادي بعد أن اطلعت على أقوال المفسرين والعلماء فان أصبت فمنك وحدك وان أخطأت فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان من ذلك .
دكتور / جودت مجدي عيادة