همسات للموظفين
د. إبراهيم الدويش
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ذي العزة والجلال ، مصرف الشوؤن و الأحوال ، تكفل بالارزاق وكتب الآجال ، سبحان من رزق الطير في السماء ، والسمك في الماء ، سبحان من رزق الحية في العراء ، والدود في الصخرة الصماء ، أحمده سبحانه وأشكره ، وأتوب إليه وأستغفره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد ، معاشر الإخوة والأخوات ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، نلتقي وإياكم في هذا اللقاء الذي عنون له (( همسات للموظفين )) ولعلي أتحدث عن مجموعة من النقاط ألخصها بدءاً بما يلي : في البداية أمة الإسلام وأمريكا واليابان ، علاقة الوظيفة بالإسلام والعقيدة ، ماذا تريد وماذا نريد منك أيها الموظف ، الرجل المناسب في المكان المناسب ، الشفاعة داء أو دواء ، العدل العدل وأحذروا الظلم ، كشف القلوب ومغفرة الذنوب ، فشق عليهم فاشقق عليه ، المسؤولية تشريف أم تكليف ، أيها الموظف الوقت الوقت ، الاجازات وأخذ البدلات ، الموظفون والشلل والجلساء ، في دائرتنا تناصح وتعاون وأمر ونهي ، هل الغيبة فاكهة الموظفين ، وأخيراً أربعون همسة إدارية خاصة بالحريصين على الترقي والتطوير ، ثم خاتمة .
أيها الأخوة والأخوات : في الوقت الذي يرى فيه المراقب للأنظمة الإدارية في غالبية الدول الإسلامية والعربية التخبط والتخلف الإداري الشديد وخاصة لدي موظف القطاع العام نرى الإنبهار الشديد بالتنظيم والتفوق الإداري في الغرب والشرق ، وهذه حقيقة في مجملها صحيحة للأسف ، وهذا الفارق الملحوظ لا اظنه يحتاج إلى دراسة أو تقصي لاثباته ، بل يعرفه كل من زار تلك البلاد أو تعامل معها ، فمثلاً نسمع نحن عن اليابان قول من يقول : إن من أسباب تفوقهم في هذا العصر أي التفوق الإداري الوظيفي ، هو نظام العمل لديهم فنظرتهم له كعبادة مقدسة ، فهم يعملون ساعات العمل بل دقائقه بجد وأمانة في الوقت الذي يبلغ عطاء البعض في بعض البلاد العربية في وظيفته بمعدل نصف ساعة فقط من الثمان ساعات التي يجلسها على المكتب . والكثيرون يتسائلون كما نتسائل لماذا تفوقت دول الغرب وعلى رأسها أمريكا ودول الشرق وعلى رأسها اليابان على الأمة الإسلامية بالاقتصاد والإدارة والعمل الوظيفي ؟
وجواب هذا التساؤل لا يتم في درس أو محاضرة ولكن يمكننا القول باختصار : لقد تصدرنا العالم يوماً ما ولا نريد أن نبكي على الأطلال ، بل نريد أن ندرس الأسباب ونحاول أن نسترجع هذه الصدارة نعم تصدرنا العالم يوماً ما ، وكان ملوك وأمراء أوربا يرسلون أبنائهم للدراسة وتعلم اللغة العربية في بلاد المسلمين ، بل كانوا يتفاخرون فيما بينهم بالحديث باللغة العربية ، واليوم العكس مع الأسف فما الذي حدث هل لكل زمان دولة ورجال كما يقال ، لن أخوض في أسباب تقصيرنا فنحن أعرف بها من غيرنا ، ولعل مضامين الحديث مع الموظفين يتضح الكثير من هذه الأسباب ، ولكن للفائدة ولوضع لبنة في بناء إعادة الصدارة سنتحدث باختصار عن أهم أسباب نـهضتهم الإدارية والتنظيمية والتي نوجزها فيما يلي :
أولاً : الاهتمام بالإنسان واحترامه ومعاملته بهذه الصفة التي خلقه الله عليها ، فتركز هذه الدول على نفسيته وشخصيته وأسرته ومستقبله المعيشي وتأهيله العلمي والعملي حتى لو كان عاطلاً عن العمل .
ثانياً : الاهتمام بالتخطيط طويل الأجل وتحديد أهداف بعيدة المدى ، ووضع خطط عمل تمكن من تحديد هذه الأهداف بأفضل السبل .
ثالثاً : التطوير المستمر لنظم العمل وقواعده وإجراءاته ، ووضع النظريات الإدارية المناسبة للمكان والزمان ، وتنظيم آليات التطبيق العملية والعلمية لها .
رابعاً : التركيز على الجودة في العمل في جميع الظروف ووضع معايير دقيقة عالية المستوى ، وتدريب العاملين وتطويرهم ومراقبتهم لتحقيقها .
خامساً : وضع نظم وقواعد وإجراءات تحكم العمل بكل تفاصيله ، ومراقبة تنفيذها وفق آليات واضحة للجميع .
سادساً : احترام العمل وتقديسه في بعض الأحايين بغض النظر عن تداعيات الوظيفة والمرتب والترقيات 0000 إلخ .
سابعاً : أخيراً تطوير التقنية واستخدامها كلما كان ذلك ممكناً .
هذه هي النظرة المادية ولها ثقلها وأثرها ولكن ومن خلال النصوص الشرعية بوظائف الولايات وأداء الأمانات والتي سنذكر بعضها بمشيئة الله يتبين لنا بعيداًًًًًََََ عن اليابان وغيره عظمة هذا الدين و قوة حضارته لو أخذه المسلمون بقوة واجتهدوا ببذل الأسباب وتخلصوا من التقليد والتبعية وفطنوا لخطورة الهزيمة النفسية وفقهوا دينهم بحق وعملوا ، بقول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عيه وسلم ، نسأل الله أن يعيد للإسلام حضارته وعزته وأن يفقه المسلمين في دينهم وأن يصلح أحوالهم وليكونوا قادة لا مقودين وسادة لا مسودين وقدوة للعالمين هذا هو السبب الأول والرئيسي لطرح هذا الموضوع .
ثانياً : نعم الله علينا كثيرة لا تعد ولا تحصى ومنها أن يسر لنا أبواب الرزق وطلب العيش وما من أحد إلا وهو يسعى في الأرض ويـبذل الأسباب وإلا فالرزق من الله تعالى وهو الرزاق ذو القوة المتين وبيده مفاتيح الخير والعطاء وفي السماء رزقكم وما توعدون ، و مع يقين المسلم الصادق بإنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها فإنه لابد من السعي وبذل الأسباب لأن السماء لا تمطر فضاً ولا ذهباً كما يقال ولذا كان الأمر من الله تعالى : فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (الملك: من الآية15) .
