استراتيجيّات التعلّم والرياضيّات

استراتيجيّات التعلّم والرياضيّات
يُعرِّف بعض التربويين استراتيجيّات التعلّم بأنّها الخطط المدروسة بدقّة وَفق إجراءات منتقاة لتحديد الأساليب والمهارات التي سيستعملها الطالب لتنظيم عمليّة تعلّمه مفاهيم ومهارات جديدة داخل المدرسة أو خارجها بكفاءة وفاعليّة.
ويرى آخرون أنّها تتضمّن تنظيم أفكارنا السابقة بشأن موضوع معيّن وقراءاتنا عنه، وتحديد ما لا نفهمه، ثمّ إجراءاتنا التي نتخذها لاستيعاب أهمّ المعلومات المتعلّقة به، مثل: تدوين الملاحظات، والقراءات الجديدة التي تُوضِّح ما لا نفهمه، وعمل اللوحات والجداول أو الخرائط المفاهيميّة التي تُبرِز أكثر المعلومات أهميّة.
ما الفرق بين:
التعليم المباشر، واستراتيجيّات التعليم، واستراتيجيّات التعلّم؟
يرتكز التعليم المباشر على المعلّم، ويُركِّز على مساعدة الطلاب على تعلّم المهارات والمعلومات الأساسيّة.
في حين ترتكز استراتيجيّات التعليم على الطالب، وتُعلِّمه كيفيّة التعلّم وتذكّر ما تعلّمه للاستفادة منه عند الحاجة، وهو يشبه التعليم المباشر إلى حدٍّ كبير.
وفي أثناء استعمال المعلّم استراتيجيّات مختلفة للتعليم، يتعلّم الطلاب استراتيجيّات التعلّم بصفتها طرائق لتنظيم المعلومات واستدعائها عند الحاجة.
يجب توافر هذه الاستراتيجيّات الثلاث في كلّ درس؛ لأنّها تُكمِّل بعضها بعضًا.
يُوجِّه معلّمو استراتيجيّات التعلّم طلابهم إلى كيفيّة التعلّم والنجاح في حياتهم العلميّة والعمليّة. كما تُزوِّدهم هذه الاستراتيجيّات بطريقة للتفكير العميق في المسألة المطروحة والتخطيط لحلّها؛ لذا، يصبح مثل هؤلاء الطلاب متعلّمين أكثر فاعليّة واستقلاليّة.
لا يستطيع الطلاب الذين يعانون صعوبات في تعلّم الرياضيّات بناء استراتيجيّاتهم الخاصّة بالتعلّم؛ فتراهم ينتقلون - على نحو غير مدروس- من استراتيجيّة إلى أخرى دون الاستفادة من هذه الاستراتيجيّات بصورة فاعلة.
يفتقر هؤلاء الطلاب عادة إلى رصيد من استراتيجيّات التعلّم واستراتيجيّات حلّ المسائل، ممّا يستدعي تعليمهم إيّاها؛ إنّهم بحاجة إلى مَنْ يُعلِّمهم استراتيجيّات التعلّم بنوعيها:
· الإدراكي: يتضمّن القراءة، والملاحظة، والتقدير، والحساب. ويمكن تعليم هذه الاستراتيجيّة بسهولة إذا أكّدها المعلّم، وتابع استعمال الطلاب لها، وزوَّدهم بتغذية راجعة لأدائهم.
· ما فوق الإدراكي: وهي استراتيجيّة يتطلّب تعلّمها جهدًا وتركيزًا كبيرين؛ لأنّها تتضمّن طرائق اختبار وتحقّق ذاتيّين. يساعد هذا النوع من الاستراتيجيّات الطلاب على النجاح في تعلّمهم، وتسيير شؤون حياتهم المستقبليّة.
استراتيجيّات التعلّم والرياضيّات:
يمكن استخدام أنواع مختلفة من استراتيجيّات التعلّم في الرياضيّات. فاستراتيجيّات التعلّم الإدراكي متنوّعة، وبعضها بسيط، والآخر معقّد. ومن هذه الاستراتيجيّات:
· جمع عددين باستعمال مبدأ العدّ التصاعدي، بدءًا بالعدد الأصغر، وانتهاءً بالعدد الأكبر.
