أخلاقيات المعلم والمتعلم وآثارها في النجاح والتحصيل العلمي
لا تعسف في القول بأنه لا تعليم دون تربية، ومن تم فلا تنمية شاملة مستدامة في غياب بناء منظومة من القيم تضمن لهذه التنمية تحققها واستمرارها.
وهذا ما يفسر نزوع القائمين والمهتمين بالشأن التربوي والتعليمي نحو اعتماد مدخل القيم من بين مداخل الإصلاح التربوي. على اعتبار العلاقة الوطيدة بين التعليم والأخلاق، بحيث يعتبر التعليم المجال المناسب لترسيخ الأخلاق التي يوافق عليها المجتمع في تصرفات وسلوكات المتعلم.
إن المنظومة التعليمية لا يمكن أن ينفصل فيها التعليم عن التربية على القيم "ذلك أن المنظور الشامل للرسالة التعليمية يقصد به تكوين شخصية المتعلم في مختلف أبعادها، والمتعلم اليوم محتاج أكثر من أي وقت مضى –إضافة إلى المعارف والمهارات- إلى منظومة قيم تمكنه من استيعاب ثقافته وحضارته والانفتاح الواعي على الثقافات والحضارات الأخرى. كما أنه يحتاج إلى معايير يزن بها ما تفد عليه من مبادئ وسلوكات وأفكار ليميز الخبيث من الطيب.
ومحتاج أيضا إلى أن يعرف غيره في إطار التواصل المفتوح بمنظومته القيمية النابعة من دينه و حضارته".
ولما كانت العلاقات التربوية في معناها الأكثر تداولا، دالة على مختلف التفاعلات والتأثيرات المتبادلة التي تنشأ بين المدرس والمعلمين وبين المتعلمين فيما بينهم أثناء عملية التدريس والتعلم، كان لزاما التحلي بالقدر الكافي من الأخلاق الفاضلة والقيم التربوية الإيجابية لتحسين تلك العلاقات التربوية، باعتبارها –القيم والأخلاق الفاضلة– الشروط الواجب توفرها لتحفيز المعلم والتلميذ وحملهما على المشاركة ايجابيا داخل الفصل والمدرسة والمجتمع وجعلهما نافعين لنفسيهما ووطنهما ومدركين لانتمائهما الإنساني.
أخلاقيات المعلم
لا يخفى على أحد من التربويين أهمية المعلم في العملية التعليمية التعلمية؛ إذ هو الركن الثاني أو المقوم الثاني للتربية بعد المادة العلمية وهو ركن في غاية الأهمية. فهو الواسطة الضرورية لنقل العلم إلى عقل المتعلم و قلبه.
وتحلي المعلم بالأخلاق الفاضلة أمر واجب و ضرورة شرعية من جانبين:
أ. فلا يمكن تصور المعلم بدون أخلاق، إذ كيف يستقيم الحديث عن تشبع المتعلمين بالقيم الايجابية ومعلمهم فاقد إليها؟
ب. ولا يمكن بناء علاقات تربوية سليمة بين المعلم والمتعلمين في غياب المعلم القدوة المتخلق بأخلاق العلم.
ومن أخلاقيات المعلم نذكر:
• الإخلاص في التعليم لخدمة الدين والوطن والأمة البشرية
إن من شأن هذا الخلق أن يدفع المعلم إلى تحمل كل معاناة الحياة في سبيل التعليم، وفي سبيل بناء الأجيال وتربيتهم بما يخدم الصالح العام.
• الصدق والأمانة
ويقتضي هذا الخلق اضطلاع المعلم بمهمته على أحسن وجه وأكمل صورة بعيدا عن كل إهمال في وظيفته التربوية.
التزام خلق الحوار وتغليبه في مناقشة المتعلمين، والابتعاد عن كل أشكال التسلط والقهر.
• الصبر والحلم والتأني
ويستوجب هذا الصبر على المتعلمين على اختلاف مستوياتهم وفئاتهم الاجتماعية، والصبر لمعاناة التدريس والصبر لزملائه التربويين والإداريين وأولياء أمور المتعلمين...
- الاحترام والتواضع من غير مذلة ولا مهانة.