ومن توفيق الله تعالى للكثير من المسلمين في الأرض أن يسر لهم أبواب رزقهم بوظائف وأعمال وولايات تولوها لتكون لهم مصدر رزق وسعي ؛ ولأن أكثر الناس اليوم موظفون ؛ ولأن الوظيفة أمانة تحتاج لحسن رعاية ومسؤولية كان لا بد أن يكون لهم نصيب من التذكير والتوجيه فهم بشر يجتهدون ويحرصون ولكنهم عرضة للغفلة والتقصير والملل والسآمة والأخطاء في بعض الأحايين .
ثالثاً : ما نسمعه في الليل والنهار وفي المجالس والمنتديات من القيل والقال في الموظفين حتى قال البعض أن الموظف أصبح عدواً للمراجع أو أن الموظفين أصبحوا أعداء للمواطنين ، ونرجوا أن لا يكون ذلك . هذا موظف أمين ذو خلق ودين يحبه الناس ويثنون عليه خيراً وآخر هشاش بشاش خدوم لكل أحد، وثالث : كثير الغياب والتنصل بارد نأووم ، ورابع : موظف سيء كسول ثقيل الطبع والدم ، وخامس متجهم عبوس لا ينفع إلا من يرجو منه مصلحة و منفعة. هذه أقوال وكلمات نسمعها في اليوم عشرات المرات، فلبيان الحال ومعرفة المآل كانت مثل هذه الهمسات للموظفين والموظفات ، اسأل الله أن ينفع بها المسلمين والمسلمات، وأن يجعلها لوجهه خالصات صادقات وأن يعفو عن الخطأ والتقصير والسيئات .
علاقة الوظيفة بالإسلام والعقيدة
وهذا أمر مهم يجب أن نتنبه إلية معاشر الموظفين كثير من الناس يغفل عن علاقة إسلامه وعقيدته في عمله ووظيفته فنرى مثلاً مسلماً موظفاً يحرص على صلاة الجماعة ويسابق على الصف الأول ويصوم النوافل ويتجنب كثيراً من المعاملات المالية المشبوهة ويحترق قلبه على منكر ينظر إليه بل ربما سارع إلى إنكار هذا المنكر، وهذا كله جميل ومفرحً ونرجوا الأجر لصاحبه إن شاء الله، لكن العجب العجاب أن ترى هذا الموظف الذي اتصف بمثل هذه الصفات لا يراقب حاله وأعماله وتصرفاته في وظيفته وعمله ، فمثلاً : هو يسرق من وقت وظيفته ساعات ويسارع في طلب الانتدابات والمكافئات بغير حق ويحتال على الاجازات والتغيبات إلى آخر ما نسمعه ونراه في عالم الوظيفة والموظفين وكأن الوظيفة لا تمت لدينه بصلة وكأن الراتب الوظيفي لا يدخله الحلال والحرام بسبب التقصير والإخلال فهل هذه ازدواجية وأنفصام بالشخصية أو أنها غفلة وجهل. فمثل هذا يرى أن الإسلام هو فقط تلك العبادات الشرعية المعروفة ،نسي أو تناسى أن الإسلام دين متكامل ، السنا نردد أن الله خلقنا لعبادته وأن العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال و الأفعال الظاهرة والباطنة ، إذن معنى هذا كل فعل وقول وحركة في حياتك أيها المسلم لك فيها أجر بشرط أن يحبها الله ويرضاها أي أن تكون خالصة لله أو كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا هو هدف المسلم في الحياة رضى الله عز وجل في كل شيء ، الله تعالى يقول : قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شريك له (الأنعام:162) نسكي ، صلاتي ، محياي ، ومماتي ، كل صغيرة وكبيرة في حياتي ، فإذا اتضح الهدف للمسلم ارتاح قلبه وأطمأنت نفسه وشعر بالسعادة لأنه يعش من أجل هدف ومبدأ سامٍ عظيم وغاية واضحة هي رضى الله عز وجل في كل صغيرة وكبيرة وبهذا المفهوم الصحيح للعبادة فكل شيء في الحياة لك به أجر متى أخلصت القصد ، وهنا تتضح حقيقة هذا الدين وشموليته ويسره وسعته، فوالله لو عاش المسلمون بهذا المفهوم لما كان هناك انفصام نكدٍ في شخصية الكثير من المسلمين تجد الرجل يأتي للمسجد يركع ويسجد وربما يتأثر ويبكي وتسيل الدمعة على الخد لكن تعال وانظر لعمله ، لوظيفته ، لتأخره وكثرة غيابه غشه وعدم أمانته انظر لسانه وسوء أخلاقه وتجهمه انظر لبيعه وشراءه وتسأهله في أكل الشهيات وربما تعامله بالريا بل وانظر لبيته وما فيه من وسائل فساد ومعصية وشهوات .
معاشرا الموظفين والموظفات : متى يشعر الموظف انه وهو في وظيفته في طاعة لله له أجر وثواب من الله ، نعم يحتسب التعب والنصب ويصبر على ساعات الدوام والعمل ويحرص على إتقان عمله . أخي اسمع مني هذه الكلمات : إن كنت ممن يعمل من أجل المال والراتب فقط فإن هذا مهما بلغ لا يساوي والله قطرة عرق تسيل على جبينك الوضين فالدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة ، وإن كنت تعمل بإخلاص ومراقبة لله ، فأنت على خير مخلوف عليك جهدك ووقتك وتعبك فلا تحرم نفسك إذا الخير وراقب الله في عملك ولا تراقب المخلوقين ، وخف الله ولا تخاف من المخلوقين واتق الله في الأمانة التي أؤتمنت عليها ، ومن ذلك الحرص على أداء وأجبك كاملاً في العمل المنوط بك ، وأن تحسن به تمام الإحسان ، إنها الأمانة التي يمجدها الإسلام بأن يخلص الرجل بعمله بل يتقته أيما إتقان ، ويجتهد وسعه في إتقانه ، ويسهر على حقوق الناس التي وضعت بين يديه ـ أما استهانة الفرد بما كلف به فهو من استشراء الفساد في كيان الأمة وتأخرها ، وهو والله خيانة للأمة والأمانة وللواجب الذي أوتمن عليه ، وخيانة الواجبات تتفاوت إثماً وأشدها شناعة ما أصاب الدين وجمهور المسلمين وتعرضت البلاد لأذاه ، قال عليه الصلاة والسلام : (( إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء يعرف به ، فيقال : هذه غدرة فلان )) هذا يوم الفضائح ، هذه غدرة فلان ، غدرته في وظيفته ، تقصيره في عمله ، وعند مسلم : (( ولا غادر أعظم غدراً من أمير عامة )) أي : ليس أعظم خيانة ولا أسوء عاقبتة من رجل تولى أمور الناس ، فنام عنها حتى أضاعها ، وهنيئاً لمن التـزم حدود الله في وظيفته وقام بالواجب الذي طوقه فهو عند الله من المجاهدين لنصرة دينه وإعلاء كلمته ، كما يروى عنه : (( العامل إذا استعمل فأخذ الحق وأعطى الحق لم يزل كالمجاهد في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته )) كما عند الطبراني .