· استعمال أساليب الاستذكار. فمثلاً، لاستذكار حروف أوائل العمليّات الرياضيّة، يمكن استعمال:
(ق) لكلمة قوس، و (أ) لكلمة أُسّ، و (ض) لكلمة ضرْب، و(ق) لكلمة قسمة، و(ج) لكلمة جمع، و (ط) لكلمة طرح، فتكون الحروف الأولى من كلمات الجملة التالية دالّةً على ترتيب هذه العمليّات: قد أكون ضربت قرْن جدْيٍ طويل.
أو الجملة التالية: قال أحمد: ضممتُ قميص جدِّي طارق.
· فهم أنّ ضرب رقم في العدد خمسة يعطي عددًا آحاده صفر أو خمسة.
· استعمال استراتيجيّة أصابع اليدين لضرب أيّ عدد أقلّ من 10 في 9. (انظر المربّع أدناه).

ضرب أعداد أقلّ من 10 في 9
مثال: 4 × 9=
1- افرد أصابع يديك العشر أمامك.
2- عُدّ العدد الذي تريد ضربه في 9 (وهو هنا العدد 4) على أصابع يدك اليسرى، بدءًا بالخنصر، وانتهاءً بالسبّابة.
3- يكون عدد أصابعك على يسار الإصبع الذي وصلت إليه 3 أصابع، وهو يُمثِّل عدد العشرات في الإجابة؛ أي 30، وعدد أصابعك التي على يمين الإصبع الذي وصلت إليه 6 أصابع، ويُمثِّل عدد الواحدات في الإجابة؛ أي 6.
4- وعليه، تكون الإجابة: 3 عشرات، و 6 واحدات؛ أي 36.
تُعَدُّ الوسائل الماديّة طريقة ممتازة يُنمِّي بها الطلاب استراتيجيّات تعلّم لغويّة؛ لذا، يجب تشجيعهم على التحدّث، ووصف ما يجري في أثناء استعمالهم حاسّة النظر، والسمع، واللمس لحلّ المسألة باستخدام وسائل ماديّة، ممّا سيساعدهم على فهم أسباب الحقائق الرياضيّة الأساسيّة. وكلّما وفَّر المعلّم لطلابه وقتًا أطول لاستخدام الوسائل الماديّة في تمثيل المسألة وحلّها، والتحدّث عمّا يجري في أثناء ذلك، كان من الأسهل على الطلاب استرجاع ما تعلّموه في ذلك الموقف. كما أنّ استعمال الوسائل الماديّة يُمهِّد للتفكير المجرّد.
من الطرائق المهمّة لتعليم الطلاب استراتيجيّات التعلّم، قيام المعلّمين بتمثيل تلك الاستراتيجيّات، حيث ينبغي للمعلّمين توضيح عمليّة التفكير التي يستعملونها لتحليل المسألة وحلّها، ثمّ توضيح عمليّة التحقّق من الإجابة؛ بشرح خطوات التفكير، والتسلسل في حلّ المسألة.
يتعلّم الطلاب تقليد المعلّم وطريقة مناقشته مسائل مماثلة. وكلّما ناقش المعلّم - بصوت عالٍ- عمليّة تحقُّقه من منطقيّة حلّ المسألة، تحسَّن فهم الطلاب عمليّة حلّ المسألة، والتحقّق من الإجابات.
وكلّما تدرّب الطلاب على هذه الاستراتيجيّات، قلّ استعمال المعلّم للنماذج والوسائل المحسوسة، وزادت مقدرة الطلاب على اختيار الاستراتيجيّة المناسبة لكلّ مسألة.

