عوامل تقوية الشعور بالمسؤولية
الشعور بالمسؤولية سر الوجود، وإذا لم يكن لديك شعور بمسؤولية فلست بموجود وإن وجد جسمك، ومن منا لا يفتش عن الشعور بالمسؤولية صفة يجب أن يتحلى بها الأب في بيته والأستاذ في مدرسته والمدير في إدارته والوزير في وزارته والرئيس تجاه شعبه والشعب تجاه أرضه، من منا لا يرغب في أن يكون هذا الإنسان هنا وهناك مستشعراً مسؤوليته، إن مشكلتنا أن الشعور بالمسؤولية أخذ بالتلاشي وأخذ يضعف شيئاً فشيئاً، ولعلك تلحظ هذا عندما تشاهد الأب فشعوره بالمسؤولية تجاه أسرته أخذ يضعف شيئاً فشيئاً، وأنت تلاحظ الموظف في دائرته فشعوره بمسؤوليته يضعف شيئاً فشيئاً وهكذا إذا ارتفعت من حيث المناصب أو إذا انخفضت من حيث المناصب أيضاً.
إذا أردنا أن نقوي شعورنا بمسؤولياتنا حيثما كان الواحد منا، إن كان أباً أو كان موظفاً أو كان مديراً أو كان ضابطاً أو كان وزيراً أو كان حاكماً أو كان مسؤولاً مالياً أو كان مسؤولاً تربوياً أو كان مسؤولاً ثقافياً، أتريدون أن نقوي الشعور بالمسؤولية فينا ؟ لقد اخترت لكم اليوم أن أتحدث عن عوامل تقوية الشعور بالمسؤولية لدينا، أتريد أن تحس بمسؤوليتك أتريد أن تشعر بمسؤوليتك في عملك في تجارتك في مصنعك في مخبرك في جامعتك في مدرستك بين شعبك، إذن هاأنذا أقدم لك أيها الإنسان في عالمنا العربي والإسلامي عوامل تعميق وتقوية الاستشعار بالمسؤولية:
العامل الأول من أجل أن تكون مستشعراً مسؤوليتك يجب أن تستشعر رقابة ربك: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) عليك أن تستشعر أن الله مطلع عليك، قل لي بربك لو أنك كنت تعمل في دائرة ما وكنت ترى أن المسؤول الأعلى منك يراك ويراقبك حدثني عن مسؤوليتك عن عملك وكيف ستزداد هذه المسؤولية عن العمل الذي بين يديك والذي تريد إنتاجه. (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، ﴿يعلم خائنة العين وما تخفي الصدور﴾ أتريد أن تكون مستشعراً مسؤوليتك بشكل قوي ؟ إذن عليك أن تستشعر رقابة ربك، ربك يراك، ربك مطلعٌ عليك: ﴿ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون﴾، ﴿لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدو ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله﴾، ﴿ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير﴾ الله شاهدي الله ناظرٌ إلي الله معي. علمّوا أيها المعلمون طلابكم أن يرددوا في كل صباح: الله شاهدي الله ناظرٌ إلي الله معي، علموا أيها الضباط جنودكم علموا أيها التجار عمالكم علموا أيها الصانعون صناعكم وعلموا أنفسكم وقولوا صباح كل يوم: الله شاهدي الله ناظرٌ إلي الله معي. كلنا يذكر تلك القصة التي يرويها صاحب كتاب أخبار عمر رضي الله عنه يوم قالت تلك المرأة لابنتها قومي إلى اللبن فامزجيه بالماء حتى يزداد فنربح أكثر. فقالت البنت يا أماه أوليس عمر قد نهانا عن هذا ؟ قالت الأم وأين نحن من عمر الآن ؟ فقالت البنت التي تستشعر مسؤوليتها عن بيعها وشرائها والتي عمقت مسؤوليتها من خلال تعميق الاستشعار بمراقبة الله قالت البنت للأم إن كان عمر لا يرانا فرب عمر يرانا.