- ماذا تريد وماذا نريد منك أيها الموظف –
اسمح لي أن أتحدث بلسانك لاجيب عن ماذا تريد وقد أقصّر كثيراً فليس من المعقول أن تتحدث عن المطالب التي نريدها منك ، وننسى إن لك هموماً وحقوقاً ، وأنك بشر تجتهد وتخطئ ، وتغفل وتقصرّ ، وهذا حق لا مرية فيه ، فيجب على كل نظام ودولة ومؤسسة عامة أو خاصة أن تعتني بحقوق الموظفين أياً كانت ، مادية أو نظامية أو إنسانية لا بد من احترام وتقدير وتشجيع وتحفيز وتواضع وكلمة طيبة ، وتغاض عن زلات وهنّات لا يخلو منها أحد ، فهم بشر لهم ظروف وأعذار ، وفيهم الكبار والصغار ، ولا بد من تذليل العقبات التي تواجه الكثير من الموظفين والموظفات وهي كثيرة ليس هذا مجال الحديث عنها ، لكن أن أردنا أن يقوم الموظف بدوره وواجبه فلا بد أن نقف معه ، وأن تعينه في التغلب على العقبات والمعوقات التي يتعرض لها ، فتعاون الجميع أمر مهم للوصول للهدف المنشود ، وعلى كل جهة مسؤوليات وواجبات ،والتواصل والتناصح ، وتبادل وجهات النظر لحل المشاكل ، علامة بارزة وسمة للرقي والتقدم ، لكن إن حصل تقصير من جهة فليس معنى هذا أن تتخلى الجهة الأخرى عن دورها وواجبها ، وأنت أيها الموظف أخلص النية لله وإبذل جهدك فنحن لا نطالبك إلا بما تستطيع ، ولكن شتان بين من أتصف بالجدية والحماس وحب العمل ، وأن تشكّى من كثرة العقبات وبين من جعل كثرة العقبات والمشاكل حجة له لتبرير إهماله وتفريطه وكسبه الحرام وإذية الناس وخلق الله ، ونحن نسمع والحمد لله عن عدد من الموظفين الفضلاء الذين لا ينكر جهدهم ولا ينسى فضلهم وقد استطاعوا النجاح بالرغم من كثرة الأعباء والعقبات ، فحبهم لأمتهم ومصالحها مقدم على حب الذات ، وإني أحذر كل موظف يحب دينه وأمته ووطنه ويتمنى لها النهوض والريادة احذره من مرض الأنا ، نعم مرض الأنا ، مرض ينخر في جسد المجتمعات ويتسلل لكثير من الطاقات حتى أن تضخم الذات عند بعض الموظفين لم يبق مكاناً للآخرين ، وهكذا تفسد الدول والمؤسسات والإدارات والشركات ، عندما تصاب بالتضخم الذوات ، ويصبح التعاون صعباً إن لم يكن مستحيلاً ، فكل نفسي نفسي ، وكل مصلحتي مصلحتي ، وأكرر أخي الحبيب قبل أن أغادر هذا العنصر أكرر وأؤكد : نحن لا نطالبك بالمثاليات ، ولكن بمراقبة الله ومحاسبة النفس والذات ، وتقبل هذه الكلمات من أخٍ محب ناصح ، فراجع نفسك فيها ، أسأل الله أن يعينك وأن ينفع بك وأن يجعلك مفتاح للخير مغلاقاً للشر في كل مكان .
أما ما نريد منك أيها الموظف : باختصار شديد اعلم أن أهم الصفات المطلوبة شرعاً لكل موظف مسلم صفتان مهمتان هما : القوة ، والأمانة : إن خير من استأجرت القوة الأمين القوي الأمين ، أما القوة فمعناها : القدرة على تحمل تبعات الوظيفة ، فتشتمل على قوة الجسم ، وقوة الشخصية ، والقدرة على مواجهة الناس ، والجراءة على تحمل التبعات الوظيفية ، والأخذ والعطاء مع الناس ، واستقبال الجمهور ، والقوة في الفكر ، وذلك بقدرة الموظف على التجديد والإبتكار ،والقوة بالتعامل مع زملاءه والمسؤولين عنه , من تأمل في هذه الأمور ، وتأمل واقع البعض من الموظفين علم الحكمة العظيمة من تقرير الإسلام للقوة وإنها واجبة في كل صاحب وظيفة أو عمل ، فقد كان قوياً في إدارته وفي جهاده وفي تنفيذه لحدود الله ، يأتيه أسامة بن زيد حبّه ويطلب منه تخفيف حكم حد السرقة على المخزومية التي سرقت ، فيقول مغضباً : (( أتشفع في حد من حدود الله )) ثم قام في الناس ، وحمد الله وأثنى عليه ، وقال : (( إن بني إسرائيل كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها )) .
أعرفت إذا لماذا شرط القوة ؟ فالحزم وعدم التهاون في تنفيذ القرارات التي لا يصح التنازل عنها ، ولا المجاملة فيها على حساب الصالح العام من القوة التي يحبها الله في المسلم ، ومن تأمل في موقف أبي بكر الصديق ، وموقفه في حرب الردة عرف المقصود ، وكذا كان عمر الفاروق قوياً في الحق لا يخاف في الله لومة لائم ، ولهذا فإن النبي لم يولِ على عمل من الأعمال رجلاً ضعيفاً ، فقد كان يولي الأقوياء ، ولا يكتفي بالإعتذار من الضعفاء بل ويحذرهم من تحملهم أو موافقتهم أو استجابتهم لهذه المسؤولية أو لهذه الوظيفة ، ليس قضية مجامله أو مداهنه أو لأنه فلان أو علاّن أو قريب أو بعيد . لا ، بل اختيار الأقوى والأمين ، ولا يجب أن يقف الأمر عند عدم تولية الضعيف ، بل تحذير ونصح الضعيف من أن يتولى مثل هذه المكانة ، ولذلك جاءه أبو ذر مرة فطلب الإمارة ، فضرب النبي على كتفه ، وقال : (( يا أبا ذر إنك ضعيف- مواجهة ومصارحة – إنك ضعيف وإنها أمانة ، وإنها يوم القيامة خري وندامة ، إلا من أخذها بحقها ووفى الذي عليه فيها )) فالذي تولى أو يتولى شيئاً من أمور الناس يشترط فيه القوة ليقف في وجه المفسدين الأقوياء ، وليؤدي حق الضعفاء ، وليعمل ما ينبغي من خدمة الصالح العام ، والإسلام ينظر للإنسان أنه كلما علت منـزلته في المجتمع كلما كان ذلك سبباً في زيادة مسؤوليته ، وتشديد حسابه في الدنيا من المسؤول ،وفي الآخرة من الله جل وعلا . وعندما عزل عمر ، شرحبيل بن حسنة عن الشام ، وولى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما ، قال شرحبيل لعمر : لم عزلتني ، هل رأيت شيئاً في ديني ؟ قال عمر : لا والله إنك كما أحب ولكنني أريد رجلاً أقوى من رجل . كأنه رأى فيه ضعفاً ، قال –أي شرحبيل- فأخبر الناس حتى لا تكون فيهم مقالة ، فخطب عمر الناس وأعلمهم بذلك . وربما توفر في الرجل صفة الصلاح والأمانة ، لكن ربما لا تـتوفر فيه القوة المطلوبة للعمل المراد اتصافه بالأمانة لا يعني أن يكون قوياً ، ولذلك كان الإمام مالك –رحمه الله تعالى- يقول في بعض الزهاد الصالحين : إني لأرجوا أن يسقيني الله بدعوته الغمام ولكني لا آمنه على درهمين – يعني والله اعلم أنه لا يحسن إدارتها – وليس عدم الأمانة فيها ، أو عدم الثقة به ـ لكنه لا يحسن إدارتها ، هذه إشارة سريعة للقوة ، ومعناها كصفة مهمة في الموظف .
