هي تحبه .. وهو يحب غيرها !! 2
= =
قال : قد تعجبين لو قلت لك أنني في أحيان كثيرة
أحسب أنه لم يعرف أحد الحب غيري ،
ولم يعرف أحد حقيقة الشوق مثلي ..!!
لا يعرف الشوق إلا من يكابده ** ولا الصبابة إلا من يعانيها
نعم أنا أعرف أن هذه مبالغة كبيرة ، بل وكبيرة جداً ،
ولكني أريد أن أوصل إليك معنى عميق ..
قالت : ممممممممم
قال : لعلي أقرّب إليك أشواق قلبي وأفراح روحي حين أقول لك :
أنني أحياناً أبكي من شدة الشوق ، كما أبكي من شدة الخوف !!
قالت : كيف هذا ؟؟ لا يجتمع النقيضان ؟
قال : إذن صدقيني .. أنتِ بعد لم تعرفي الحب على حقيقته ..
وإنما أنت تتوهمين أنك محبة ، بل أنت محبة على طريقة مدرسة
صعاليك وبهائم الوسط الفني التي أهدرت القيم ، ومسخت العقول ،
ونشرت غسيلها القذر على الملأ ..!
قالت : فزدني توضيحا من فضلك ..
قال : حين أشعر ساعة من نهار أو ليل أنني معه قريب منه ،
فإني اشعر برغبة جامحة في البكاء ، خوفَ أن تفارقني هذه المشاعر
السماوية التي تعجز عن ترجمتها كل كلمات الدنيا ..
وحين استشعر البعد عنه لسبب أو لآخر ، فأمر بحالة جفاف روحي ،
تنبئ بما يشبه القطيعة ، أشعر برغبة عارمة في البكاء ،
شوقا إلى تلك الحالة التي كنت فيها ، وخوفا أن تتزايد الهوة
ويتسع الخرق على الراقع ، وأجد نفسي في النار ...!
مع أني أشعر أصلا أني في نار القطيعة أتلظى ،
بمجرد حلول ذلك الجفاف بقلبي..!!
قالت : يذكرني كلامك هذا بأبيات كنت قرأتها منذ زمن ،
غير أن حافظتى تخونني .
قال : أحسبك تعنين قول القائل :
فيبكي إن نأوا شوقاً إليهم *** ويبكي أن دنوا خوف الفراقِ
قالت : نعم ، نعم ..هي والله .. لله دره ..!
قال : ولكن هذا يتحدث عن المحبة الدون ..
أما المحبة العليا التي أحاول أن أفتح لك آفاقها ، وأشدك إليها ،
وأحببك فيها ، فهي فوق وصف الواصف .. ولعل هذا البيت
يقرب الحقيقة ولكنه يعجز عن وصفها ..!
قالت : ولكني أؤكد لك أن حبي لك يجعلني استشعر
قربك مني رغم بعدك عني .!!
قال : وحبي له لا يجعلني أرى شيئاً سواه ، ولا يلتفت إلى أحد غيره ،
لاسيما إذا كان هذا الأحد نهاية التعلق به ، هي البعد عنه سبحانه ..!
قالت : لكني لن أفرط فيك ، مهما أعرضت عني ، ومهما جفوتني ..!!
قال : اعلمي أنك تصطادين في الماء العكر ..
وأن الموت لك بالمرصاد ، وعساكر الموت يتربصون بك ..
اليوم أو غداً سيهجم عليك الموت ..فتهيأي كيف ستلاقينه ،
وهو يزف روحك إلى السماء مصحوبا بسخط الله !!
قالت في فزع واضح : أرجوووك دعنا من سيرة الموت ..أرجوووك !!
الحديث عن الموت يرعبني .أرجوووووك .........اسمع ..! ..
أقول لك شيئا : أن حبك جعل للدنيا طعما آخر
ونكهة خاصة لم أعهدها في حياتي ..
قال : وحبه الذي يغمر قلبي ، جعلني اشعر كأنما دخلت الجنة مباشرة ،
ثم نزلت منها ، لأعلّم أهلها كيف يكون الاستعلاء فوق الشهوات ..!
ولألقن "بعض" من الناس أن شهوات الدنيا أتفه من أن يلتفت إليها
من ذاق بقلبه حلاوة السماء ..!