أتريد أن تقووا استشعاركم بالمسؤولية تجاه ما أنتم مسؤولون عنه ؟ إذن استشعروا رقابة الله لكم، الله يراقبكم ويراكم ويعلم متقلبكم ومثواكم.
العامل الثاني من أجل تقوية الشعور بالمسؤولية: الإيمان بالجزاء، ﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره﴾ إذا كنت تؤمن بالجزاء قستقوي شعورك بالمسؤولية، ﴿وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين﴾ كل ما يصدر عنك من قول أو فعل أو حركة أو سكنة مسجل عليك في كتاب ﴿لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً﴾.
أتريد أيها الرئيس أيها الوزير أيها الحاكم أتريد أيها القاضي أيها التاجر أيها المعلم أتريد أن تقوي شعورك بمسؤوليتك عمن أنت مسؤول عنهم وعنها عن الأشياء عن العاقل وغير العاقل، اعلم علم اليقين أن هنالك جزاءً في الدنيا والآخرة وأن جزاء الآخرة هو الأوفى سلباً أو إيجاباً، يقول سيدي رسول الله في حديث معروف يرويه الترمذي: (لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس، عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم) ستسأل، إي ورب الكعبة، في الدنيا والآخرة فإذا كنت ستسأل عن مثقال الذرة فلمَ لا تقوي شعورك بمسؤوليتك عما أوكل إليك من رقاب الناس إن كنت مسؤولاً عن أناس أو من رقاب الأشياء إن كنت مسؤولاً عن أشياء ؟ تذكر الجزاء وأنت مؤمن بالجزاء الأوفى في الآخرة والدنيا، إذا كنت مؤمناً بالجزاء فلمَ لا تستشعر مسؤوليتك تجاه ما أنت مسؤول عنه.
العامل الثالث الذي يقوي شعورك بمسؤوليتك: الثقة بالمنهاج، سأضرب لكم مثالاً: طالب كلية الطب أو الهندسة يدرس أكثر بشكل عام من الطالب الذي يدرس في كلية أخرى نظرية من جملة أسباب، ذلك أن طالب الطب يثق بمنهاجه ويثق بدراسته ويعلم شبه يقين أن دراسته ستوصله إلى مجد، أما طالب الدراسات الأخرى في كلية إنسانية فهو متردد من حيث ثقته بالمنهاج ولو أنه وثق بالمنهاج الذي يدرسه وأن هذا المنهاج يوصله إلى مجد بشكل أغلبي فسيتوجه إلى الدراسة أكثر. طالب الثانوية العلمية يدرس أكثر من طالب الثانوية الأدبية لأنه يثق بشهادة الثانوية العلمية وأنها توصله إلى أماكن لا يمكن أن توصله إليها شهادة الثانوية الأدبية، أنت تثق بمنهاجك الذي تعتبر نفسك مسؤولاً عنه، أنت تثق بكتاب ربك أنت تثق بإسلامك ؟ إن كنت تثق بإسلامك أعتقد أنك ستستشعر مسؤوليتك عن دينك أكثر من هذا الوضع الذي أنت عليه، القضية قضية ثقة عندما نثق بالشيء سيزداد شعورنا بالمسؤولية عنه لكننا عندما نفقد بعض الثقة أو الثقة بهذا الذي ننتمي إليه فلن نعمل له وسيضعف شعورنا بالمسؤولية نحوه: ﴿إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم﴾ يا أمة الإسلام السؤال واضح، تثقون بدينكم تثقون بأن الإسلام سيوصلكم إلى عز الدنيا وفلاح الآخرة ؟ إن كان الجواب نعم، فما هكذا يا سعد تورد الإبل، وما هكذا يتصرف الواثق بدينه وأنه مخلّص له من عذاب في الدنيا وعذاب في الآخرة، وأنه موصل إلى عزٍ في الدنيا ورفعة في الآخرة، ما هكذا القضية قضية ثقة بالمنهاج، أنت تصلي وتثق بأن الصلاة توصلك إلى إرضاء ربك الذي تسعى بشكل جاد إلى إرضائه، إذن ستكون مسؤوليتك عن صلاتك أكثر مما هي عليه الآن، أنت ترى وتثق بأن قراءة القرآن وأن تدبر القرآن يُعلي من شأنك في الدنيا والآخرة، إن كان الأمر كذلك فأنت ستشعر بالمسؤولية عن قراءة القرآن وتدبره أكثر مما هي عليه الآن، يا ناس ليست القضية قضية ادِّعاء، ليست القضية قضية دعوى، أقولها ثم بعد ذلك أتصرف على خلاف الذي قلت، أتريدون أن تقووا شعوركم بالمسؤولية حددوا على الأقل موقفكم من المنهاج الذي ارتضيتموه، من أجل أن يكون منهاجكم في حياتكم يوصلكم إلى مجد الدنيا وعز الآخرة، يوصلكم إلى نجاح الدنيا وفلاح الآخرة.