الصفة الثانية : الأمانة : وهي أداء الحقوق والتعفف عما ليس له بحق ، إذن أداء الحق وترك ما ليس له به حق ، وكما أن القوة لا تكفي وحدها فالأمانة أيضاً لا تكفي وحدها ، بل لا بد للقوة والأمانة معاً ، فكم من رجل قوي وحازم ومؤدٍ للعمل ، إلا أنه أمام المال ضعيف ، فيأخذ ما لا حق له فيه ويستعمل الممتلكات العامة في أغراض خاصة ، ربما استخدم صلاحياته في خارج حدودها ، أو يزيد في الفواتير مثلاً مبالغ غير مذكورة ونحو ذلك ، وهذا كله حرام وخطير ، فأيما جسد نبت على سحت فالنار أولى به ، والنبي ، يقول : (( لا إيمان لمن لا أمانة له )) وإذا وكل غير الأمناء والأقوياء على الوظائف حصل الخلل في المؤسسات وفي الوزارات وفي سائر أعمال الولايات ، (( وإذا وسّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة )) كما في صحيح البخاري . فاحذر إذن أخي من استغلال وظيفتك لجر منفعة شخصية لك أو لقرابتك ، فإن التشبع من المال العام جريمة ، قال : (( من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غلول )) فقد شدد الإسلام في ضرورة التعفف عن استغلال المنصب وشدد في رفض المكاسب المشبوهة ، الله أكبر الله أكبر معاشر الأخوة والأخوات ، أنها الأمانة التي أبت السماوات والأرض أن يحملنها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا ، أنها الأمانة ، عند المسلم تـتجلى في أدق معانيها التي ينبغي التـزامها ، فلا يجوز للموظف مثلاً استخدام أدوات العمل مهما كانت صغيرة في أموره الخاصة ، فليس في الإسلام شيء صغير ، فقد قيل للنبي : وأن كان قضيباً من أراك ؟ فقال : (( وإن كان قضيباً من أراك )) كما في صحيح مسلم . والله تعالى يقول : فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره سبحان الله ، أنه ميـزان دقيق يزن مثاقيل الذر ، ومن قصد أخذ شيء من مكان عمله فيجب أن يكفر عنه بالتوبة إلى الله والندم وعدم العودة إليه ، وأن يرجّع مثل ما أخذ إلى مؤسسته ، ولله در بعض سائقي السيارات الذين يصرفون وقوداً ببطاقات يزيد بعض الشيء فيها لا تطالبهم إداراتهم به ولكنهم يسألون عنه تورعاً لدينهم وهي لا تساوي إلا القليل كقرشين مثلاً أو نحوه ، ولكن لسان حالهم ، يقول : قرش وقرش ، وورقة وورقة ، حتى تكون شيئاًَ كثيراً فتخسر المؤسسة أو الدولة شيئاً كثيراً بذهاب مثلها ، ولو لم تخسر ، كقول البعض : لا يضر الدولة هذا ، فهو دين وأمانة ، لا أعامل المخلوقين أنا أتعامل مع الخالق جل وعلا ، هو دين وأمانة وحق عام ، ليس لأحد مهما كان حق في تملكه ، وليس لك حجة ، بأن غيرك يأخذ ويسرق كما يردد بعض الضعفاء ، ليس لك حجة بأن فلان أو علان يأخذ ويسرق وأنه يأكل أكبر من هذا أو أكثر من هذا ، اتق الله يا أخي : كل نفس بما كسبت رهينة وهذا من حجج الشيطان ومداخله : وإما ينـزغنك من الشيطان نزغُ فاستعذ بالله أنه هو السميع العليم لا تعالج الأخطاء بالأخطاء ، ما عهدنا هذا أصلاً من أصول تصيح الأخطاء أو تربية الأمة أبداً ، أيما موظف أخذ هدية أو قبل تخفيضاً أو نحو هذا من جهات أو أفراد لهم علاقة لجهة عمله من قريب أو بعيد فلينتبه وليحذر فإنها من الغلول الذي حذر منه النبي ، ولا يجوز قبولها ، بحديث عبد الله بن اللتبيه ، أن النبي بعثه على صدقة فلما رجع ، قال : هذا لكم وهذا أهدي لي ، قال ، فقام رسول الله تصحيح مباشر للأخطاء على المنبر فقام على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : (( ما بال عامل أبعثه ، فيقول : هذه لكم وهذا أهدي لي ، أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا ، والذي نفس محمد بيده لا ينال أحدكم منها شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه ، بعير له رغاء ، أو بقرة لها خوار ، أو شاة تيعر )) ثم رفع يديه –قال الراوي : حتى رأينا عترتي ابطيه ، ثم قال : (( اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت )) سبحان الله هذا الحبيب ، فلماذا يتكاثر البعض أن تعالج أخطاء الموظفين اليوم ويكلمون ، وإن كان في أدق الأمور ، لا يا أخي الحبيب إنه المنهج الشرعي الذي علمنا إياه الحبيب ، فمن تساهل في عمل أو قصر فيه أو استغله لمنفعته الخاصة ، فراتبه مدخول فيه شبهة ، فاتق الله أيها الموظف ، وقم بعملك واجتهد فيه لتأكل حلالاً طيباً مباركاً لك فيه .
- عنصر الرجل المناسب في المكان المناسب –
أيها الموظفون ، أيها المدراء ، أيها المسؤولون ، اتقوا الله فيما وليتم عليه ، وضعوا الرجل المناسب في المكان الجدير به ، فلا يسند منصب ولا وظيفة إلا لصاحبه الذي تترقى به كفاءته وصفاته ، فلا اعتبار للمجاملات والمحسوبيات ، حتى الصحبة لا ينظر إليها ، فالنبي اعتذر لأبي ذر لما طلب أن يستعمله بل وحذره من خطر ذلك عليه ، مما يعرفه عنه ، وقد يكون الرجل حسن السيرة ، وحسن الإيمان لكنه ليس أهلاً للمنصب ، فيوسف عليه السلام ، رشح نفسه لإدارة المال ، ولم يذكر نبوته وتقواه ، بأني شيء طلبها إذا ؟ بل طلبها بحفظه وعلمه ، قال : أجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم فالأمانة تعني أن تختار الأحسن ، فإذا عدلنا عن الأحسن إلى غيره بهوى أو رشوة أو قرابة ، فهي والله خيانة للأمة وخيانة للأمانة بتنحية القادر وتولية العاجز .