فمن الحماقة أن يهدر العاقل لآلئ حصل عليها ،
مقابل بعرة تعرض عليه !!
قالت : سامحك الله .. لأني أحبك سأتحمل كل ما تقوله ،
حتى لو كان على غير ما أهوى .. المهم تسمعني ..
طيب أسألك : وهل يتحول هؤلاء إلى معصومين ..؟
قال : كلا .. بل هم يتعثرون بين الوقت والوقت ،
ولكنهم يعرفون الطريق للعودة السريعة إلى رحاب جنتهم التي كانوا فيها
.. بل هؤلاء يتعاملون مع العثرة بطريقة فريدة ..
فكل عثرة تقع لهم ، تزيدهم اندفاعا على الله ليعوضوا ما فاتهم
خلال تلك العثرة !!
وشيء آخر أنهم يجهدون كل الجهد ، أن يستعلوا على فخاخ الشيطان
المبثوثة في طريقهم ..
فإن وقعوا نهضوا .. نهضوا سريعا وشمروا إلى القمة من جديد !
لسان حالهم : وعجلتُ إليكَ ربّ لترضى ..
قالت ضاحكة : فما لي لا أراك تتعثر معي مرة ، ولو في بالسماح بلقاء
لقاء واحد فحسب وفي مكان عام ، وحيث تشاء ..!!
قال : اسمعيني جيداً ,, يبدو أن الشيطان ينطق على لسانك ،
ومع هذا أقول لك :
ما دام عقلي معي ، وإيماني مستيقظ ، ورقابة الله ملء حسي
فهذا لن يكون ، ونجوم السماء أقرب إليك مما تحلمين به ..!
قالت : لا بأس ..أكتفي الآن بالحلم ، لكني سأظل أتمنى وأرغب ،
وأحدثك في وحدتي ، واستأنس بك ،
لأني أشعر حين أفعل هذا معك أن أفراح قلبي تتوالد !
قال : لو أنك عرفت كيف تقبلين عليه هو ، وتحبينه هو ملء فؤادك ،
وتختلين به هو ، وتناجينه هو في ظلمة ليل ، وأنتِ جاثية بين يديه ..
لشعرت أن أيامك قد أصبحت أعياداً ..
بل تصبح أروع ساعاتك ، وأجملها وأحلاها وأبهاها
ساعة تقبلين فيها بكلية قلبك عليه هو وحده ..
وهو يفيض على قلبك ألواناً من مباهج السماء ،
ترين من خلالها ومعها أن جميع لذات الطين التي يتعلق بها
أكثر الناس لا تساوي شيئا البتة بإزاء نسائم السماء
حين تهب على قلب إنسان ..!
ولكنك _ للأسف _ آثرت الدون واستبدلت الذي هو أدنى
بالذي هو خير ..فما أبأسك والله وأشقاك ..!
قالت بمرارة : أرجوووك دعنا من هذا الحديث !! ..
أتوسل إليك ابعد عني مثل هذه المعاني فإنها تقلقل أركان قلبي ،
وتزعزع نفسي أ وتجعلني أشعر بالحقارة .. !!
إنها تحرك في نفسي ما لا أرغب في تحريكه الآن ..!!
لذا دعني أقول لك : هل تصدق أن الدنيا تبتسم لي بمجرد
أن أتخيل قربك مني ، وأني أصبحت لك وحدك ..
وفي المقابل اشعر أن الدنيا تعبس في وجهي وتظلم حين أتذكر
إعراضك عني وعدم مبالاتك بي ..
قال : لكن الدنيا تصبح جنة وارفة الظلال وأنا استشعر معيته لي ،
وقربي منه ، ومناجاتي له وأنا منكسر بين يديه ، وحديثي عنه ،
وتذكيري به ، وتذكري له .. وعملي من أجله ، وأنني على عينه ..
ولا تظلم الدنيا في وجهي ، إلا إذا خادعني الشيطان ،
فأوقعني في أمر يبعد قلبي عنه ، هناك استشعر طرد الله
لآدم وحواء من الجنة ، يوم أكلا من الشجرة التي نهاهما عنها ..
فكأنما أنا المطرود من تلك الجنة ، لأن الشيطان أغواني
فأكلت من الشجرة التي نهيت عنها ..!
قالت : هذا معنى عجيب والله ., سبحان الله ... أنت عجيب والله..!