مثال على مناقشة معلّم مسألة ما:
إذا كان معي 5 في منزلة الآحاد، و10 في منزلة العشرات، واحتجت إلى أخذ 8 واحدات، على الرغم من أنّني لا أستطيع أخذها من خانة الآحاد؛ نظرًا إلى عدم وجود ما يكفي في تلك الخانة. فماذا أفعل؟
أفْرُط العشرة التي في خانة العشرات إلى 10 واحدات، ثمّ أضمّها إلى الواحدات التي في خانة الآحاد، فيصبح معي 15 واحدة. بعد ذلك، آخذ 8 واحدات، وأعدّ الواحدات المتبقيّة، فأجد أنّ عددها 7 واحدات.
وللتحقّق من صحّة الإجابة، يمكنني أن أجمع الواحدات الثمانية التي أخذتها، والواحدات السبعة المتبقيّة: 7+8 = 15، وهو العدد الأصلي، إذن، إجابتي صحيحة.
عشرات واحدات
□□□□□ □□□□□□□□□□
⇓
□□□□□
□□□□□
□□□□□

كلّما واصل الطلاب التدريب، أصبحوا أكثر استقلاليّة في تعلّمهم، واقتربوا أكثر فأكثر من تحقيق هدف العمليّة التعليميّة التعلّميّة فيما يخصّ مقدرتهم على تعميم استراتيجيّات التعلّم واستخدامها في مواقف تعلّميّة أخرى. ويشار إلى أنّ كتب التربية تزخر بالكثير من أنواع استراتيجيّات التعلّم. وإحدى أهمّ هذه الاستراتيجيّات وأشهرها استراتيجيّة (جورج بولفا) ذات الخطوات الأربع لحلّ المسألة، التي تتضمّن ما يأتي:
· عمل خطّة لحلّ المسألة.
· تطبيق الخطّة.
· التحقّق من صحّة الإجابة.
لا تنطبق هذه الخطوات على حلّ مسائل في الرياضيّات والمباحث الدراسيّة الأخرى فحسب، بل تنطبق أيضًا على حلّ المسائل التي تواجهنا في حياتنا اليوميّة.
طرائق تطبيق استراتيجيّات التعلّم
بعد تعليم استراتيجيّات التعلّم، يمكن للطلاب حلّ المسألة فرادى، أو ضمن مجموعات صغيرة باستعمال إحدى الاستراتيجيّات. وفي أثناء ذلك، يتابعهم المعلّم، ويتحقّق من صحّة استعمالهم الاستراتيجيّة المختارة.
كيف يمكن تطبيق استراتيجيّات التعلّم في غرفة الصفّ؟
واجبات الإداريّين:
توفير تطوير مهني للمعلّمين خاصّ باستراتيجيّات التعلّم.
التحقّق من تعليم المعلّمين الطلاب هذه الاستراتيجيّات.
واجبات المعلّمين:
توفير مجموعة من الاستراتيجيّات لهم ليختاروا منها.
التدرّب على استراتيجيّات تعلّم جديدة حتى الإتقان.
تعريف الطلاب أهميّة استراتيجيّات التعلّم في أثناء تدريسها ليثيروا اهتمامهم بها.
ربط الاستراتيجيّات بالمادّة التعليميّة.
تطبيق عدد من الاستراتيجيّات في كلّ حصة لتناسب الفروق الفرديّة بين الطلاب.
تشجيع الطلاب باستمرار على استخدام استراتيجيّات التعلّم في مواقف تعلّميّة.
متابعة الطلاب للتأكّد أنّهم يستعملون الاستراتيجيّات بصورة صحيحة.
تشجيع الطلاب على استخدام استراتيجيّات التعلّم في المباحث الدراسيّة الأخرى.
ختامًا، يجب أن تكون استراتيجيّات التعلّم جزءًا من كلّ درس. وكلّما طبّق المعلّم هذه الاستراتيجيّات في أثناء حلّ المسائل اليوميّة، ودقّق في استعمال الطلاب لها، وشجّعهم على استعمالها بطرائق مختلفة، استطاع الطلاب تعميم هذه الاستراتيجيّات في نواحٍ أخرى من حياتهم، وأصبحوا أقدر على التعلّم الذاتي.