عن معقل بن يسار ، قال : سمعت رسول الله ، يقول : (( ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته ، إلا حرم الله عليه الجنة )) وفي رواية لمسلم : (( ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لا يجتهد لهم أو ينصح لهم إلا لم يدخل معهم الجنة )) . فيا كل مدير ، ويا كل مسؤول ، ورئيس ، أن الأمة التي لا أمانة فيها هي التي تنتشر فيها الرشوة وتهمل الأكفاء وتبعدهم وتقدم من ليسوا أهلاً للوظائف والمناصب ، وهذا من علامات الساعة ، كما قال : (( إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة )) فقال : وكيف إضاعتها ؟ قال : (( إذا وسّد الأمر لغير أهله فانتظر الساعة )) فالأمة التي لا أمانة فيها هي التي تعبث فيها الشفاعات بالمصالح وتطيش بإقدار الرجال الأكفاء لتهملهم وتقدم من دونهم ، فتنبهوا واحذروا وأخلصوا .
نسأل الله أن يعينكم ويسددكم فأنتم على ثغر جسيم ، وخير عظيم ، متى صدقتم واستعنتم بالله ، فكونوا عند حسن ضن ولاة أمركم وثقة أهلكم وجماعتكم .
-الشفاعة داء أو دواء -
أنت يا من رزقه الله مكانة ووجاهة ، اعلم أن زكاتها الشفاعة والإعانة للمحتاجين ، على أن لا يبخس بها حق الآخرين ، فإن الشفاعات من أعظم العبادات إذا قصد بها وجه الله عز وجل .
كتب الحسن بن سهل كتاب شفاعة فجعل الرجل يشكره ، فقال الحسن : يا هذا علام تشكرنا ؟ إنا نرى الشفاعات زكاة مروءتنا ، ثم أنشد ، يقول :
فُرضت عليّ زكاةُ ما ملكت يدي وزكاة جاهي أن أعين وأشفعا .
فإذا ملكت فجد فإن لم تـستطع فأجهد بوسعك كله أن تـنفا .
ولكن يتأكد هنا الـتركيز والتنبيه دائماً على المنهج الشرعي في مسألة الشفاعة والتوسط للآخرين ، وهذا مما يخلط فيه الكثير من الناس ، والتحقيق أنه إن ترتب على ذلك ضياع حق لأحد أو نقصانه أو حرمان من هو أولى وأحق بتعيين أو قبولٍ مثلاً ، الشفاعة هنا محرمة يأثم صاحبها ؛ لأنه ظلم لمن هو أحق بها ،وظلم لأولي الأمر وذلك بحرمانهم من عمل الأكفاء وخدمته لهم ومعونته إياهم على النهوض بمرفق من مرافق الحياة واعتداء على الأمة بأكملها بحرمانها ممن ينجز أعمالها ويقوم بشؤونها في هذا الجانب على خير حال ، ثم أن الشفاعة في مثل هذا تولد الضغائن والضنون السوء ومفسدة للمجتمع ، ويشتد الأمر ويعظم إذا كانت الشفاعة في حد من حدود الله ، فمتى وصلت القضية لولي الأمر أو من ينوبه من مراكز الشرط أو المحاكم وغيرها فلا يجوز لأحد أن يشفع أو يتدخل ، وإذا لم يترتب على الوساطة ضياع حق لأحد أو نقصانه فهي جائزة بل مرغب فيها شرعاً ويؤجر عليها الشفيع إن شاء الله ، فقد أخرج البخاري _ رحمه الله _ أن النبي ، قال : (( اشفعوا تؤجروا )) وفي صحيح مسلم أنه ، قال : (( من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل )) والله تعالى يقول : من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا ويقول تعالى : انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً .
معاشر الموظفين ، العدل العدل ، واحذروا الظلم وخاصة الرؤساء والمدراء ، احرصوا حفظكم الله كل الحرص على العدل بين من تحت أيديكم من الموظفين ولا تميلوا مع فلان وفلان بمجرد علاقة أو توافق هوى بل ليكن الضابط في تعاملكم هو الكفاءة والتميّز في العمل ، حتى ولو كان ممن لا تحبه أو لا تميل إليه أو لا ترتاح معه كما يقول البعض ، فإن هذه كلها ليست أسباباً شرعية لبخسه حقه أو تهميشه وظلمه يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والآقربين أن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلوا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً . نعم : الله مطلع خبير رقيب فاحذر وتنبه ، يقول ابن كثير في تفسيره : (( قوله : فلا تتبع الهوى أن تعدلوا أي فلا يحملكم الهوى والعصبية وبغض الناس إليكم على ترك العدل في أموركم وشؤونكم بل الزموا العدل على أي حال كان كما ، قال تعالى : ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ومن هذا قول عبد الله بن رواحة لما بعثه النبي يـخرص على أهل خيبر ثمارهم وزرعهم ، فأرادوا أن يرشوا ليرفق بهم ، فقال : والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إليّ ، ولأنتم أبغض إليّ من اعدادكم من القردة والخنازير ، وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على أن لا اعدل فيكم ، فقالوا : بهذا قامت السماوات والأرض )) انتهى كلام ابن كثير –رحمه الله-
فيامن وليت مسؤولية وإدارة ، اتق الظلم ، فإن ظلم العباد واعتداء بعضهم على بعض سواءً في القول أو الفعل قد عم وظم ، والكل يعلم أن من أهم أسباب الاختلاف بين العباد هو الظلم والاعتداء وفقدان العدل والأنصاف ، فمن اتهام الأبرياء وأكل أموال الناس بالباطل ، والتقول على الناس بغير حق ، والدخول في المقاصد والنيات ، واستغلال النفوذ والمناصب في إذلال الآخرين والتسلط عليهم ، ومنع وصول حقهم إليهم ، وبخس حقوق الآخرين ، فهذه كلها صور للظلم . فيا عبد الله كما قال : )) اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة )) كما في صحيح مسلم . فالظلم عاقبته وخيمة والظالم قاس القلب متحجر العاطفة عديم الإحساس ، ولذلك طرده الله من رحمته ، فقال : إلا لعنة الله على الظالمين ومن أهم تمرات العدل و الأنصاف ما أخرجه مسلم عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله : (( إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ولوّا )) .
