تدريس أم تعليم ؟
هنالك خلط كبير بين مفهوم التدريس ومفهوم التعليم، فيسأل المدرس هل يعمل في حقل التدريس أم في حقل التعليم ؟ فتكون الإجابة أن التعليم هو التدريس، كذلك لا يستطيع الطالب أو ولي الأمر أيضا التمييز بين المفهومين، ولان التدريس يختلف عن التعليم لا بد من توضيح كلا المفهومين والعلاقة بينهما، حتى يستطيع المدرس( وهنا يجب استخدام كلمة المدرس بدلا عن المعلم)، لان كل فرد يمكن آن يكون معلما ،أما المدرس فهو يختلف كليا عن المعلم.
ويعرف التعليم بأنه نشاط تفاعلي بين المعلم وطلابه، يعتمد على الاتصال اللفظي بشكل رئيسي بغرض مساعدة الطلاب على التعلم أو بغرض إحداث تعديل مقصود في سلوكهم. بينما التدريس هو ظاهرة معقدة متعددة الأبعاد، غرضها أن يتعلم الطلبة جسماً منظماً من المعرفة والمهارات، وفق المتطلبات التي تقتضيها طبيعة المادة نفسها وخصائص المعلم وطلبته، في إطار منظم من الإجراءات والأنماط السلوكية التي يقوم بها الطلبة فرادى أو في مجموعات، خلال زمن معين، يحركها المعلم بما يتبعه من أساليب وطرق تدريس . وبذلك فالتدريس عملية مقصودة تستفيد من القوانين التي كشف عنها علم التعلُّم، فالتعلُّم علم، والتدريس تكنولوجيا حيث يتم فيها تطبيق وتوظيف ما كشف عنه العلم في مواقف تعليمية وتربوية. ويرى البعض أن عملية التدريس عملية منظمة يمارسها المدرس، بهدف نقل ما في ذهنه من معلومات ومعارف إلى المتعلمين الذين هم بحاجة إلى تلك المعارف، والتي تكونت لديه بفعل الخبرة، والتأهل الأكاديمي والمهني وعليه فان عملية التدريس هي إجراء تطبيقي يستخدم ما كشف عنه علم التعلُّم في مواقف تعليمية وتربوية داخل الصف المدرسي وخارجه.
ولتوضيح مفهوم التدريس اعتبر أندرسون وبيرنز أن للتدريس مكونات أطلقا عليه مكونات عملية التدريس وتشمل هذه المكونات: الغرض ويعني أن التدريس عملية هادفة ولها غرض هو تعلم جسم من المعارف وكسب مهارات واتجاهات مرغوبة ، والمطالب، التدريس له مطالب تحددها طبيعة المادة وخصائص المتعلمين وسمات المعلم وواقع المدرسة وإمكاناتها . أما التصميم، فيشمل الاستراتيجيات وطرق التدريس التي يتبعها المدرس في تحقيق التعلم . في حين أن التنظيم الصفي هو كيفية تنظيم تعلم الطلاب، هل سيكون تدريساً جماعياً على مستوى الصف بأكمله كمجموعة واحدة، أم على مستوى مجموعات تعلم،أم تعليماً فردياً. ويشمل وقت التدريس الفترة التي يستمر بها التدريس، ووقت حدوثه، ونظراً لشمولية التدريس فهو يحتاج إلى وقت طويل، في حين أن التعليم يكون آنياً، أي يتم في زمن قصير . أما التعليم فيهتم هذا البعد بالتفاعل بين المدرس والطلاب، ويركز على سلوك كل منهما على انفراد أو بشكل مجتمع . مما سبق يتضح لنا أن التعليم لا يشكل سوى أحد مكونات التدريس، فالتعليم هو تفاعل صفي (يحدث داخل غرفة الصف) في حين أن التدريس عملية شاملة معقدة متعددة الأبعاد والمكونات
لذلك فالتدريس علم له أصوله وقواعده التي تساعد في فهمه وتفسير ما يحدث في بيئة التعلم، والتنبؤ بما يحدث فيها تمهيداً للسيطرة على مجريات هذه العملية وتوجيهها نحو الأفضل . وعلم التدريس هام جداً للمبتدئين لأنه يساعدهم في كسب المهارات الأساسية اللازمة لممارسة المهنة، وبعد إتقان هذه المهارات يأتي دور البراعة أو الفن . ويعتبر التدريس فنا من حيث أن بعض مظاهره ذات طابع فردي أو شخصي، تلعب فيه خبرة المدرس وقيمه وعاداته ومفهومه عن التدريس دوراً مركزياً . ولذلك يختلف المدرسون في تعاملهم مع مواقف التعلم المتنوعة وبراعتهم في استغلال كل فرصة متاحة لجذب انتباه طلابهم ودفعهم للمشاركة في نشاطات التعلم بشغف واهتمام . كما يفعل الممثل تماماً على خشبة المسرح مستغلاً نبرات صوته وتعبيراته الجسدية، وسرعة بديهته في معالجة المواقف الطارئة واستثمارها. ويمزج المدرس في ممارساته بين التدريس كعلم والتدريس كفن ويتمثل ذلك في القول التالي: " إن ما عليه المدرس (مظهر فني) يمتزج بما يستخدمه في تدريسه (مظهر علمي) لتحديد ما يقوم به أثناء التدريس (علم وفن) " . ومن خلال اعتبار التدريس علم وفن ، فان المدرس يُظهر من خلاله قدراته الفنية والتعبيرية والمهارة في الأداء. كما أن عملية التدريس تعتبر نظاماً تربوياً له مدخلاته وعملياته ومخرجاته وعملية تعتمد في تطويرها على بحث آثار متغيرات موقف التدريس ـ التعلُّم على مخرجاتها، وطبيعة التفاعلات بين الآثار والنتائج .
ويعتبر التدريس نشاطاً متواصلاً يهدف إلى إثارة التعلُّم وتسهيل مهمة تحقيقه، ويتضمن سلوك التدريس مجموعة الأفعال التواصلية والقرارات التي يتم استغلالها وتوظيفها بكيفية مقصودة من المدرس الذي يعمل كوسيط في إطار موقف تربوي تعليمي.
كما أن التدريس عملية متعمدة لتشكيل بيئة المتعلم بصورة تمكنه من تعلم ممارسة سلوك معين أو الاشتراك في سلوك معين وذلك وفق شروط محددة (يُقصد بالشروط متطلبات حدوث التعلُّم: شروط خاصة بالمتعلم، وأخرى خاصة بالموقف التدريس، وثالثة خاصة بالمعلم ... إلخ متطلبات التعلُّم الجيد).