العلاقة بين التنشئة الوطنية و الإستقرار
الوطنية هي مفهوم التمسك بالوطن ، الولاء والإنتماء المطلق له. إمتلاك مشاعر الحب والإخلاص والفخر تجاهه ، والإستعداد للتضحية من أجله. تطور هذا المفهوم في أواخر عصر النهضة ، بعد أن ظهرت في القاموس السياسي مفاهيم ، تدل على القيم الديمقراطية والإشتراكية والإنسانية.
وتوسع تعريف الوطنية ليشمل العلاقات بالناس ، والإرتباط بالأرض والعادات والتقاليد وعناصر الإفتخار والإعتزاز بتأريخ الوطن. ويشترط البعض بالوطني أن يكون مخلصاً للدولة والحكومة أيضاً.
أما القومية ، فهي مفهوم الإنتماء الإجتماعي الذي تتكوّن وتتراكم عبر الأجيال ، لدى مجموعة من الناس تشعر بروابط الدم واللغة والثقافة ، وأحياناً الدين. وتخضع المشاعر القومية إلى العوامل السايكولوجية ، أكثر من الحسابات الواقعية الملموسة. ويعتقد القوميـون في جميـع الحالات ، أن قوميتهم متميزة عن جميع القوميات الأخرى.
فالتنشئة الوطنية تعد من الموارد الأساسية لتحقيق الأمن و الإستقرار في أي وطن في العالم. فيجب على كل دولة أو مجتمع أن يتبعوا مبدأ التنشئة الوطنية و ذلك لأنها تلعب دورا في بناء الأجيال و في إحياء الإستقرار و الإزدهار في أي وطن.
فالتنشئة الوطنية الفاعلة التي يتم تدعيمها وتقويتها بمشاعر الولاء والانتماء القوي للوطن تلعب دورا كبيرا في الحفاظ على أمن واستقرار المجتمع والدولة، وهو الهدف الإستراتيجي الأوحد الذي كان ولازال يعد محور اهتمام القيادات السياسية بصفة عامة والعلوم السياسية والاجتماعية بصفة خاصة ومنها السياسات المقارنة وعلم الاجتماع السياسي.
فهي تأتي من خلال التوجيه في المدارس و الجامعات عن طريق البرامج و المناهج المتبعة فيها أو عن طريق المدرسِّين الذين يجب أن يعلموا واجباتهم تجاه طلابهم و وطنهم عبر تفعيل مبدأ الوطنية .
أما وسائل الإعلام فتلعب دورا في توجيه المواطنين إلى المواطنية و إلى التركيز على المنهجية الوطنية و اللا غرائزية فذلك يتم عبر برامج تلفزيونية و إعلانية إن كانت عبر وسائل الإعلام المرئية إما عبر وسائل الإعلام المسموعة فتتم عبر مقابلات بهدف تطوير المواطنة و المواطنية و أهميتها، أما وسائل الإعلام المكتوبة فتتم عبر مقالات منشورة هدفها تحفيز الوطنية و المواطنة.
لا يمكننا تحفيز مبدأ المواطنية بطريقة واحدة فجميع هذه الطرق يجب أن تكمل بعضها البعض لكي نصل إلى النتيجة المطلوبة.
فالتنشئة الوطنية تلعب دورا كبيرا في المجتمع و ذلك من عدة نواحي و هي :
سياسية :
عند نشوء أي نظام فهو يرتكز على مبادىء موحدة بين المجتمع و أبرز هذه المبادىء و هي الوطنية و الحس الوطني فعندما يفتقد هذا الركن لا يمكننا أن نسمي تلك البلدان ذات وطنية بل إنها تسمى بالنسبة إلي بكانتونات مركبة ليس لديها أي لون إلا اللون العنصري أو الطائفي أو العشائري الموجود فيها .