عنصر آخر : كسب القلوب ومغفرة الذنوب :
أيها الموظف أياً كان موقعك وفي أي مكان كنت ، أهمس في أذنك هذه الكلمات ، أنك لم تجلس على هذه الكرسي الذي أنت عليه إلا من أجل خدمة الناس وقضاء حوائجهم وأداء الأمانة التي تحملتها ، أفلا ترى أنك بحسن الاستقبال والابتسامة وإظهار الاهتمام بالمراجع وحاجته تمتلك قلوب الآخرين ؟ حتى وإن لم تقضِ حاجتهم ، بمجرد حسن الاستقبال والابتسامة ، وربما خرجوا من عندك بنفس راضية ولسان يلهج بالثناء والدعاء بل ربما أثنوا عليك ورفعوا ذكرك بكل مجلس ، كل هذا وأنت لم تقضِ حاجتهم ، بل ملكتهم بحسن الأخلاق ، فكيف لو استطعت قضاء حاجتهم وتيسير أمرهم كيف سيكون الحال ؟ أيها الموظف ، انظر للنتيجة التي وصلت إليها ، كسبت القلوب والذكر الحسن ، وقبل ذلك كله كسبت رضا الله عز وجل ، ألم يقل : (( ابتسامتك في وجه أخيك صدقة )) : ألم يقل : (( الكلمة الطيبة صدقة )) ألم يقل : (( من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته )) ألم يقل : (( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه )) ألم يقل : (( خير الناس أنفعهم للناس )) إذن فأنت في عبادة وأنت على مكتبك فلماذا تحرم نفسك هذا الخير العظيم ، فقط استعن بالله ، وأخلص النية لله ، واتصف بمكارم الأخلاق وأحرص على نفع الناس ، وستجد التوفيق في الدنيا والآخرة ، ذكر حسن وجميل وحب وتقدير ، هذا في الدنيا ، وآجر كبير من العليم الخبير في الآخرة ، كل هذا من خلال عملك ووظيفتك ، أجر وغنيمة ، والموفق من وفقه الله .
و سبحان الله نرى الكثير من المحرومين ممن حرم نفسه من هذا الخير العظيم ، ربما قلت لي : الناس لا يرضيهم إلا تلبية رغباتهم وتنفيذ ما يريدون ، بل ربما قلت : إن ميزان الناس اليوم في الحكم على الآخرين هو مصالحهم الشخصية ، فأقول لك : نعم . وهذا هو واقع الحال ، ونحن لا نبرء أنفسنا ، ولكن أخي الحبيب ، هب إنك بذلت لهم ما استطعت وتخلقت معهم بأحسن الأخلاق ولم يرضوا عنك ، أليس حسبك أن يرضى الله عنك ؟ فإنه يعلم أنك قدمت وبذلت ما بوسعك . إذن فأجرك على الله ، وإن لم يرضى الناس ، فتذكر دائماً أن من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى الناس . فأحرص على فضائل الأخلاق وفن التعامل مع الناس ، فإن رسول الله ، يقول : (( خياركم أحاسنكم أخلاقاً ، وإن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم النهار القائم الليل )) . معاشر الموظفين ، إن الإسلام بيَّن ما ينبغي أن يكون عليه حال من يلي أمور الناس ، فالموظف في أية إدارة مسؤول كأي فرد ، ومسؤول عن قيامه بالواجب وفي مقدمة ذلك الإحسان إلى الناس وقضاء حوائجهم والرفق بهم وعدم المشقة عليهم وتعطيل مصالحهم ، وهذا يدعونا للحديث عن عنصر مهم جداً .
فبعض الموظفين له هواية في تعطيل مصالح الناس والتنقيب في خفايا المعاملات وألفاظها وكل همه أن يثبت قوة شخصيته وأهمية مكانـتـه، فالشك عنده هو الأصل ، والحسابات والهواجس تأكل رأسه قبل دخول المراجع عليه وحتى ينتهي من الإجراءات، ومن فعل ذلك فلا يلومن إلا نفسه ، ليس مني الضعيف وليس من أحد من المخلوقين الضعفاء ، بل من الله عز وجل . أسمع لحديث النبي يوم قال : (( اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فأشقق عليه ، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فأرفق به )) كما في صحيح مسلم .
قال النووي رحمه الله : (( هذا من أبلغ الزواجر عن المشقة على الناس وأعظم الحث على الرفق بهم ، وقد تظاهرت الأحاديث بهذا المعنى 000 إلى آخر كلامه )) .
الأمر أعظم من هذا ، فالموظف أو المسؤول الذي يوقع الناس في المشقة بالإساءة إليهم ومنعهم من حقوقهم وتحميلهم ما لا يطيقون يستحق غضب الله تعالى وعقابه ، فقد جاء الوعيد الشديد لذلك الموظف الذي يمتنع من استقبال الناس أو يمتنع عن القيام بمعاملاتهم أو يتسبب في تعطيلها وتضيع حقوقهم كما، قال النبي : (( من ولاه الله شيئاً من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله عنه دون حاجته وخلته وفقره )) أخرجه أبو داود ، والترمذي ، وذكره الألباني في الصحيحة .
فتأمل أيها الموظف هذه الأحاديث فإن الله عزيز ذو انتقام وعنه الله تجتمع الخصوم .
عنصر المسؤولية تشريف أم تكليف :
ليفكر كل موظف ومسؤول في حاله إذا عزل أو أحيل عن وظيفته أو أحيل على التقاعد ، وقد أشار النبي إلى هذا المصيـر ، بقوله : (( إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة ، فنعمة المرضعة وبئست الفاطمة )) كما في صحيح البخاري ، فالمتولي لمناصب المسؤولية ومنها الإدارة والإمارة كالطفل الرضيع ينتفع بما يصل إليه من منافع وملذات ، فإذا عُزل أو تقاعد صار يتألم ويتحسر ويبكي كالطفل الذي يمنع من الرضاعة . فالسعيد من الموظفين والمسؤولين من نصح وأخلص ورفق بالناس ويسر وبشر فكأن بذلك جديراً برحمة الله وعفوه ورضاه ، ويكفي العاقل اللبيب هذا الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد من حديث أبي أمامة عن النبي أنه ، قال : (( ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك إلا أتى الله عز وجل مغلولاً يوم القيامة يده إلى عنقه ، فكه بره أو اوبقه أثمه ، أولها ملامة ، وأوسطها ندامة ، وأخرها خزي يوم القيامة )) صححه الألباني ، قال : إسناده جيد رجاله كلهم ثقات .
ليس معنى هذا أن يتخلى الأخيار والثقات عن المسؤولية ، لا بل واجب عليهم أن يتحملوها إن لم يوجد غيرهم ، وأن يقوموا بها ولكن عليهم الاستعانة بالله عز وجل ، والصدق والحرص والدقة في الأمانة والحذر من ظلم الناس أو بخس حقوق الناس أو الانتفاع من هذه المكانة وهذه المسؤولية .
