مدارسنا إلى أين
تعالت الأصوات وكثرة الآراء حول التعليم والدراسة والسياسة التعليمية ، وكلٌ يقول هذه هي الطريقة المثلى التي يمكن أن تنتشل التعليم من التخبط الذي يعيشه ، فمن قائل بأن التعليم كدس آلاف الخريجين الذين لا يخدمون سوق العمل في شيء ، إلى آخر يقول بأن التعليم شجع التطرف والتعصب ولكل آراءه واستشهاداته ، وأنا عكس هؤلاء جميعًاً من المتفائلين كثيراً بالتعليم باستثناء بعض التصرفات الفردية الشاذة التي لا تمت للتعليم بصلة ، وأرى بأن التعليم في بلادنا يخطوا خطاً حثيثة ثابتة، والتغيير للأفضل سائر فيه على قدم وساق طوال فتراته المختلفة ، وأنا والله لا أقول هذا الكلام رغبةٍ في أمر رهبةٍ ولا رغبةٍ ، وإنما هي وجهت نظري الخاصة وليست بالضرورة صائبة وهي ليست فرمانا أو قراراً جمهورياً ملزماً ، والذي يدفعني إلى الخطاب بهذه الطريقة ؛ هو الدفاع المستميت والهجوم الشرس الذي يقوم به المنتقدون للتعليم لكل من يمتدح التعليم أو يبدي نظرة إيجابية تجاههُ ولو فصلنا في آراء هؤلاء الإخوان الذين دفعتهم غيرتهم على التعليم إلى حد التشدد في آرائهم فمثلاً مقولة مخرجات التعليم لا تخدم سوق العمل التي يحتج بها هؤلاء كثيراً ، لو افترضتا جدلاً صحتها ، فإن السبب فيها يعود على الطالب نفسه الذي لم يختر لنفسه التخصص المناسب الذي يحتاجه سوق العمل ، ثم إني أرى بأن هذه العبارة غير دقيقة من وجهين الوجه الأول هو هل الخلل في الطالب أم في التعليم ؟
وهل الطالب الذي تخرج لا يفقه شيئاً في مجال تخصصه أم أنه لم يجد عملاً في مجال تخصصه ؟ !
فإذا كان الجواب في الأولى بالنفي ، فإن التعليم غير معنٍ بالثانية ، أما الذين يتشدقون بقولهم بأن التعليم كدس الآف الخريجين فتلك مدحةٌ للتعليم من حيث أراد البعض ذمه !
وحسبه أي التعليم أنه خرج آلاف الشباب وساعد في زيادة الوعي العلمي والثقافي لديهم وذلك هو غاية المطلوب منه .
أما الذين يقولون بأن التعليم شجع التعصب والتطرف فتلك مقولة يكفيها أن ننظر إلى الشعب السعودي ، بكافة أقطابه وأطيافه ومدى الروابط القوية التي تجمعهم ، حتى مع معاملتهم مع غير السعودي ، وتلك غريزة عمقها التعليم ، وشجع على وجوب التمسك بها مع تعميق الروح الاسلامية الأصيلة ،التي تعنى بمساعدة البشرية والتفاني في خدمة الملهوف والمحتاج .
وأنا هنا لا أهاجم الغيورين على التعليم الساعين في رفع مستوى الطالب والمعلم في هذه البلاد ، وإنما يستفزني كثيراً الذين يحقرون كل الجهود التي بذلت وتبذل ليلاً ونهاراً من قبل رجال مخصين همهم الأول صيانة الشباب والمحافظة على أخلاقه في ظل عالم غريب شديد التحول والتغيير .
ومازال الشد والجذب قائم بين هؤلاء وأولئك على صفحات الجرائد وشبكات الانترنت ، وبينهم جميعاً تبقى النظرة المستقبلية لحال مدارسنا غامضةٌ ، وما تزال صورة المستقبل قاتمة ، والشيء الوحيد الذي أدركه ويدركه الجميع هو أن التعليم سائر في طريقه التي بدأ بها ، وفي كل مرحلة يتحفنا بالجديد.