التربية
تبدأ من البيت، وعن طريق الأسرة، ولكن ظروف الحياة قد تغيرت، ومتطلباتها
قد تعددت وتنوعت، وأعمال الأسرة قد تشعبت واتسعت، فأصبحت غير قادرة على
القيام بدورها في تربية الطفل دون مساعدة، فأوجب ذلك وجود مؤسسة أخرى
تساعدها على نقل التراث الثقافي ومساعدة الطفل على حسن التكيف مع الحياة،
وتعليمه العادات والتقاليد والقيم والنظم والمعتقدات والسلوك الإنساني الذي
يرضى عنه المجتمع.
ومن هنا جاءت المدرسة كمؤسسة اجتماعية تربوية، تقوم بمهمة التربية، جنباً
إلى جنب، مع الأسرة، وهذا يحتم على كلتا المؤسستين، الأسرة والمدرسة، أن
يتعاونا حتى يصلا بتربية الطفل إلى الهدف المنشود، وحتى لا يحدث بينهما
تناقض يترتب عليه تفكيك في شخصية الطفل وفقدان الثقة بالأسرة، أو المدرسة،
أو بكليهما.
وعلى الرغم من أن المدرسة تمثل المؤسسة الإجتماعية الرئيسية المختصة بشؤون
التربية والتعليم، إلا أنها ليست الوحيدة، إذ بالإضافة إلى الأسرة، هناك
مؤسسات أخرى، كالجمعيات العلمية والهيئات المهنية والدينية والأدبية
والرياضية ووسائل الإعلام وغيرها من الهيئات التي تشاطر المدرسة مهمتها
التربوية الهامة.
والمدرسة هي من أهم المؤسسات التي يعهد إليها المجتمع بمهمة رعاية أبنائه
وتنشئتهم وإكسابهم القيم والإتجاهات وأنماط السلوك البناءة، إلى جانب
إكسابهم المعارف والمهارات، حيث أن المدرسة لها أهدافها التربوية
والإجتماعية التي تعمل على تحقيقها لخدمة البيئة والمجتمع.فقد ظهرت
الإتجاهات الحديثة في التربية التي ترمي إلى ربط المدرسة بالبيئة المحيطة
وربط البيئة بالمدرسة.
ولقد أدخلت العديد من دول العالم برامج نظامية في التربية البيئة بالمراحل
التعليمية المختلفة من أجل المحافظة على البيئة المحلية ومقوماتها،إلا أن
هذه البرامج لم تسهم في الحد من تدهور البيئة بالشكل المطلوب.
وهكذا ينبغي الإهتمام بربط المدرسة وبرامجها التربوية بالبيئة
المحيطة.فالمدرسة تلعب دوراً كبيراً في تكوين الإتجاهات والقيم البيئية
وأنماط السلوك البيئي السليم لدى التلاميذ، والتي تمكنهم من حسن التعامل مع
البيئة، حيث أن التلاميذ يتأثرون بالأنشطة والممارسات التي تجري داخل
وخارج المدرسة.
ولكي تقوم المدرسة بدورها المنتظر نحو البيئة يجب أن تتضافر جهودها مع
العديد من الأجهزة والمؤسسات الموجودة بالبيئة المحيطة،مثل الوحدات المحلية
والأحياء والمجتمعات الأهلية والوحدات الصحية ودور العبادة.بالإضافة إلى
تعاون المدرسة مع بعض الأجهزة المعنية بشؤون البيئة.
والمجتمع ليس تجمعاً لبشر ومواطنين في فضاء مطلق.إنه تجمع في إطار جغرافي
وطبيعي محدد،مما يعني أنه والبيئة في تفاعل مستمر،فإذا تحسنت حال البيئة
انتعش المجتمع وتأمنت له أجواء التفكير في حاضره ومستقبله، والعمل المثمر
في الظروف كافة.
وتعد الأسرة من أهم مؤسسات المجتمع في تهيئة الأفراد للحفاظ على البيئة،
وحمايتها من كل مكروه، وبناء الإستعداد لديهم للنهوض بها، ودرء المخاطر
عنها، واستيعاب وتمثل قيم النظافة، وترشيد الاستهلاك، والتعاون على ما
ينعكس إيجاباً على البيئة.ويتمثل دور الأسرة بما يلي:
التصدي لمشكلة الإنفجار السكاني، بوصفها من أخطر مشكلات البيئة، حيث أصبح
هناك تزايد في معدلات السكان بسبب إرتفاع معدلات المواليد وانخفاض الوفيات،
وأسباب هذه المشكلة هو الجهل المعرفي، والديني، والعادات، والتقاليد، وضعف
وسائل التنظيم الأسري.
التصدي لمشكلة التلوث:
يكتسب الأبناء السلوكيات من خلال تعايشهم اليومي مع أسرهم، وبالذات
أمهاتهم، وتكاد التربية بالتقليد من أهم وسائل التربية، وتلجأ أليها الأسر
لبناء إتجاهات إيجابية عند الأبناء نحو البيئة.فالأسرة لها دور في معالجة
ما اعترى البيئة من مشكلات، ولها بعض الأساليب التي تستخدمها لبث الوعي
البيئي لدى الأطفال حيال المياه وتلوث المياه، على سبيل المثال:
أ- أن يتعامل الأبوان مع المياه بمثالية، فلا إسراف و لا تلوث للمياه.
ب- أن لا يمل الأبوان النصح والإرشاد وتذكير الأبناء بأهمية المياه.
ج- أن يؤشر الأبوان إلى بواطن الخلل في قضايا المياه، ويدلان الأنباء على مصادر التلوث.
د- أن يغرس الآباء في الأبناء قيمة النظافة في كل شيء.
ه- أن يشرك الأبوان الأبناء في عملية إبلاغ مؤسسة المياه عن أي تسرب للمياه.
التصدي لمشكلة استنزاف موارد البيئة:
إن للأسرة دورها في التصدي لمشكلة استنزاف موارد البيئة بكافة أشكالها
الدائمة والمتجددة وغير المتجددة.فالأسرة تسهم في بناء إتجاهات إيجابية عند
أطفالها نحو البيئة ومكوناتها، ودعم قيم النظافة.وثمة كثير من المفاهيم
البيئية تعلم في المنزل، مثل كيفية التخلص من النفايات الصلبة، ومقاومة
الحرائق، والاعتناء بنباتات الحديقة أو الحيوانات الأليفة.
وإن حماية وسلامة الموارد البيئية والتراث هي مسؤولية كل مواطن، وهذا يتطلب
وعياً إعلامياً بيئياً تربوياً، لذلك يجب تطوير الوعي البيئي عند المواطن
للتعامل مع البيئة بحكمة ورشد.لذلك لابد من وجود إستراتيجية للتوعية
البيئية لكي تسعى لتطوير القدرات البيئية في مجالات التعليم والتوعية
والإتصال البيئي لغايات المحافظات على عناصر البيئة والعامل معها بعقلانية
لتحقيق تنمية مستدامة تسهم في تحسين نوعية الحياة للمواطن والرفاه للأجيال
فالتربية البيئية تعتبر رسالة سامية من خلال أهدافها، ووسائلها اتجاه
الإنسان، وعلينا أن نوظفها في منطقتنا العربية لأنها تسعى إلى الحفاظ على
الإنسان والحياة، بعد أن كادت أن تفقد الكثير من مصادر نظراتها
وجمالها.ويدرك الإنسان ضرورة أن يتبع منهجاً يكون دافع للعمل في داخل بيئته
فيعتبرها الصديق الوفي.وما أعظم قول جان جاك روسو، الذي خاطب الإنسان
المتعب، الذي أنهكته متاعب الحياة، بقوله: عد إلى الطبيعة واستلق في
أحضانها !.
نعم، علينا أن نعود للطبيعة ونكون أوفياء لها، وهذا يتطلب الإلتزام
بأخلاقيات تربوية إتجاه البيئة، لكي نشعر بالهدوء و الأمان.والأمان بان هذه
الأخلاقيات تعتبر ثورة قوية تعمل على تعديل الإتجاهات السلوكية للإنسان
نحو إحترام البيئة مما يضمن إعادة التوازن البيئي، بعد أن هددته الكثير من
المخاطر بسبب غياب الأخلاقيات البيئية عن الممارسات التي كان يمارسها
الإنسان وهو يسير في عكس التيار ضد نفسه وبيئته
وهكذا،يمكن للتربية البيئية ويتحتم عليها أن تلعب دورا أساسيا في درء
مشكلات البيئة وحلها، ولكنه من الواضح أن الجهود التربوية لن تؤتي ثمارها
الكاملة إذا تجاهلت بعض العوامل الهامة الأخرى، ومنها على سبيل المثال أن
يكون هناك تشريع يسعى إلى تحقيق نفس الأهداف، وان تتخذ التدابير اللازمة
للسهر على حسن تطبيق القوانين وان تفرض قرارات حازمة وان يستعان بأجهزة
إعلام الجماهير التي يتزايد نفوذها بين الناس. وينبغي لكل هذه العوامل أن
تتظافر فيما بينها، وان تشكل كلآً مترابطاً حتى تستطيع أن تسهم في حماية
البيئة وتحسينها بصورة فاعلة..