هل أنت من الذين يُحبّهم الله؟
تخيّل معي ... الله عز وجل يُنادي جبريل: يا جبريل إني أُحِبُّ فلاناً فأَحبَّهُ ... ينادي باسمك أنت ... نعم أنت ... تخيّل معي ... الله جلّ جلاله، ملك الملوك، الذي كلُّ ملوك الأرض عبيد أذلاء عنده، ينادي باسمك، مُخبراً جبريل، أعظم الملائكة قدراً ومكانة، أنّه يُحبُّك ويطلب من جبريل أن يُحِبّك ... يا الله ما أعظمها من لحظات وما أعلاها من منزلة، أنت العبد المسكين الضعيف يذكُرك الجبّار العظيم، العزيز القوي المتين، ويقول أنّه يُحبّك، يا الله ما أعظم الله ... بعد هذا، ينادي جبريل في أهل السماء من الملائكة: يا أهل السماء، إن الله يُحبّ فلاناً فأحِبّوه ... مرة أخرى!! سبحان الله ... ما أكرم الله، الآن كل أهل السّماء يُحبّوك .. نعم أنت ... أنت الذي تمشي على الأرض وتكدّ وتكدح ولا يلتفت إليك النّاس ... يُحبُّك الله ويذكُرك لجبريل فيحبُّك جبريل ثُمّ تُحبّك كل الملائكة في السماء ... يا الله ما أعظمها من مكانة وما أغلاه من فوز ... ولكن بقي هنالك المزيد ... بعد أن تُحبُّك الملائكة يوضع لك القَبول في الأرض ... فيُحبُّك أهل الأرض من المؤمنين ... سبحان الله ... والذي نفسي بيده لو أنّ هذه المكانة وهذه المنزلة تُشترى بكنوز الأرض كلِّها وحسْب لكان ثمناً بخساً زهيداً، ولكن هيهات! فما بهذا تُعطى المنازل والمراتب عند الله سبحانه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ اللَّه إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيل فَقَالَ يَا جِبْرِيل إِنِّي أُحِبّ فُلاناً فَأَحِبَّهُ قَالَ: فَيُحِبّهُ جِبْرِيل، قَالَ: ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْل السَّمَاء إِنَّ اللَّه يُحِبّ فُلاناً فَأَحِبُّوهُ قَالَ: فَيُحِبّهُ أَهْل السَّمَاء ثُمَّ يُوضَع لَهُ الْقَبُول فِي الأرْض ". رواه مسلم.
بعد هذا نطرح سؤالاً: هل أنت من الذين يُحبّهم الله؟ سؤال عظيم، لكي تُجيب عليه تحتاج إلى أن تعرف من هم الذين يُحبهم الله وما هي صفاتهم ثُمّ تُنزلُ هذه الصفات على نفسك وتنظر! هل أنت فعلاً تحمل شيئاً من هذه الصفات؟ أم أنك محروم من أيٍّ منها والعياذ بالله.
إذا قرأنا القرآن، وتأمّلناه، فسنجد أن هنالك تسعة أصناف ذكرهم الله وقال أنه يحبّهم سبحانه، فمَن هم أولئك الذين يُحبّهم الله؟
قمت ببحث سريع لتسهيل سردهم في هذا المقال ...
فكانت النتيجة أن الله ذكر الذين يُحبّهم في سبع عشر موضعاً في كتابه، وهم على النحو التالي:
ذكر الله سبحانه أنه يُحِبُّ المحسنين في خمس آيات.
ذكر الله سبحانه أنه يُحِبُّ المُقسطين في ثلاث آيات.
ذكر الله سبحانه أنه يُحِبُّ المتّقين في ثلاث آيات.
ذكر الله سبحانه أنه يُحِبُّ التوّابين في آية واحدة.
ذكر الله سبحانه أنه يُحِبُّ الصّابرين في آية واحدة.
ذكر الله سبحانه أنه يُحبُّ المُطّهِّرين في آية واحدة.
ذكر الله سبحانه أنه يُحِبُّ المُتطهِّرين في آية واحدة.
ذكر الله سبحانه أنه يُحِبُّ المُتوكّلين في آية واحدة.
ذكر الله سبحانه أنه يُحبُّ (الذين يُقاتلون في سبيله صفّاً) في آية واحدة.
فلينظر كلّ واحد منّا في نفسه، هل فيه من صفات أولئك الذين يُحبّهم الله فنُهنّيه !! أم أنه محرومٌ فنُعزّيه ؟!
ومن القصص التي تُحكى وفيها عبرة: أن رجلاً من الناس جاء إلى هشام بن عبد الملك فقال له: يا أمير المؤمنين! قد كانت لي ضَيعةً -وهي الأرض كانت تُعطى للمقربين من الأمراء بغير حق-، أعطاني إياها عبد الملك، وأقرّني عليها الوليد، وأقرّني عليها سليمان، ثم جاء عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فأخذها مني، وأريد منك أن ترُدّ عليّ ضيعتي، فقال له الخليفة: أعد ما قلت، قال: كان لي ضيعة، أعطاني إيّاها عبد الملك، وأقرّني عليها الوليد وسليمان، ثم جاء عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فأخذها مني، وأريد أن ترُدَّ علي ضيعتي، فتعجّب كيف يترحّم عليه وقد أخذ ضيعته، ولم يترحّم على الذين أعطَوه!!
إنّ الإنسان لا يملك إلاّ أن يحبَّ من أحبه الله، وأن يُجري الله على لسانه ذلك، ولو قيل لهذا الرجل: أيهما خيرٌ عندك، عمر بن عبد العزيز أم هشام والوليد ؟! فإنه لن يعدل بـ عمر بن عبد العزيز أحداً أبداً، وإنْ كان يشكو أنه أخذ منه ضيعته، فإن ذلك إنما هو من باب الحرص على الدنيا وحب الخير، كما قال الله عز وجل: ( وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ) لكن لأن فيه بذرة خير -وهي الإيمان الذي في قلبه- فإنك تجد نفسه تندفع لتترضّى وتترحّم على ذلك الرجل الذي أحبّه الله، فألقى له المحبة في الأرض، فلا يبصِرهُ أحدٌ إلا وهو يحبهُ ويثني عليه.
وأخيراً أوصي نفسي المقصّرة بالاجتهاد في طاعة الرحمن سبحانه والسعي لنيل محبته ورضوانه، والله يا إخواني وأخواتي إن هذه الدنيا قصيرة، والموت آتٍ لا محالة، فليَنظُر كلٌّ منّا لنفسه وليحاسبها على تقصيرها وليأخذ بلجامها وليكن هدف كل واحد منّا أن يذكره الله لجبريل قائلاً: يا جبريل، إني أحبُّ فلاناً فأحبّه.
أسأل الله بمنِّه وجوده وكرمه أن يجعلني وأحبائي الذين يقرأون مقالتي هذه من الذين يُحبهم سبحانه ويُذكُرهم في الملأ الأعلى إنه جوادٌ كريم.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.