قبس من السنة:ذم الكسل .
الحمد لله وحده وعليه التكلان, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد بن عبد الله وعلى آله الطاهرين و صحبه الكرام وسلم تسليماً كثيراً ..أما بعد: كان رسول الله يتعوذ من الكسل ويقول :" اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل، وضلع الدين ، وغلبة الرجال ". البخاري .
الكسل في الشرع: هو التغافل عن كل واجب فرضه الله تبارك وتعالى على الإنسان. كالكسل عن أداء الفرائض كالصلوات الخمس أو الصوم أو الجهاد, و كالكسل عن كل عمل نافع يضمن للإنسان حياة كريمة ويعفه ويصونه عن المسألة.
من صوره : التواكل فالكسالى يتخذون من التوكل ستاراً يخفون به كسلهم, فيتكاسلون عن واجباتهم بدعوى التوكل.
والله لم يأمرنا بهذا, بل أمرنا أن نأخذ بالأسباب وأن نسعى ونجتهد ثم نتوكل. رأى أحد الأئمة رجلا لا يعمل فسأله : لما تتكاسل عن العمل؟, فأجابه الرجل : أعمل بحديث رسول الله : ( لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطاناً) رواه أحمد . فعلم الإمام أن الرجل يفهم الحديث فهماً خاطئاً, فقال للرجل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر غدو الطير ورواحها ليدل على أن السعي مطلوب, فلو قعدت الطير في أعشاشها ما أتاها الرزق.
التكاسل عن الصلاة: التكاسل عن الصلاة إثم عظيم, لأن الله أمرنا بالمحافظة عليها, قال سبحانه : (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) البقرة/238. وذم المتكاسلين عنها وقال الباري سبحانه : (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ) التوبة/54 .فلو علم فضل الصلاة ما تكاسل عنها أبداً فهي تكفر الذنوب وتنقي النفوس, وتقرب العبد إلى ربه. قال : (الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مكفرات ما بينهن ، إذا اجتنب الكبائر)رواه مسلم . فقد ذم الله المنافقين بأنهم لا يقومون إلى الصلاة إلا وهم كسالى، فمن كان فيه هذا الوصف من المؤمنين كانت فيه صفة من صفات أهل النفاق وعلة المنافقين أنهم غير مؤمنين بفائدة الصلاة وجدواها، لذلك فهم إذا اضطرهم نفاقهم أن يقوموا إليها مسايرة للمؤمنين، وحتى لا ينكشف نفاقهم، قاموا إليها متباطئين كسالى.
بخلاف المؤمنين الصادقين فإنهم يقومون إلى الصلاة بهمة ونشاط، ورغبة صادقة، ولذلك وصف المؤمنين بأنهم يقومون إلى التهجد في الليل أو إلى صلاة الفجر تتجافى جنوبهم عن المضاجع ،وهذا عنوان مصارعة همتهم لحاجة أجسادهم إلى الراحة والنوم، فقال تعالى : (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) السجدة16/17.
التكاسل عن النوافل: ولما كان الشيطان عدوا للإنسان، وكان يكره منه الإيمان وعبادة الله والأعمال الصالحة، كان من وسائله تثبيط الهمم عن العبادة، والوسوسة بما يميل بالنفس إلى الكسل.وإذا تقرب العبد من ربه ذراعاً, تقرب الله منه باعاً, والنوافل طريق التقرب إلى الله, فمن تكاسل عن أدائها يحرم نفسه فضلاً عظيـماً.
التكاسل عن طلب العلم: الإنسان يولد ضعيفاً غير قادر على التفكير, ويكبر هذا شيئاً فشيء ويحتاج إلى التعلم ليتمكن من التعامل والتواصل مع الناس والعالم من حوله. والإسلام يحرص دائماً على رفعة أبنائه وتقدمهم ولا سبيل إلى ذلك إلا بالعلم لذلك كانت أول آيات القرآن دعوة إلى العلم فقال تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) العلق/1 .وقال : ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة ) الترمذي .فمن تكاسل عن تحصيل العلم فسوف يحرم نفسه فضلاً كبيراً, وطريقاً ميسراً للجنة.
التكاسل عن فعل الخير : أمرنا الله بفعل الخير, ويسر لنا سبلاً كثيرة لفعله, وفعل الخير يفتح أبواب الحب بين المسلمين, كما يفتح أبواب الجنة لفاعله, لأن الله تعالى يثيب فاعل الخير ويجازيه عنه خيراً, ولو كان عملاً بسيطاً, فإماطة الأذى عن الطريق صدقة. والمسلم يستطيع أن يكون من الفائزين بأحسن الجزاء بإخلاص نيته للخير, وعدم التكاسل عن فعله.والمجتمع الذي يتكاسل أفراده عن فعل الخير, , تضعف فيه حبال المودة, وتنغلق أبواب الألفة بينهم.
حكم الكسل :إذا تكاسل الإنسان عن واجب فرضه الله تعالى عليه وألزمه بفعله كأداء الصلاة وإيتاء الزكـاة وحج البيت عند الاستطاعة, فحكم هذا الكسل شرعاً التحريم ويأثم الكسلان, ويستحق من الله تعالى العذاب الشديد يوم القيامة إذا أصرّ على كسله. أما إذا تكاسل الإنسان عن عملٍ من الأعمال الصالحة التي رغب فيها الإسلام كزيارة مريض أو إماطة أذى عن طريق, فحكم هذا الكسل الكراهة لأنه يحرم صاحبه من ثواب عظيم كان سيناله لولا تكاسله.
والإسلام يعلي قدر المسلمين, ويبتغي لهم العزة والكرامة والحياة الفاضلة, ولا يتحقق ذلك إلا مع العمل, لذلك أمرنا الله تعالى به وقال سبحانه: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) التوبة/105.ونهى رسول الله عن الكسل, وبيّن لأصحابه أن العمل هو مقياس رفعة الرجل في قومه, وقد روى أن أقواما قدموا عليه فقالوا له: إن فلاناً يقوم الليل ويكثر الذكر. فقال: " أيكم يكفيه طعامه وشرابه" فقالوا: كلنا. -أي نتعاون على سد حاجته-. فقال : " كلكم خير منه" أبو داود ..والله تعالى لا يحب الكسول العاجز, بل يحب العبد النشيط العامل
اللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل، وضلع الدين ، وغلبة الرجال.