قال : ولكنها حقيقة يستشعرها تماما من يعيش في رحاب الله
مقبلا عليه بكلية قلبه ، فإذا واقع معصية شعر كأنما طرد من الجنة للتو.. !.
. وأن كل شيءٍ من حوله يعاتبه ويجفوه !!
ولذا فإنه يفزع فزعاً شديدا كما فزع آدم عليه السلام
وأخذ يهتف باكيا نادماً :
( ... رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ..
قالت : رجعنا إلى هذه المعاني ..أرجوك لنؤجل الكلام في هذا ..
ودعني فقط أعبر لك عن مشاعري تجاهك ..
والله لشدة لهفتي عليك وشوقي إليك، أجدني أكلم حتى الحيطان ...!
قال : هذا هو الفارق بين سماء وأرض ..!
وبين قلب مشرق وقلب مظلم !
لأنني أنا الآخر من شدة حبي له ، أكاد أكلم كل شيء
وأصغي إلى كل شيء ،
وأجد كل شيء من حولي يشدني إليه ، ويذكرني به ،
فبيني وبين هذا الكون الفسيح علاقة عجيبة وغريبة ،
وأجد في كثير من الأحيان أنسا عجيبا
وأنا أتصفح هذا الكون من حولي ،
لأني استشعر السمو والصعود والارتقاء ،
وأنا أسافر بفكري مع مفردات هذا الكون كله هنا وهناك ..
وكل خلية في جسدي تهتف وتنادي :
(.. رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ ، فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)
أحسب أنك ما دمت في وضعكِ هذا ،
أحسب أنك أصغر من أن تستوعبي هذا الذي أقول ،
ولو أنك أقبلت بكلية قلبك عليه .. ستدركين أنني عجزت عن التعبير
عن حقيقة ضخمة يجدها كل من استنار قلبه مع الله ..
وارتبط به ، وعاش من أجله ..
قالت في شيء من ضجر : أصغر ،، أكبر .. انا لا يعنيني هذا الآن ..
إنما يعنيني أنت .. يهمني الآن أن أنتهز فرصة سماعك لي
لأعبر لك عن ما يعتمل في قلبي نحوك ..
صدقني أنت ربيعي الأخضر منذ عرفتك وتعلق قلبي بك ..
قال : ووالله إنك تكادين تعبرين عما في قلبي ،
فإنني منذ إن عرفته شعرت أنني حييت من جديد ،
وأني قبل معرفته والتعلق به ، كنتُ ميتاً ، كما قال سبحانه :
( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ
كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا
كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ..
أي والله كنتُ ميتاً . أتقلب في الظلمات ، وأحسب أني أحسن صنعا !!!
فلما عرفته وتعلقت به ، واصبح تحصيل رضاه شغلا شاغلا لي ،
تحولت صحرائي إلى جنات وارفة الظلال ، دانية القطوف ..
قالت : ولكنك تصبح دنياي كلها وجنتي ، لو طاوعتني مرة فيما أريد ..
ولا أريد شيئا كبيرا ،
يبدو أنك لا تصدقني حين أقول لك :
أنني حصرت همومي كلها فيك .. وصرت لي شغلا وأي شغل ..!
قال : إذن ستظلين في العذاب الأدنى حتى يوافيك العذاب الأكبر ..!
فأي شيء حصلتِ مما تتمنين ؟ لا دنيا حصّلتِ ولا آخرة أبقيتِ ..
وهل الحماقة إلا هذا ؟؟!
ويبقى الضنك يلازمك حيثما سرت ، وأينما نزلت ..
مهما ضحكت وقهقهتِ وكذبتِ على نفسكِ ،
إذا خلوتِ بنفسك تبرز لك أنياب التعاسة تنهشك !! ..
قالت : عجيب .. تصف حقيقة ما أعاني وكأن نفسي انكشفت لك ..!!
قال : وهل تصدقينني لو قلت لك أن هذا ما حدث فعلاً ..!
قالت : حقاً ..؟ كيف ذلك؟
قال : لأن الله جل جلاله أخبرني بذلك ،
وكلامه سبحانه أوثق عندي من نظر عيني ..!
بمعنى لو أني اطلعت على نفسيتك نظر عين مباشر ،
ربما لشككت فيما أرى ، ولكن لأن الله أخبرني عن نفسيتك
فأنا كأني أرى ما في نفسك لأن الله أخبر ..!
