بسم الله الرحمن الرحيم
رب اشرح لي صدري ويسر لي امري
أخلص عملك لله عزوجل وحده لا شريك له
يقول الله عزوجل في آخر آية ختم بها سورة الكهف
قلْ انّماَ أنا بشَرٌ مثلُكُمْ يُوْحى اليَّ أنَما الهُكُمْ الهٌ واحدٌ, فمنْ كانَ يرجو لقاءَ ربِّهِ فليعملْ عَمَلاً صالحاً ولا يُشركُ بعبادةِ ربِّهِ أحداً
يُروى أنّ عابداً في بني اسرائيل كان يعبدُ الله حق عبداته, وذات يوم علم أنّ في القرية التي كان يسكنها هناك أقواما يعبدون شجرةً من دون الله عزوجل, فحمل فأسه وهمّ بتقطيعها, وهي في طريقه اليهااذ لقيه الشيطان بهيئة رجل طاعن بالسن فسأله الى أين وجهته, فأخبره بخبر الشجرة التي تيعبدونها من دون الله, فمنعه الرجل العجوز حتى وصل بهما الأمر الى الاقتتال, فغلب العابد الشيطان, وعندها عرض الشيطان على العابد أن يعطيه كل يوم دينارين على ان يصرف نفسه عن تقطيع الشجرة فوافق العابد, فالتزم الشيطان مع العابد ليومين يعطيه كل يوم دينارين ثم في اليوم الثالث أخلف معه ولم يعد يرسل له شيئا, فغضب العابد وهمّ من جديد ليقطع الشجرة, فلقيه الشيطان ومنعه من ذلك حتى وصل بهما الامر الى الاقتتال فغلبه الشيطان, فاستغرب العابد متسائلا: كيف غلبتك في المرة الأولى اذن؟ فأجابه الشيطان: غلبتني عندما كنت مخلصا نيّتك لله عزوجل, ولكن عندما بعت دينك وركنت الى الدنيا غلبتك, وعلى هذه القصة او الرواية حديث نبويٌّ شريف رواه الامامين بخاري ومسلم رحمهما الله في صحيحهما من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال, سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
انما الأعمال بالنيّات ، وإنما لكل امريء مانوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته الى الله ورسوله,من كانت هجرته لدنيا يُصيبُها أو امراةٍ
ينكِحُها ، فهجرته الى ماهاجر اليه
وفي حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها, انّ النبي صلى الله عليه وسلم قال
منْ عمل عملاً ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ
والنيّة في اللغة : هي القصد والإرادة ، فيتبيّن من ذلك أنّ النيّة من أعمال القلوب, فلا يشرعُ النطق أو التلفظ بها, والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتلفظ بالنية في العبادة من صلاة وصيام ووضوءٍ, وما الى ذلك من العبادات , اما قول الحاجٍّ: لبيك اللهم حجاً : فليس نطقاً بالنيّةِ, لكنه اشعارٌ بالدخول في النسك
بمعنى أن التلبية في الحج بمنـزلة التكبير في الصلاة
ومما يدل على ذلك أنه لو حج ولم يتلفّظ بذلك صحّ حجه عند جمهور أهل العلم
وللنية فائدتان : أولاً : تمييز العبادات عن بعضها ، وذلك كتمييز
الصدقة عن قضاء الدين ، وصيام النافلة عن صيام الفريضة ، ثانياً : تمييز العبادات عن العادات
أي : أنه ما منْ عملٍ إلا وله نيَّة ، فالإنسان المكلف, لا يمكنه أنْ يعمل
عملاً باختياره من غير نيّة, ويستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم : وإنما لكل امريء ما نوى
وجوب الإخلاص لله تعالى في جميع الأعمال ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام أخبر بأنه لا يخلُصُ للعبد من عمله الا ما نوى
فإن نوى في عمله اللهَ والدار الآخرة ، كتب الله له ثواب عمله ، وأجزل له العطاء
وإن أراد بعمله السمعة والرياء ، فيكون قد حبط عمله ، وكتب الله عليه وزرعمله
يقول الله عزوجل في محكم كتابه في آخر آية من سورة الكهف
فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا
ولما كان قبول الأعمال مرتبطاً بقضية الإخلاص ، ساق النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً ليوضح لنا الصورة اكثر من خلال الحديث الصحيح
فمن كانت هجرته إلى الله ورسولهفهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه
وأصل الهجرة
هو الانتقال من دار الكفر الى دار الاسلام , او من دار المعصية الى دار الصلاح, وهذه الهجرة لا تنقطع أبداً ما بقيت التوبة قائمة, لما ورد في الحديث
الهجرة إلى دار الإسلام ، أو من دار المعصية إلى دار الصلاح ، وهذه الهجرة لا تنقطع أبداً ما بقيت التوبة
و لما رواه الامام احمد في مسنده وابو داوود والنسائي في السنن في سندهم الى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها
وحتى لا يظن أحد بأنّ هناك تعارضاً بين هذا الحديث , وبين قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: لا هجرة بعد الفتح
فاننا نقول : أن المراد بالهجرة في الحديث الثاني معنىً مخصوص ؛ وهو : انقطاع الهجرة من مكة ، فقد أصبحت دار اسلام , فلا هجرة منها
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم ..