الصحة النفسية المدرسية
يعيش الطالب بين الأسرة و المجتمع والمدرسة، فالأسرة هي المدرسة الاجتماعية
الأولى للفرد منذ طفولته وعبر مراحل حياته، وهي المسئولة الأولى عن
التنشئة الاجتماعية، وتعتبر النموذج الأمثل للجماعة الأولية التي يتفاعل
الطالب مع أعضائها ويعتبر سلوكهم نموذجاً يحتذيه، ومن العوامل الأسرية
المؤثرة في الصحة النفسية للطالب : الصحة النفسية للوالدين والأخوة،
وأساليب التنشئة ، والمستوى الاجتماعي الاقتصادي ، ومنها أيضاً العلاقات
بين الوالدين والطالب، والعلاقات بين الأخوة، ومركز الطالب في الأسرة سواء
كان وحيداً أو الأكبر أو الأصغر ... الخ ، لذا فالصحة النفسية في الأسرة
تتطلب مناخاً أسرياً، يحقق الحاجات النفسية وتنمية القدرات وتعليم التفاعل
الاجتماعي والتوافق النفسي والأدوار الاجتماعية وتكوين الاتجاهات ومعايير
السلوك والعادات السلوكية السليمة.
والمجتمع الذي يعيش فيه الفرد بمؤسساته المختلفة يؤثر في صحتة النفسية ،
ويفضل لو عمل المسئولون في كافة مؤسسات المجتمع على تحقيق الصحة النفسية عن
طريق تهيئة بيئة اجتماعية آمنة، تسودها العلاقات السليمة والعدالة
الاجتماعية والديموقراطية، والاهتمام بالفرد والجماعة ورعاية الطفولة
والشباب والكبار وإنشاء وتدعيم الهيئات والمؤسسات التي تحقق ذلك، ومراجعة
المعايير الاجتماعية، والقيم الصالحة والمثل النابعة من الأديان السماوية
ومن التراث الحضاري بما يحقق الصحة النفسية.
أما بالنسبة لدور المدرسة فلا يقتصر على إعداد المناهج الدراسية والأنشطة
المدرسية فقط بل يجب الاهتمام أيضا بالصحة النفسية لطلابها أو طالباتها و
لايخفى على الجميع أن الصحة النفسية المدرسية تعد مدخلا للسلوك الصحي ، لذا
يجب أن تتضمن الصحة المدرسية خططا تربوية و برامجاً إرشادية لا تتجزأ عن
المناهج الدراسية للوقوف مع الطلاب والطالبات لمساعدتهم على التغلب على
مشاكلهم النفسية و الانفعالية والقضاء على أجواء الملل و الفتور من الجو
المدرسي وتعليمهم السلوك الصحي داخل المدرسة وخارجها و بالإضافة إلى دور
المدرسة لن ننسى دور المعلم أو المعلمة بجانب دور المرشد أو المرشدة
الطلابية في تحقيق التوافق النفسي للطلاب ، فالطلاب متعطشون دائما الى
الدعم النفسي من معلميهم والإنعاش النفسي من المرشد الطلابي بالإضافة إلى
مدير أو مديرة المدرسة فهم الواجهة الأولى وهم المحركون لكافة الأفراد في
المدرسة بتوجيهاتهم ونصائحهم فلا بد أن تتضمن خططها وأنشطتها المدرسية بما
يحقق التوافق النفسي الصحي للطالب ولابد من إشراك الأسرة في مثل هذه
البرامج والخطط لزيادة وعي أولياء الأمور و يشكل ذلك قاعدة أمنية ثابتة
للطلاب ويخفف من حدة الاضطراب وأهمية ذلك في تأثيره على حياة وسلوك الأبناء
.