فقوميات البلدان ترتكز على مبدأ الوطنية و التنشئة لكي تتمكن من خلق جو للتفاعل فيما بينهم البعض و لخلق إستراتيجية مستقبلية يتمكنون من المضي إليها مستقبلا.
فمثلا إن الدولة العبرية هي مؤلفة من إتنيات متعددة لكن ركنها الأساسي هو الوطنية على أساس إنشاء دولة يهودية و إكتشاف هيكل سليمان فلولا ذلك لرأينا هذه الدولة منهارة منذ زمن بعيد.
فعند وجود تنشئة وطنية فعالة نتمكن من إستحداث إزدهار سياسي و ذلك عبر الوصول إلى النخبة السياسية المؤتمنة على وطنها ، و بذلك نصل إلى إصلاح إداري و إلى سياسة مالية ممتازة تؤدي إلى تطوير و تنمية الوطن على جميع الأصعدة ( بيئية، إقتصادية ، إجتماعية ، صحية ، ثقافية و إنسانية....)
إجتماعية:
التنشئة الوطنية تلعب دورا كبيرا في الإندماج الإجتماعي ، فعندما نكون في جو وطني لا طائفي أو عنصري تندمج مختلف الثقافات في بعضها العض لأنهم يصبحون لديهم هدف واحد و هو وطنهم و ليس غرائزهم. وفي إندماج إجتماعي نتمكن إلى التوصل إلى الديمقراطية و ذلك يعني الإستقرار . لأن في ظل الأنظمة الدكتاورية نصل إلى العنف و العنف يولد العنف.
فإن معظم دول العالم الثالث التي تعاني من عدم استقرار سياسي واجتماعي ومن تحديات أمنية داخلية جاءت نتيجة لتفاعلات إجتماعية سلبية خطيرة تمخضت بدورها عن ضخ كميات ضخمة من عمليات التطوير والتحديث على الصعيد الإقتصادي والاجتماعي والتربوي ( كرفع مستوى التعليم )، في شرايين المجتمع بهدف تحقيق التنمية الوطنية الشاملة السريعة.
من هنا يمكن القول أن معظم عمليات الإرهاب والعنف السياسي التي يواجهها العالم منذ سنوات طوال واستفحلت مخاطرها الكمية والنوعية منذ أحداث 11 سبتمبر من عام 2001 نتاج لتنامي حدة المشاكل والتحديات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية العديدة (وخصوصا الدينية والعقائدية) في بعض المجتمعات الإنسانية، التي بدورها تمخضت عما حدث في تلك المجتمعات من تغيرات كمية ونوعية في جميع مجالات الحياة الإنسانية الإجتماعية والمادية والروحية من جهة, ومن الجهة الأخرى لكون تلك التغيرات الضخمة والسريعة لم يواكبها تغيرات مماثلة في عمليات التنشئة الاجتماعية والسياسية الصحيحة للأجيال الشابة لاستيعاب جميع مكونات تلك التغيرات الكمية والنوعية والمتغيرات المادية المستحدثة.
و عندما نتحدث عن النقطة الإجتماعية فهنا أيضا نربطها بالتطور الفكري و التنمية الإجتماعية على صعيد عدة أصعدة:
التنمية البيئية حيث يصبح لدى المواطن وعي لأهمية البيئة و دورها :
• جمالية فتكثر المناظر الخلابة مما يؤدي إلى تفعيل السياحة و بذلك تفعيل الإقتصاد.
• نفسية فإنها تلعب دورا للإرتياح النفسي في الوقت عينه لدى المواطن مما يؤدي إلى أكثر إنتاجية .
• صحية إن هناك أمراض كثيرة و منها مميتة تنتج من خلال التلوث البيئي فعندما نرعاها و نخلق فكر بيئي جديد و الحفاظ عليها نتمكن من تخفيف الأمراض الناتجة من التلوث البيئي .