عنصر : أيها الموظف الوقت الوقت :
أخي اتق الله في ساعات عملك واعلم أنها أمانة فإننا نرى ونسمع عن فئة لا تبالي بساعات الدوام ولا تحافظ عليه فتأتي متأخرة وتـخرج مبكرة ، وقد يخرج أثناء ساعات العمل لقضاء أعمال شخصية أو تجارية أو غيرها دون أن يحاسب نفسه أو حتى يبقى آثراً في نفسه ، وهذا أمر ملحوظ مشاهد مع الأسف ، فهل حقاً يجهل هؤلاء أن هذه الساعات ليست ملكاً له ؟ فهو أعطاها للمؤسسة أو للدولة بعقد وعهد مقابل مبلغ محدود ومعدود ، والدليل لو أنقص راتبه المتفق عليه ولو قليلاً تجده يسأل ويطالب وربما غضب وارتفع صوته لا يقر له قرار حتى يسترده كاملاً غير منقوص ، بينما نجده لا يحاسب نفسه إذا تأخر عن عمله ساعة أو ساعتين بل ربما غاب يوماً أو يومين دود عذر بل ربما تحايل على المسؤول بذكاء ليتخلص من مسائلته ، فتنبهوا معاشر الموظفين والموظفات لا يجوز لأحد أن يسرق من وقت الدوام ، نعم يسرق ، أن يسرق من وقت الدوام شيئاً ولو لدقائق إلا إن كان النظام الذي وضع لمصلحة الجميع يسمح بهذا ، ولنتعامل مع الله وليس مع الناس ولنحرص على الحلال ، وأنك لتعجب من يتغيبون أياماً خاصة ممن يعملون ويترددون في الجهات النائية كبعض المدارس والمستوصفات وغيرها وبدون إشعار إدارته بذلك وربما كان غياب البعض أو تأخيره أكثر من حضوره ويستلمون الراتب كاملاً دون نقصان دون أي مبالاة أو محاسبة ، أو نظر أهذا المال كله حق له ، أهو حلال أم لا !! . يا لله ما أشد الناس تساهلاً في أكل المال دون محاسبة أو نظر ، ربما نشكوا بعد ذلك عدم البركة في أمولنا أو عدم السعادة بحياتنا ، أو عقوق أولادنا وبناتنا ، وننسى أن الله رقيب عليم وأنه كما ، قال عز وجل : ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ونغفل عن قول الحق عز وجل : إن ربك لبالمرصاد ولأننا بشر نخطيء ونصيب ونقصر ونغفل ، فإني أنصح في مثل هذا الحال أن يتحلل الموظف من بعض راتبه كل شهر يتصدق به لعله أن يكون كفارة لتقصيره وغفلته وليهنأ بـبركـته ، ومن تعمد سرقة شيء من وقت دوامه فلا يكفيه هذا بل لا بد من التوبة والاستغفار والندم والإقلاع والعزم على عدم تكرار ذلك . وكن أخي كن مباركاً في ساعات عملك تكن البركة في مرتبك ، والبعض من الموظفين يسألون عن الاستفادة من الوقت أثناء العمل بقراءة القرآن أو ركعتي الضحى أو غيرها من الأعمال الصالحة ، والضابط في هذا : القيام بالعمل المطلوب وإتقانه ، أما إذا كان مفرطاً أو سيؤثر ذلك على عمله فلا يجوز ذلك .
عنصر : الاجازات وأخذ البدلات :
أيها الموظفون ، الاجازء الاضطرارية أي أن الإنسان مضطر إليها وليست للراحة والتمتع ، فلا يجوز لك شرعاً أن تطلبها تحت هذا المسمى وأنت غير مضطر لها ، وكذلك الأجازات المرضية لا يجوز لأحد استغلالها إلا المريض بحق ، ولا تمارضوا فتقتلوا ، وكم شكا الرؤساء والمدراء من تحايل الموظفين والموظفات والمعلمين والمعلمات بالاجازات المرضية والاضطرارية والاستثنائية ، ويكفي هنا أن ، أقول : أنكم تتعاملون مع الله الذي يعلم السر وأخفى واعلموا أنه لا يجوز أخذ البدلات إلا بحقها كبدل خارج الدوام مثلاً ، فإن كنت قد قمت بالعمل فعلاً وحضرت و إلا فلا تأخذ ذلك البدل حتى وإن سمح رئيس الإدارة أو سميت مكافئة كما يقول البعض فإن هذا ليس ملك له بل هو ملك عام للمسلمين لا يجوز أخذه إلا بالطرق الشرعية التي وضع من أجلها ، وإن الحلال بين والحرام بين ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب .
-الموظفون والشلل والجلساء –
معاشر الموظفين ، احذروا من جلساء السوء حتى وإن كانوا من زملائكم كما يقول البعض ، فكم من رجل طيب مستقيم الحال ضاع وفسد حاله بسبب بعض زملاء العمل وشلله .
إذا كنت في قوم فأصحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
عن المرء لا تسل وسل عن قريـنه فـكل قريـن بالمقارن يقتـــدي
وكم من الموظفين هجروا بيوتهم وأهملوا أولادهم بسبب سهرات زملاء العمل أو غيرهم ، فبالليل استراحات وسهر ، وفي النهار ، تبرم وإهمال وكسل وتأخر أو غياب ، وهذه ظاهرة خطيرة تحتاج لبسط مستقل ليس هذا مكانه ، لكن من الموظفين من لا يرى أولاده إلا وقت النوم أو على وجبات الطعام ، بل إن رواد الاستراحات حرموا أبنائهم حتى من هذا ، فلا تسأل عن الفوضى في حياة أولادهم ، أصحاب سوء وربما إضاعة صلاة ، وعقوق ، وفساد ، والمصيبة العظمية أن هذا الموظف المسكين لا يشعر بهذا ، فهو عند نفسه أحسن من غيره كما يقول الكثير وأولاده أفضل من غيرهم ، وهكذا يلتمس لنفسه الأعذار ، ويعيش في عالم الأوهام ، وكم فجع بعض الآباء ببعض بناته ، وصدم بفساد أولاده عندها يبدأ يلوم الأولاد عن انحرافهم ، وهل يقال لمثل هذا إلا : فيك الخصام وأنت الخصم والحكمُ .
واسمعوا كمثال لهذه الشكوى من هذه الزوجة ، تقول : أنا امرأة متزوجة ولكنني أشعر بالوحشة في بيتي فزوجي لا أراه إلا لمامة ، ولا أسعد به كما تسعد الزوجات بأزواجهن وذلك لما يعيشه زوجي من فوضى وأنانية ، فساعات عمله ونومه وسهره مع أصحابه تمنعني من رؤيته والأنس به والجلوس مع أولاده ، فهو يذهب في أول النهار إلى عمله ولا يأتي إلا قبيل العصر ثم يتناول غداءه ثم يصلي العصر وبعده ينام حتى صلاة العشاء ثم يذهب بعدها إلى أصحابه في الاستراحة ليسهر ويأنس بهم ثم يأتي بساعة متأخرة من الليل وقد نام الأولاد بعد طول انتظار . تمر الدقائق والثواني ثقيلة أشعر في هذه اللحظات بأرقٍ ووحشة انتظر متى يفتح الباب ليدخل علينا الأب المنتظر فيرمي بجسده ليغط في نوم عميق ، تقول : ما أقساها من لحظات ، نعم والله ما أقساها من لحظات ، وما أملها من حياة ،هذا هو برنامجنا اليومي فكيف أحلم بحياة زوجية سعيدة ؟ وكيف سنعلم أولادنا ونربيهم ، والهموم تطاردنا والوحشة تقتلنا ، حياتنا لا يعلم بها إلا الله ، فإلى الله المشتكى 0000 إلى آخر كلامها .