ولن يكون الطلاب والطالبات قادرين على مواجهة الصعوبات والتحديات المعاصرة
ما لم يكونوا في صحة نفسية جيدة و يكونوا قادرين على مواجهة الإحباطات
والقلق الدائم والتقلبات المزاجية ويكونوا قادرين على ضبط انفعالاتهم وألا
يكونوا مندفعين يستثارون بسرعة وتلك العوامل التي تؤدي إلى الأمراض النفسية
إن لم تمنع التقدم فهي بالتأكيد تعطله ، والصحة النفسية من أهم العوامل
المساعدة لتقدم التحصيل العلمي للطلاب والطالبات هو الاستقرار النفسي
والعقلي والجسدي ليكونوا فاعلين في المجتمع قادرين على الانتاج .
من هنا ينبغي لنا معرفة معنى الصحة النفسية وهي حالة يكون فيها الفرد
متوافقاً نفسيا ، ويشعر بالسعادة مع نفسه ومع الآخرين ، ويكون قادرا على
تحقيق ذاته واستغلال قدراته وإمكاناته لأقصى حد ممكن ويكون قادرا على
مواجهة مطالب الحياة، وتكون شخصيته متكاملة سوية ، ويكون سلوكه عادياً،
بحيث يعيش في سلامة وسلام.
والصحة النفسية حالة إيجابية تتضمن التمتع بصحة السلوك وسلامته لذا فالوصول
إلى صحة نفسية متكاملة وسوية شيء صعب ومن هنا نكتشف مدى أهمية الصحة
النفسية في حياتنا وكيف تساعدنا على مواجهة تحديات العصر ، وهي أيضاً في
جوهرها عملية توافق نفسي، والتوافق النفسي عملية دينامية مستمرة تتناول
السلوك والبيئة بالتغيير والتعديل حتى يحدث توازن بين الفرد والبيئة، وهذا
التوازن يتضمن إشباع حاجات الفرد وتحقيق مطالب البيئة.
التوافق النفسي يتضمن الرضا بالواقع المستحيل على التغير وتغيير الواقع القابل للتغير.
أبعاد التوافق النفسي: تحقيق مطالب النمو النفسي السوي في جميع مراحله
(الطفولة والمراهقة والرشد والشيخوخة)، بكافة مظاهرة (جسمياً وعقلياً
واجتماعياً وانفعالياً)، حتى يشعر الفرد بالرضا والسعادة.
الشروط التي تحقق التوافق النفسي: إشباع دوافع السلوك(مثل دوافع الجوع
والتملك ... الخ) ، وإشباع الحاجات (الفسيولوجية والحاجة إلى الأمن والحب
وتأكيد الذات ... الخ ).
أولاً:الحاجة إلى الشعور بالرضا النفسي
هناك معوقات قد تعيق الطالب عن الوصول إلى الرضا النفسي ومن أهمها شعور
الطالب بالاحباط الناتح عن العديد من المفاهيم الخاطئة سواء كانت ناتجة عن
أولياء الأمور أو حتى المجتمع أهمها الاعتقاد الخاطئ عن العلاقة بين التفوق
الدراسي والذكاء ، فالفشل الدراسي لا يعني قلة الذكاء ، لكن هناك ظروف
وعوامل قد تؤدي إلى الفشل مهما بلغت درجة الذكاء لدى الطالب مثل الجو العام
للأسرة ، الصحة العامة ، ظاهرة السرحان خلال أوقات المحاضرات أو الحصص
المدرسية أو الانشغال بأمور أخرى غير الدراسة ، لذا فإن هذا المفهوم الخاطئ
قد يسبب فقدان الطالب لثقته بنفسه وينتج عنه التوتر والقلق ويؤدي ذلك إلى
نشؤ المشاكل النفسية لديه ، لذا نعمد إلى توضيح هذه الاعتقادات الخاطئة
لزيادة الوعي لدى المجتمع بأهمية الصحة النفسية وتأثيرها على تحصيل الطلاب
كما ذكرنا آنفاً، أيضا هناك اختلاف الثقافة وتباعد الأجيال بين الأباء و
الأبناء ينتج عنه عدم توافق بين الطرفين بسبب تنازعاتهم على تطبيق مفاهيمهم
الصائبة تماماً من وجهة نظرهم دون اللجوء إلى التشاور بالعقل وتقبل آراء
الأخرين أو حتى التفكير فيها بمنطقية لذاينتج عن ذلك العديد من المشاكل
التي تؤدي بدورها إلى حالة الإحباط لدى الطلاب .