تفعيل العمل التطوعي و الإجتماعي و مساعدة الآخرين مما يؤدي إلى التآخي و وقوف المواطنين إلى جانب بعضهم البعض، فذلك بغض النظر عن الإندماج الإجتماعي يصبح لدينا منهجية تؤدي إلى تطوير الخبرات و إلى الفكر السلمي و المحبة و ليس كره الآخر و الخوف منه و هذا ما يحتاجه بلدان العالم الثالث كثيرا.
التربوية:
التربية ترتبط إرتباطا وثيقا بأوضاع المجتمع وظروفه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والأخلاقية واللغوية - نظرا لكونها إحدى ظواهر المجتمع الإجتماعية - فإنها إلى جانب ذلك ترتبط في نشأتها وتطورها ووظائفها بالمجتمع وظواهره الاجتماعية الأخرى.
وسواء نظرنا للتربية بإعتبارها ظاهرة إجتماعيه ونظاما اجتماعيا أو عملية إجتماعيه، فان نظرتنا لها تؤكد على أهمية دورها الوظيفي التربوي بالنسبة للمجتمع. فهي كنظام أكاديمي تسهم في دعم المجتمع وتأكيد مقوماته وقيمه لدى أعضائه. بالإضافة إلى ما تسهم به بالنسبة لإكساب أعضائه من الخبرات والمهارات ما يمكنهم من شغل أدوارهم في المجتمع.
وبصفة عامة توجد علاقة إيجابية متبادلة بين التنمية الاجتماعية والتنمية السياسية والتنمية الاقتصادية. على سبيل المثال فإن تبني قرار تطبيق سياسة التعليم العام الموحد (الذي يعد قرار سياسي إجتماعي) على كافة المواطنين يستخدم كوسيلة رئيسية وأداة هامة من أدوات التنمية الإجتماعية والسياسية والثقافية المتماثلة التي عادة ما تسهم بدورها في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستقرة.
فتعتبر التربية وسيلة رئيسية هامة من وسائل عمليات التنشئة الاجتماعية والسياسية في المجتمع (التنشئة الوطنية) نظرا لفاعليتها المباشرة في إعداد وتكوين شخصية الفرد وتدعم قدراته بتزويده بالعادات والتقاليد والمفاهيم والقيم الحضارية والثقافية وعوامل التكامل الإجتماعي والوظيفي.
نفسية:
لكل حركة إنسانية في شكل فعل طبيعي أو غير طبيعي ( بمعنى مصطنع أو مقصود) حركة أو حركات مضادة في شكل ردود أفعال طبيعية أو غير طبيعية ( إرادية أو غير إرادية). ومن هنا فإن الحركة الإجتماعية السريعة يتمخض عنها حركات أو ردود حركات مختلفة منها الإيجابي ومنها السلبي. كما وأن الحركة الاجتماعية الفجائية أو الغير منظمة قد يتمخض عنها أيضا بالضرورة ردود حركات مختلفة في أشكال متنوعة منها السلبي ومنها الايجابي.
ومن الواضح أن العنف بصفة عامة والإرهاب بصفة خاصة نتاج لعملية حراك اجتماعي معينة تم تحريكها بتفاعل قوى عوامل مختلفة منها العوامل السياسية والعقائدية والنفسية والإقتصادية بل وحتى العوامل الاجتماعية ذاتها. لذلك فإن المخاطر الناجمة عن عملية التحرك الاجتماعي السلبي ( الحراك الاجتماعي السلبي) سواء تجاه الذات أو في الاتجاه الخاطىء تتطلب ضرورة البحث والتقصي في عوامل ومسببات ظهورها الداخلية والخارجية وعلاقاتها الوظيفية بالبيئة الاجتماعية وبالبيئة السياسية وبالبيئة الثقافية العامة السائدة وذلك لمعرفة مدى تأثرها بقوى التغير الداخلي أو التغيرات الخارجية الناجمة عن عمليات التغير في مكونات البيئة الإقليمية أو الدولية وخصوصا البيئة المادية والعلمية التقنية.