قالت : عجيب ما اسمع .. ألم أقل أنك أعجب من عرفت ..زدني توضيحاً ..
قال : يقول الله سبحانه
( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) ..
فكل من لم يقبل على الله إقبالا صحيحا ،
فإن حياة الضنك هذه تنتظره ولابد ..!!
مهما كذب على الناس وخادعهم ، فإنه لن يضحك على نفسه ..
وكل الذين اخلعوا من حياة الضنك بالعودة إلى رحاب الله واصطلحوا معه .
كلهم يؤكدون هذه الحقيقة .
وحياة الضنك هذه ، هي حياة الحيرة والقلق والاضطراب النفسي
ونحو هذا ، مهما بدا للناس أنه سعيد مسرورا مبتهج ..
فإنما هو " يمثل " عليهم فحسب !!
قالت : لن أحدثك عن دمع عيني بسبب كلماتك هذه وغيرها ،
فكم أبكتني كلمات سمعتها منك ، أو قرأتها لك ،،
ولكني أسألك عن وقع كلماتي في قلبك ؟
قال : ليت هذه الدموع انسابت من أجله هو ، وطلباً لقربه هو ،
وشوقاً إليه هو ، وحياء منه هو ، وخوفا من بعده وسخطه وعذابه ..
لو حدث ذلك ، لكان حالك غير الحال ، ولكنتِ في سماء السماء ،
بدلا من هذا الوحل الذي تتقلبين فيه ، وتتعلقين به ،
بل أجزم أنك يومها ستكونين من أهل الله وخاصته الذين هم خاصة أوليائه ،
وهم المباركون حيثما حلوا ونزلوا وارتحلوا
قومٌ كرامُ السجايا اينما نزلوا ** يبقى المكانُ على آثارهم عطرا
إن الدمعة من أجل الله لتقع من الله بمكان لا يصله غيرها من الأعمال ،
فأفيضي دمعك على أعتابه ومن أجله ،
ولا تجعلي نفسك أضحوكة للشيطان وهو يراكِ تريقين دمعك
في غير محلها مما يعرضك لسخط الله وبعدك عنه ..
دموعك أغلى ما تملكين فأبذليها في المكان الأولى واللائق بها ،
فإذا علم صدقك سيفتح لك ابواب كل شيء ..
وبركات من الأرض ، وسوف تتيسر أمورك من حيث لا تحتسبين ...
قالت : كلما حاولت أن اشدك إلى باب تأتيني من باب ،
وكلما حدثتك عن معنى من معاني قلبي ، تخترع لي معنى آخر يتشقق منه ...!!
قال : أنا لا أخترع شيئا من عندي ، فما كان من خير فهو منه سبحانه ،
فضلا منه ورحمة ومنة .. فله الحمد ..
إنني إنما أفيض لك بما أجده في قلبي صدى لكلماتك ،
وتتوالد المعاني التي تسمعين ، بناءً على المعاني التي اسمع ..!!
قالت : كنتُ أتوقعُ أنك منذ أول مكالمة سيهتز قلبك ،
ويرجفُ فؤادك ، وتعلن عن مشاعرك !!؟
قال : أخطأت الطريق ، وأسأت التقدير ، وتلاعب بك الشيطان ..
لسنا في هذا ، ولا من أهله ، ولا في سبيله ، ولا بصدده..!
إنما قررت أن افتح معك هذا الحوار لعلي أحرك كوامن السماء
في قلبك ، والتي أرى أن ركاماً كثيفاً يغمرها ،
فهي أشبه بالنار تحت الرماد ..
قالت : صدقني أنا جادة ولستُ مغرورة حين أقول :
أنني تخيلتُ أنني سأهز أركان قلبك مع أول كلمات تسمعها مني !!
قال : قلبي قد اهتز قبلك ..!!
ولكن اهتزازهُ لم يكن لصوت أنثى يتكسر ، أو آهة تتحدر ،
أو عبارة تترقرق ، بل اهتز لأنه اتصل بالسماء ،
وفتحت له ابوابها ، وهلت عليه نسائمها وبركاتها ،
ثم رأى كل شيء بعد ذلك لا يستحق الاكتراث به ،
ولا الاهتمام به ، إلا ما كان سببا لمزيد من الاتصال بالسماء ،
ومع عدا ذلك فهو أحقر من أن يلتفت إليه !!! ولله در القائل :
ولاتلتفتْ هاهنا أوهناك ** ولا تتطلعْ لغير السماء
قالت : ما أكثر ما أحلم وأتمنى ..!