ثانياً:الحاجة إلى الانتماء والحب
ويضم العديد من الحالات الإجتماعية مثل الحاجة إلى تقبل الغير والتقبل من
الغير والصحبة والمحبة للغير والمحبة من الغير والتعاطف وتكوين الصداقات
ولا يستطيع الطالب إشباع هذه الحاجات إلا بالتعامل مع الآخرين بصورة أو
بأخرى . وهناك احتياجات أخرى تشكل المستوى الأعلى من هرم الحاجات الأساسية
وهي الحاجات الفسيولوجية وحاجات الأمن بالاضافة إلى الحاجات الذاتية التي
يثبت فيها الطالب كيانه كإنسان له ذاتية منفردة. واشباع هذه الحاجات يؤدي
إلى الشعور بالامتنان والراحة والدفء أما في حالة فقدانها أو احباطها عند
الطالب فإن مشاعر الحنين إلى الصحبة والانتماء إلى الجماعات التي يرتبط
معهم بأهداف ومصالح واحدة و توفر له عضويتهاإشباع تلك الحاجات ستلح عليه
إلحاحاً شديداً إذا ما استمرت لدى البعض قد تسبب لهم معاناة وآلام قاسية
تؤدي إلى الانهيار ، ويبدأإشباع الحاجة إلى التقدير بما يستشعره الفرد وما
يتوقعه من سلوك الغير ونحوه متمثلاً في درجة ونوع ما يظهرونه من اهتمام
واحترام وإلفة وثقة أو إهمال ولا مبالاة وتباعد وتحفظ. وهذا التقدير الصادر
للفرد من الغير يقوم على أساس تقييم الغير للأداء الفعلي للفرد بالنسبة
لغيره من بقية أعضاء الجماعة.
ثالثاً : تحقيق الذات
لتحقيق هذا النوع من التقدير يوجه سلوك الطالب نحو بذل كل ما يمكنه من جهد
للقيام بما يتوقع أنه عمل ذو قيمة اجتماعية بالنسبة للغير في المدرسة أو
حتى في الاسرة للحصول على تقديرهم ومن خلال تحقيقه النجاح في ذلك يتولد لدة
تقديراً لذاته وتقييماً لقدراته وأدائه ، لذا فإن الإحباط بالنسبة لهذه
الحاجة يؤدي إلى عدم الثقة بالنفس والشعور بالضعف والهوان وقلة الحيلة
وتثبيط الهمة والشعور بالنقص وما يتبع ذلك من تصرفات تعويضية .
ذلك لأن مستوى فاعلية الحاجة إلى تحقيق الذات يرتبط بمدى التوافق بين مستوى
الطموح لدى الفرد ومستوى قدراته وإمكاناته، فكلما تناسب القدرات
والامكانات مع مستوى الطموح زادت توقعات النجاح واستثيرت الحاجة إلى تحقيق
الذات أما إذا فاقت القدرات مستوى الطموح فإن النجاح يكون مؤكداً دون جهد
يذكر ومثل هذا النجاح الهين لا يشبع الحاجة إلى تحقيق الذات، كذلك عندما
يكون الطموح عالياً لا ترقى إليه القدرات والامكانات فإن النجاح يصبح بعيد
المنال وأقرب للمحال ويصبح الفشل متوقفاً فيسيطر الخوف منه ويكفه عن القيام
بأي جهد حتى لا يتعرض تحقيق الذات للإحباط.
وما نستنتجه من الكلام السابق أن كثير من المشاكل النفسية تحصل بسبب الجهل
والاستهتار وعدم الاهتمام بالصحة النفسية للطلاب وإهمال العديد من الأمور
الهامة بينما نركز على أشياء أخرى أقل أهمية وهذه المشاكل الناتجة لابد من
ايجاد الحلول لها وعدم إهمالها حتى لا تزداد صعوبة وتسبب للطالب المعاناة
والألم ويفقد ثقته بنفسه وقدرته على الانتاج.