فتؤثر الإتجاهات النفسية التي تفسر مضمون الرسائل التي تنتقل عبر أجهزة وقنوات الإتصال السياسية التي تربط بين أطراف المتغيرات المختلفة على كافة المستويات والأصعدة الداخلية أو المحلية والدولية أو العالمية. على سبيل المثال إذا كان الاتجاه السائد مثلا، يميل إلى تحديث عملية التنشئة الوطنية وإعادة بلورتها وبرمجتها لتتلاءم مع التطورات والتغيرات الدولية, فمن الضروري أن يتم ذلك تحت غطاء سياسات الإصلاح والتعديل والتطوير الوطني تبدأ بعملية تسويق سياسية عامة وشاملة وتوظف جميع وسائل الإعلام لإنجاحها. وأخيرا تتطلب تعبئة اجتماعية وسياسية مركزة لكافة القوى الاجتماعية والسياسية الواعية والمدركة لأهمية التغير والانتقال من وضع لوضع وفقا لمسيرة حراك اجتماعي مخطط ومدروس.
الإقتصادية:
النقطة الإقتصادية مرتبطة بشكل مباشر و غير مباشر بكل الخصائص. فإنها تلعب دورا مميزا في الناحية الإجتماعية و السياسية و الأمنية و الإجتماعية.
فمن الناحية السياسية فأغلبية الدول تبني سياساتها على أساس إقتصادي... فإننا نرى الحروب التي تجري بشأن الموارد الأساسية الموجودة في البلدان مثلا: الحرب التي حصلت على العراق و ذلك بسبب النفط الموجود فيها و لكسب موقع جغرافي جديد للسيطرة على البلدان ذات موارد أخرى.
ومن جانب آخر تسهم سياسات التنمية الاقتصادية في إحداث تغيرات إجتماعية جزئية وأحيانا شبة شاملة (سواء في سلوكيات ومفاهيم وتطلعات الأجيال الجديدة الشابة) تجاه المجتمع والبيئة والعوامل العلمية والتقنية المحيطة به وخصوصا البيئة الخارجية. وكذلك من المفترض أن تسهم التغيرات التنموية الإقتصادية في حدوث تغيرات سياسية مؤسساتية لإستيعاب تلك التغيرات الإقتصادية والتغيرات الاجتماعية بالتحديد.
فما الذي حدث حتى الآن، أن التغيرات الإجتماعية التي نجمت عن التنمية الاقتصادية وأدت إلى تغيرات جوهرية في الهياكل والمؤسسات الاجتماعية والإقتصادية لم يواكبها نوعا من التغيرات المماثلة في المؤسسات السياسية وخصوصا مؤسسات المجتمع المدني المختلفة التي بمقدورها التحكم في مختلف مكونات ومصادر القوى الاجتماعية من خلال إستيعابها وإمتصاص إندفاعها وحماسها أو تشغيل طاقاتها في مجالات مختلفة.
و عندما ندخل في نقطة الإقتصاد لا يمكننا و إلا التحدث عن موضوع الفقر الذي يعاني منه العالم بأجمعه.
فأزمة الفقر عالميا تعد كارثة بشرية و خصوصا في دول العالم الثالث و الدول الفقيرة، فيعيش فوق كوكب الأرض 6 مليارات من البشر. يبلغ عدد سكان الدول النامية منها 4.3 مليارات، يعيش منها ما يقارب 3 مليارات تحت خط الفقر وهو دولاران أميركيان في اليوم، ومن بين هؤلاء هنالك 1.2 مليار يحصلون على أقل من دولار واحد يوميا.
وفي المقابل توضح الإحصاءات الغربية بالأرقام أن الدول الصناعية تملك 97% من الامتيازات العالمية كافة، وأن الشركات الدولية عابرة القارات تملك 90% من امتيازات التقنية والإنتاج والتسويق، وأن أكثر من 80% من أرباح إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية يذهب إلى 20 دولة غنية.