كنت أحسب أني سأجدك أمامي كتاباً مفتوحاً ..!
قال : أها .. تقرأين فيه وتُعدّلين وتنقحين على طريقة
بهائم الوسط الفني وصعاليكه ..
ألم أقل لك أنك متخرجة من أسوأ مدرسة على الإطلاق ...!!!
قالت : ولكن ألا تراهم يتمتعون بحياتهم في حياتهم ..!؟
قال : نعم .. ولكن كما قال تعالى :
(... يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّار مثوى لهم )
ويتوب الله على تاب ..
فالأنعام أيضا تتمتع هي الأخرى بحياتها ، وهم يشاركونها هذه المتعة !!!
لكنها على أية حال أفضل منهم ، وهم أسوأ منها ..!!
في المقابل نجد الذين قرروا أن يقبلوا على الله يشاركون الملائكة مباهجهم السماوية !!
فانظري الفرق الهائل بين قوم يشاركون البهائم متعتها ..
وقوم يشاركون الملائكة نعيمهم !!
وهناك فرق هائل أخر ..
بين متعة عارضة طارئة سريعة مؤقتة ،
وبين سعادة قلبية عامرة بأنوار السماء ..! ..
ثم رغم أن متعتهم وقتية وسر يعة وخاطفة ، فهي فوق هذا
متعة ( ظاهرية !! ) أمام الآخرين ليس إلا ..!!
غير أن العذاب الأدنى ينهش حياتهم ، وينكل بأرواحهم ،
انظري إلى حياتهم الأسرية ، وشيوع الطلاق فيهم ماذا يعني ..
وانتهاء حياة أكثرهم بالسجن ، أو المخدرات ، أو الكآبة
وقد يصل الأمر ببعضهم إلى الانتحار ..
أهذه سعادة حقيقية أيتها الذكية !!!
أية سعادة هذه التي تكون عواقبها على هذا النحو الفظيع ..
اين ذهب عقلك ..!؟
إنهم ( يمثلون !! ) نعم يمثلون على أمثالك من السذج !!
مجرد تمثيل ليس غير ، فأفيقي .. !!
قالت : سامحك الله .. كلماتك كأنها الرصاص ،
لكن قد تكون محقاً في كثير مما تقول هنا ..
قال : بل أنا محقٌ والله فيما اقوله لك ، وأؤكد عليه ،
ولكِ أن تتابعي حياة الذين انخلعوا من هذا الوسط العفن ،
واسمعي ما يقولونه ، وتأملي ما يذكرونه من فرق هائل
بين حياتهم قبل الهداية ، وحياتهم بعد الإقبال على الله سبحانه ،
إنهم يؤكدون أن الفرق بين الحي والميت !!
أو كالفرق بين السماء والوحل ..!!
قالت : أما هذه فنعم ، لقد سمعت وقرأت شيئا كثيرا من هذا ،
لكني دعني من هذا كله
.. إنني أرغب أن لا أفوّت على نفسي هذه الفرصة
لأعبر لك عما يجيش في قلبي ما مشاعر ..
قال : سبحان الله ..سبحان الله .. هل بقي في رأسك مسكة عقل ..؟!
أحدثك عن السماء ، وأشدك إليها بقوة ،
وأحبب إليك العروج إليها ، فتتفلتين من بين يدي ،
ولا ترغبين إلا في الوحل .. سبحان الله ..سبحان الله !!
سبحانك هذا بهتان عظيم ..!!!
قالت : قل ما تشاء ، لكني أرجووك فقط اسمعني حتى الآخر..
ولا تعلق بشيء ، وأنا قانعة أن تسمعني فقط .
قال : كلا .. بل سأعلق على كلامك أولاً بأول ،
لأوجه معانيك إلى وجهة أخرى لانتشلها من وحلها ،
وارفعها إلى سمائها ،
لعل إشراقة معنى من المعاني تعمل عملها في قلبك ..
قالت : شأنك وما تريد .. أما الذي يعنينني فهو أن تسمعني ،
كونك تحادثني وتستمع إلي فهذا مكسب كبير بالنسبة لي !!