العامل الرابع إرادة الخير للناس، عندما تريد الخير للناس فأنت تقوي بذلك شعورك بالمسؤولية نحو الناس، ولكنك عندما تريد الشر بالناس فأنت تنعتق من مسؤوليتك الإنسانية ومن مسؤوليتك الاجتماعية ومن مسؤوليتك الأخوية ومن مسؤوليتك الإيمانية. نحن نعيش في هذا البلد اضطراباً شئنا أم أبينا، الجار لا يريد الخير لجاره ولو أنه يريد الخير لجاره لقوّى شعوره بمسؤوليته عن جاره لكنه لا يريد الخير لجاره والدليل على ذلك أنه لا يتعاون مع جاره وأنه يسهر حتى الصباح يؤذي جاره بصوته وأن جاره لا يأمن بوائقه، لو أننا نريد الخير للناس لقوي شعورنا بمسؤوليتنا عن الناس ولما صدرت عنا غيبة ولا نميمة، ولما كنا نأكل لحوم بعضنا في جلساتنا وسهراتنا، أتريد الخير للناس ؟ لماذا تقصّر معهم ؟ لماذا تأكل أموالهم ؟ لماذا تغشهم ؟ لماذا تؤذيهم ؟ لماذا تتطاول عليهم ؟ لماذا تتكلم معهم كلاماً لا يليق بمخلوق أسمى وصفه الله على أنه في أحسن تقويم ؟ عندما تريد الخير للناس يقوى شعورك بالمسؤولية عن الناس. كلنا يعاني في صيفنا وفي شتائنا من جاره ومن ولده ومن أبيه يعاني كل منا من تاجره يعاني كل منا من مديره ويعاني كل منا من وزيره يعاني كل منا من زميله ويعاني كل منا من تلميذه ويعاني كل منا من أستاذه لأن الكل لا يريد الخير للكل وإنما الأَثَرة أضحت عنوانه وإنما الأنانية غدت رمزاً أساساً من رموزنا، وبالتالي لا يجتمع شعور بالمسؤولية مع أنانية ولا يجتمع شعور بالمسؤولية مع أثرة وإنما الشعور بالمسؤولية ينتج إيثاراً وإنما إرادة الخير هي التي تقوي في داخلك الشعور بالمسؤولية، وهي التي تجعل منكَ إنساناً مسؤولاً من الطراز الأول وتتحول هذه المسؤولية إلى علاقات صحيحة مع الآخرين مع كلٍ بحسب المكان الذي يشغله.
فيا أمة الإسلام إن الطلاق المتفشي وإن سوء الأخلاق المتفشي وإن هذه العلاقات السيئة التي أصبحت الأرض التي نمشي عليها وأصبحت الغيمة السوداء الداكنة المحملة بالعذاب التي تظللنا، إننا لنسعى من أجل أن يقوى شعورنا بالمسؤولية وذلك من خلال إرادة الخير للناس، ومن خلال الثقة بالمنهاج ومن خلال الإيمان بالجزاء الدنيوي والأخروي ومن خلال الاستشعار الأكيد لرقابة الله عز وجل. اللهم إنا نسألك بحق أسمائك وصفاتك أن تقوي فينا شعورنا بمسؤولياتنا الملقاة على عاتقنا، نعم من يسأل أنت، ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.