وفي البلدان النامية نجد أن نسبة 33.3% ليس لديهم مياه شرب آمنة أو معقمة صالحة للشرب والاستعمال، و25% يفتقرون للسكن اللائق، و20% يفتقرون لأبسط الخدمات الصحية الاعتيادية، و20% من الأطفال لا يصلون لأكثر من الصف الخامس الابتدائي، و20% من الطلبة يعانون من سوء ونقص التغذية.
وفي المقابل تبلغ ثروة ثلاثة من أغنى أغنياء العالم ما يعادل الناتج المحلي لأفقر 48 دولة في العالم، كما أن ثروة 200 من أغنى أغنياء العالم تتجاوز نسبتها دخل 41% من سكان العالم مجتمعين. وتوضح الدراسات أنهم لو ساهموا بـ 1% من هذه الثروات لغطت تكلفة الدراسة الابتدائية لكل الأطفال في العالم النامي.
وبينما يموت 35 ألف طفل يوميا بسبب الجوع والمرض ويقضي خمس سكان البلدان النامية بقية اليوم وهم يتضورون جوعا، تقل المساعدات المخصصة للدول الفقيرة عن طريق منظمة الأمم المتحدة عما تنفقه تسعة من البلدان المتقدمة على غذاء القطط والكلاب في ستة أيام فقط.
أمنية:
عند وجود ثقافة وطنية لدى أي مجتمع في العالم فالأمن يستتب و ذلك بسبب الحس الوطني الفعّال ، فيصبح الجيش و قوى الأمن يأتمنون على أمن و إستقرار البلد و ذلك بسبب حرصهم على وطنهم و بلدهم الذين يشعرون بالفخر لإنتمائهم إليه، و ذلك يأتي بمساعدة المواطنين إليهم عن طريق الإخبار أو المساعدة المعنوية.
ولا شك أن أهمية القضايا الأمنية المعاصرة وخطورتها على أمن وإستقرار المجتمع الإنساني بدون استثناء أو تخصيص تتطلب تعاون علمي وثيق وجهود علمية مكثفة تضع نصب أعينها ظاهرة الإرهاب والعنف السياسي كهدف رئيسي لا مناص من التعامل معه بجدية وإيجاد الحلول الناجعة والفاعلة لمعالجة تلك الظاهرة والقضاء عليها, وهي مهمة علمية شاقة تتطلب توظيف الأساليب والطرق التحليلية المختلفة للعلوم الاجتماعية بكاملها.
فكل ذلك يصب في مصلحة الإستقرار في أي وطن و الإستقرار هي النقطة الأهم لدى أي بلد في العالم لأن لها أدوار كثيرة و كبيرة . فهو يولد الإزدهار الإقتصادي و الإجتماعي. فعند وجود إستقرار في أي بلد معين تندفع رؤوس الأموال إلى الإستثمار فيه و ذلك لأنه ملذا آمنا لإستثمار أموالهم فيه و جني الأرباح. و ذلك يلعب دورا في تأمين فرص عمل للمواطنين ، و عند تأمين فرص العمل يصبح المواطن تركيزه على جني لقمة عيشه و ليس الإتباعية و الجاهلية و الحروب.
و على صعيد الإستقرار يصبح هناك محو للأمية و ذلك عبر تقديم العلم المجاني و الإجباري أو عبر الإزدهار الإقتصادي الموجود فيتمكن المواطنون من تعليم أبنائهم و ذلك يلعب دورا في تطوير فكر المواطن و في تطوير الموارد الرئيسية لأي بلد ، و ذلك عبر التكنولوجيا المتطورة و في خلق أفكار إبداعية للوطن....
فالوطنية لا توجد في جميع البلدان فهناك بعض الدول عملت على تطوير المواطنة و المواطنية أما القسم الآخر عمل على تفتيت و تشرذم وطنه.