- إتقان التعليم: ويقتضي هذا من المعلم بذل قصارى جهده من أجل تكوين نفسه وتجديد معارفه لإفادة متعلميه.
وأعتقد أن معلما هذه بعض أخلاقه، لن يكون إلا إيجابيا في تعامله مع تلاميذه داخل فصله، وقدوة لهم خارجه، مما يسعف في بناء علاقات تربوية سليمة داخل المؤسسات التربوية.
أخلاقيات المتعلم
إنه بقدر تأكيدنا على أهمية الأخلاق بالنسبة للمعلم، بقدر تأكيدنا على أهميتها بالنسبة للمتعلم، إذ الأخلاق الفاصلة من عوامل نجاح المتعلم وسبيل تحصيله العلمي الجيد.
ومن الأخلاقيات الواجب على المتعلم التحلي بها:
تزكية النفس وتطهيرها من جميع النيات السيئة "واتقوا الله ويعلمكم الله"[البقرة: 280].
التأدب مع الأساتذة والإداريين واحترامهم، حسن معاملة الزملاء داخل الفصل وخارجه، التزام الصدق والأمانة والنظام، الاجتهاد في المذاكرة والتعلم، التحلي بالصبر والهمة العالية، ترك الغش والخداع، احترام ممتلكات المؤسسة ومرافقها العامة، التشبع بروح الحوار والتسامح وقبول الاختلاف، استغلال الوقت وتنظيمه لمزيد من تحصيل العلم والمعرفة.
هذه بعض الأخلاق الفاضلة التي يجب على المتعلم التحلي بها، وهي كافية لضمان نجاحه وتفوقه الدراسي، ونيل احترام أساتذته وزملائه، كما أنها كافية لانخراطه في بناء وطنه ومجتمعه.
الحاجة إلى أخلاقيات المعلم والمتعلم
إن حديثنا عن أخلاقيات المعلم والمتعلم ليس ترفا فكريا نمارسه لمجرد إشباع نزعة عاطفية أو تلبية فضول عقلي، إنه ضرورة ملحة؛ إذ لا يفتأ المتتبعون لمسيرة التربية والتعليم في الكثير من بلدان العالم في كل لقاء ينبهون إلى خطورة الوضع الأخلاقي والقيمي في المؤسسات التعليمية ومحيطها، مما يهدد بنسف العملية التعليمية برمتها؛ إذ ازدادت حالات العنف المدرسي بشكل مهول، ومست سمعة المؤسسات التعليمية باعتبارها فضاء للتربية والمعرفة وصناعة القيادة الثقافية والفكرية للمجتمع.
ويرجع المهتمون بالشأن التربوي والتعليمي مثل هذه الظواهر الفردية والجماعية إلى الانفصال بين التربية والتعليم في مشاريع ورسائل كثير من المؤسسات التعليمية، فالأولوية تكون في الغالب الأعم لتنمية معارف التلاميذ والارتقاء بمهاراتهم من خلال أنشطة تعليمية منظمة وخاضعة للمتابعة والتقويم مع ترك بناء القيم على الهامش تلتقطه صدف التنبيهات والتحذيرات والمواعظ التي قد يصادفها المتعلم حينما يتورط في مخالفات متنوعة، دون الاستناد إلى مشروع علمي منظم ومندمج في المشروع التربوي للمؤسسة التعليمية .
بناء عليه فالحاجة ماسة إلى العودة إلى الأخلاق واعتبار الغرض الخلقي هو الغرض الحقيقي في التعليم، فالعلم الذي لا يؤدي إلى الفضيلة والكمال لا يستحق أن يسمى علما، وإنه ليس من التعليم الاهتمام بالمعلومات فقط، بل الهدف تهذيب الأخلاق مع العناية بالصحة والتربية البدنية والعقلية والوجدانية وإعداد الناشئة للحياة الاجتماعية.
فلا سبيل أمام منظومتنا التربوية للخروج من مأزقها الذي تعيشه سوى تحلي المعلم والمتعلم بما أسلفنا من أخلاق وقيم. مما يمكنهما من أداء واجباتهما على أحسن وجه وأكمل صورة بما يصلح العلاقات التربوية فيما بينهما، والمنظومة التربوية عموما.