معاشر الموظفين ، ولم تقف الشكوى عند الزوجات بل حتى الأولاد والبنات ، فـهذه فتاة ، تقول : أنني في العشرين من عمري لم أشعر يوماً من الأيام بحنان أمي أو عطف أبي الذي يعمل طول النهار ، ويقضي الليل في الاستراحات والديوانيات وأمي مدرسة وتصر على العمل وترك البيت وهي لا تدري تـهملنا وتتسبب في خراب أسرتنا ، فقد وصل بهما الأمر أنهما لا يسألان عن أحوالي أبداً ، لقد أصبحت تائهة وسط مشاغل الأبوين ، لا أجتمع معهما على مائدة الطعام إلا قليلاً ، أشعر أنني في مستشفى أو في دار إيواء ، أنها بيئة صعبة تغرقني وتجعلني حزينة دائماً فمن ينتشلني منها 0000 إلى آخر كلامها .
ويعلم الله بقي مئات الشكاوى والآهات لدى الكثير من الأمهات والزوجات والأولاد والبنات حول هروب الموظفين للمقاهي أو الاستراحات وهي قضية الساعة ، وليس الحديث عنها الآن ، لكن بعض الموظفين يحتج ، فيقول : لقد وفرت لهم كل شيء ، وأنفقت عليهم بكل سخاء وكرم ، المسكن الجميل ، والطعام الوفير ، والمركب الوثير ، والمال الكثير ، وكل وسائل المتعة والترفيه والتدليل ، فماذا ينقصهم وماذا يريدون ؟
أخي ، لسان حال أهلك وأولادك ، يقولون : نعم لقد وفرت لنا كل شيء ،ولكن نريدك أنت ، نريد أن نجلس معك ، أن نمرح ونمزح معك ، أن ندخل ونخرج معك ، نريدك أباً عطوفاً ، وقلباً حنوناً نشكوا لك همومنا ونبث إليك أشجاننا ، نريد أن تكون لنا قدوة في طاعة ربنا وحسن أخلاقنا ، نريد أن نتعلم منك الصدق والجد ، فهل تستجيب لنا ؟ هذا لسان حال الأهل والأبناء فراجع نفسك أيها الموظف وتأمل في برنامجك اليومي وكم نصيب بيتك منه ، فليس العيب أن نقع في الخطأ ولكن في الاستمرار على الخطأ ، فاتقوا الله معاشر الموظفين في أزواجكم وأولادكم وصاحبوا الأخيار ، ثم احذروا من نقل هموم ومشكلات العمل والوظيفة إلى المنـزل فيكون لذلك تأثيـر على النفسيات مما قد يسبب مشاكل أسرية لا تنتهي ، فكثير ما تعاني الزوجات والأبناء من قلق الزوج واضطراب نفسيته بسب مشاكل العمل التي لا تنتهي .
فنصيحتي لكل موظف أن يبقي هموم ومشاكل العمل داخل مكتبة حتى لا يعيش الهم مرتين في الصباح وفي المساء .
عنصر: في دائرتنا تناصح وتعاون وأمر ونهي:
معاشر الاخوه ، أن من أكثر الأسباب في انتشار الأخطاء والخلل في العمل الوظيفي ، عدم أو ضعف التناصح بين أعضاء الدائرة الواحدة والمؤسسة الواحدة فتتراكم الأخطاء والسلبيات حتى يزكم الأنوف عفنها وتنتشر روائحها فيتحدث عنها القاصي والداني ، فحري بالعاملين في كل دائرة وخاصة رؤساء الأقسام والمدراء تهيئة الظروف لمناخ أخوي يسوده التناصح وعلاج الأخطاء بالحكمة والكلمة الطيبة ، وهذا فيه خيرٍ للجميع سواء على المستوى الجماعي المؤسسي أو الفردي وله آثر كبير على الإنتاج والتطوير ومن ثم حب الناس والذكر الحسن للدائرة وأفرادها ، وقبل ذلك كله حب الله ورضاه ، فعلى سبيل المثال : وهذا للمثال فقط ، ماذا لو تم التناصح بين الموظفين أنفسهم بمباشرة العمل بعد أداء الصلاة بدل الانتظار ولفترات طويلة في الحديث مع بعضهم البعض رغم أن المراجعين في انتظارهم على أحر من الجمر ، فكثر من المراجعين إن لم يكن كلهم موظفين استأذنوا بضع دقائق لتخليص معاملاتهم ، فهم أحق بهذا الوقت من الأحاديث الجانبية مهما كانت مهمة ، بل ربما تقبل على موظف في دائرةٍ ما قبيل الصلاة تجده يعتذر عن خدمتك بحجة الصلاة رغم أن المدة تسمح له بإنهاء المعاملة قبل وقت الصلاة ثم تفاجأ بأنه لم يذهب إلى المسجد فعلاً ، بل وقف مع زملاءه حتى يحين وقت الإقامة ، وهذا مثال أرجو قبوله بصدر رحب ، فكل دقيقة هي حق للمراجع فستسأل عنها ، فماذا لو تعاون الأخوة في الدائرة الواحدة على التعاون وعلى علاج مثل هذه المظاهر في مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتناصح فيما بينهم والتذكير بمثل هذه الظواهر ، وهذا دليل على جديتهم وحرصهم وخوفهم من الله قبل كل شيء ، فتناصحوا وتعاونوا في دائرتكم على البر والتقوى ولا تسكتوا على المنكر فيها أو بينكم ، بل مروا بالمعروف وبالكلمة الطيبة ولا تيأسوا واصبروا وراقبوا الله لا الناس ، ولا تقولوا : فعلنا وفعلنا ونصحنا وبيّنا ولم يستجب لنا بل واصلوا وأجركم على الله ، والله من وراء القصد .
عنصر : هل الغيبة فاكهة الموظفين كما يقال ؟
احذروا معاشر الموظفين من الغيبة دائماً وفي كل وقت وخاصة في مؤسساتكم وفي بعضكم أو في رؤسائكم فإنها محرمة بإجماع المسلمين وقد تظاهرت الأدلة من الكتاب والسنة على تحريمها وشناعتها ويكفي هذا التصوير القرآني العجيب : أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه تصور عندما تهم بالغيبة تصور أكل لحم أخ لك أو بشراً ميتاً . سبحان الله إن البعض لا يستطيع أن ينظر مجرد نظر للميت فكيف بأكل
لحمه ، فاتقوا الله فالأمر خطير ولا يلبس عليكم الشيطان ، فتقولون : إن ما نقول فيه حق ، هذه نسمعها كثير ، إذا قيل له اتق الله ، قال : والله يا أخي ما قلت فيه إلا حق ، فإن هذه هي عين الغيبة ، فإن حقيقة الغيبة كما قال : (( ذكرك أخاك بما يكره )) قال الراوي : أفرأيت إن كان ما في أخي ما أقول ؟ فقال : (( إن كان فيه ما تقول فقد