فمثلا سويسرا دخلت في حرب أهلية لمدة أعوام و هي مؤلفة من أربع إثنيات تمكنت من خلق فكر وطني فعال و هي اليوم من أكثر البلدان التي لدى مواطنيها و جيشها حس وطني و تنعم بإستقرار و أمن مستتب. و اليوم سويسرا تعد من أكثر البلدان في العالم تطورا و ذلك بسبب الوطنية و الذي أدى إلى الإستقرار الأمني و السياسي و الإقتصادي.
فعدلت في دستورها الكثير من البنود و ذلك لتتمكن من تفعيل مبدأ المواطنة و الوطنية في البلد. وقد تمكنت من توقيف حروبها الإتنية و من التدخلات الخارجية و كل ذلك بسبب دور التنشئة الوطنية التي وضعتها إستراتيجية أولى لبلدها و الذي أدى إلى إستقرار البلد.
و اليوم سويسرا من أقوى الإقتصادات في العالم و تتمتع بالإستقرار و ينهج مواطنيها بمبدأ الوطنية و نلاحظ أن سويسرا تتمتع بجيش وطني فعال رغم التنوع الإتني و المذهبي.
أما على الصعيد الآخر فنعطي مثلا سلبيا في بلد لم يطبق مبدأ التنشئة الوطنية و المواطنة و هو لبنان. فإننا منذ إستقلاله في 22 تشرين الثاني عام 1943 لم يأخذ منح وطني و لم يعتمد مبدأ التنشئة الوطنية.
فهو مؤلف من ثمانية عشر طائفة و كل طائفة متخوفة على نفسها مما جعل كل طائفة أن تتبع دولا خارجية قوية قد تؤمن لهم الدعم العسكري و المادي و المعنوي.
ثانيا، بسبب ضعف سياسة لبنان داخليا و خارجيا و عدم تطبيق الديمقراطية بشكل صحيح و فعال مما يؤدي إلى إنتاج طبقة سياسية سيئة و تابعة للخارج. لأن السياسي اليوم ركنه الأساسي هو المال و ليس التشريع ، فلا يوجد أي نوع من المحاسبة أي لا يوجد تطبيق للديمقراطية.
ثالثا، موقع لبنان الجغرافي بين سوريا و إسرائيل يلعب دورا كبيرا بالتميز بين الفرقاء الداخليين و باللجوء إلى الخارج لحماية أنفسهم من أي أذى قد يلعب دورا فيه أحد البلدين...فيلتجىء السياسي للخارج لحماية نفسه من المساومات الإقليمية و الخارجية.
فهنا رأينا أنّ بلدا كلبنان لديه ميزة إجتماعية ، جغرافية ، سياسية و إقتصادية لم يتمكن من التطور و التميز على الصعيد الوطني و ذلك بسبب عدم إتباعه سياسة التنشئة الوطنية مما لم يؤدي إلى إستقرار و ذلك منذ إستقلاله لم ينعم بإستقرار و النقطة الأهم لذلك أن شعبه لا يعتمد على مبدأ المواطنة بل على مبدأ المحاصصة و الطائفية.
فإنه لم ينعم بالإستقرار حتى يومنا هذا و لم يتمكن الساسة من خلق دستور ناجح للبلد و ذلك إنني أربطه في عدم إنتخاب نخبة سياسية فعالة و قادرة على خلق و تطبيق دستور وطني يؤدي إلى نعمة الإستقرار، و التي تبدأ من خلال تطبيق مبدأ المواطنة التي تلعب دورا في إنتاج طبقة فعالة من المواطنين و إنتاج النخبة السياسية التي يكون هدفها الأول و الأخير هو مصلحة الوطن و المواطن.