يكفيني أن أوصل إليك مشاعري ..
مختصر قصتي معك يا سيدي أنني أصبحت مفتونة بك .. !
قال : طيب .. ألم تزعمي أنك جميلة جداً تلتفتين الأنظار ..!؟
قالت : بشهادة الجميع ..!!
قال : أسألك .. من أين اشتريتِ هذا الجمال ؟؟!
أو أخبريني من منحك هذا الجمال كله ،
في الوقت الذي حرم غيرك كثير فلم يصل إلى مستوى جمالك !؟
من وهبك عينيك ، وشفتيك وشعرك ووضاءة وجهك ، وعذوبة لسانك ؟؟!
من مسح على جسدك هذه المسحة الجمالية
التي تتحدثين عنها وتتباهين بها ؟ الخ الخ مما تفاخرين به ،
وترين أنك مميزة عن الآخرين به ، من أين لك كل هذا ؟؟
صممت طويلا ثم قالت : طبعاً من الله . الله هو الذي خلقني على هذه الصورة ..
ومنحني كل هذا .
قال : فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟
هل شكر نعمة الله عندك أن تعصيه بها ،
وأن تسخريها في الطريق الذي يغضبه منك ..؟
ألا تخشين على نفسك ؟
قالت : مماذا ؟ من حسد الناس ..؟!
قال : كلا كلا .. بل أن يسلب الله نعمته هذه منك ..
تنامين الليلة مثلاً فإذا أصبح الصباح ، لا تستطيعين أن تفتحي عينيك ،
لأن الله سلب بصرك وأنت نائمة ، فإذا أنت عمياء !!
أو يبتليك بمرض يجعل شعرك كله يتساقط فلا تبقى في رأسك شعرة ..!
أو تصيبك مصيبة من حيث لا تحتسبين فتشب النار
في المكان الذي أنت فيه ، فإذا جسدك الجميل يُشوى حتى يتفحم ..!!
أو يسلط عليك آفة تجعلك قعيدة بيت ، منبوذة حتى من أقرب الناس إليك ، تنتظرين الموت ولا موت ..!!!
قالت في فزع : أعوذ بالله ... هذه صورة فظيعة .. جسدي يرتعش والله ..
لماذا تقول هذا....؟؟!
قال : لعلي أحرك كوامن قلبك ..
لجأت إلى التخويف لأني رأيت محاولاتي السابقة كأنما بات بالفشل ..
قالت : أرجوك ..وسأظل اكرر أرجوك .. أرجوك أغلق هذا الملف
..اسمعني حتى الآخر ..
قال : بل أنت أرجوك اسمعيني لحظات ..
هل سيبقى لك هذا الجمال حتى آخر العمر .؟
ألن تتجعد ملامحك ، ويشيب رأسك ،
وتضعف عظامك ، ويتقوس ظهرك ؟؟
أليس من الممكن أن تخسري كل هذه الكنوز في لحظة خاطفة
في حادث سير مروع ، يفقدك أطرافك ، أو يشل حركتك كلياً ،
أو غير ذلك من المصائب ؟؟
ماذا ستفعلين إذا هجم عليك الموت الليلة بل في هذه الساعة ؟
فجاءتك سكرات الموت ، تخنقك خنقاً شديداً حتى لا تستطيعين التنفس
إلا بمنتهى الصعوبة ، ثم لا تتمكنين من النطق بالشهادتين ،
فتكون خاتمتك سيئة ، فتلقين الله وهو عليك ساخط ..!؟
ثم يكون في انتظارك قبر مخيف فيه أهوال مرعبة ،
تتمنين معها لو تعودين إلى الدنيا لتستأنفي حياة جديدة مع الله سبحانه ، و.....
قالت : أرجوووووووووووووك ... أن دموعي تسبقني والله .. خلاااااص ..
رأسي سينفجر . سأنصرف الآن .. مع السلامة .. !!!
وأغلقت الخط .. وكان يتضح جلياً أنها على وشك أن تنفجر بالبكاء ...
ثم تجدد اللقاء بعد مضي أسبوعين ..
ولكن للأسف ظهرت مجدداً كأنما نسيت تلك المعاني كلها .....
فلنتابع فلا يزال الحديث ذو شجون ..
موعدنا إن شاء الله مع الحلقة الثالثة قريبا