فكيف نتمكن من تحقيق المواطنة في لبنان؟
نبدأ بتحقيق مبدأ المواطنة و التنشئة الوطنية في لبنان عبر تطبيق قانون إنتخابي مدروس و فعّال، ففي لبنان نرتكز على قوانين إنتخابية ذات نظام أكثري، و لكن بنظري الحل هو أن نتبع قانونا إنتخابيا ذات نظام نسبي ، لأنه في الظل النظام الأكثر تتجسد الطائفية لدى الساسة و المواطن و ذلك هو عكس مبدأ المواطنة.
أما من خلال نظام المحافظة مع النسبية يصبح وجود أكثر للإختلاط المناطقي و الطائفي و لم يتمكن أحد من حصر قرار الطائفة بيده.
فبعد وصول النخب و التنوع في الطائفة الواحدة و إلغاء حصرية القرار بيد زعيم واحد في المجلس النيابي نتمكن من البدء في الإصلاح الإداري و السياسي لنبدأ بتفعيل مبدأ المواطنية.
و ممكن أن نبدأ على صعيد آخر و هو المجال التعليمي و ذلك عبر تطبيق مناهج دراسية و تربيوية تلعب دورا في تفعيل فكرة المواطنية لديهم، و هناك دورا لدى المعلمين لكي يفعلوا واجبهم تجاه وطنهم و تلامذتهم لكي ننشىء فكرة الوطنية لدى التلاميذ و ممكن أن يحصل ذلك عبر التوجيه المهني و ذلك عبر تذكير التلامذة على مدى أهمية واجبهم الوطني و تطبيق مبدأ المواطنة في حياتهم الخاصة و في المجتمع.
أما على صعيد وسائل الإعلام فيجب تفعيل التلفزيون الوطني لكي يؤدي الدور الذي يجب أن يلعبه من خلال البرامج التي تحث المواطن على المواطنية، و يجب خلق قانون إعلامي جديد يمنع أي إعلان أو أخبار تؤدي إلى تشغيل النعرات الطائفية.
أخيرا، ما رأيناه أنه لا يوجد شيء مستحيلا في العالم ، و لكن ما نحتاجه هو المثابرة و التخطيط لكي نصل إلى ما نطمح له. فالمواطنية أمر مهم جدا و يجب جميع دول العالم أن تتبع منهجية المواطنية لكي يتمكنوا من إنشاء دول عصرية و مزدهرة ، و لكي نتمكن من تحقيق ذلك يجب إتباع التنشئة الوطنية منذ الصغر لكي نصل إلى أجيال عصرية تؤمن بالمواطنة ، لأنه سوف ينتج الديمقراطية و الإستقرار و الإزدهار. فلا نتمكن من إستحداث الإستقرار من دون تنمية المنهجية المواطنية، لأنه في ظل غياب هذا الفكر ما يؤسس له المواطن أو السياسي هو لأساس فردي مما يؤدي إلى تفكيك المجتمع و من بعدها نصل إلى حروب داخلية مما إلى الفوضى و العجز في جميع الأصعدة.
فأتمنى لو نتمكن من تطبيق مبدأ التنشئة الوطنية الفعلية في لبنان ، لأن الجميع يتباهى بالوطنية لكن لا يوجد تطبيق فعلي لهذا المبدأ، ليس من الناحية السياسية و لا من الناحية الإجتماعية . فهدف الأجيال القادمة يجب أن يكون التنشئة الوطنية في الطليعة لأننا إذا لم نتبع ذلك فلبنان متجهه إلى المجهول.
فكما ذكرت سابقا أن مبدأ التنشئة الوطنية و الإستقرار هما توأمان ، فالمجهول أعني فيه أننا سوف ندخل في خندق عميق يؤثر على أولادنا و الأجيال صاعدة و سوف نتجه إلى التقسيم الذي يؤدي إلى تفتيت المجتمعات في لبنان، و من بعدها نصبح في بلد مؤلف من عدة دول و بذلك تنتهي الهوية اللبنانية.