الانصات اقرب الطرق لكسب الاخرين
الحمد لله الذي قوّمنا وأرشدنا وعلَّمنا آداب التعامل والتواصل فكنا بذلك خير أمة أخرجت للناس.. فكان الدين مرتبطا بالخلق.. وكان خير الناس عند الله هو أنفعهم للناس.
الحمد لله الذي بعث لنا رسولا قال فيه: {وإنك لعلى خلق عظيم}، فعلمنا الأخلاق والآداب لنكون بها قدوة وشامة.
ومن أخلاق حبيبنا عليه أفضل الصلاة والسلام نستقي اليوم فنتكلم عن فن الإنصات الذي أتقنه حبيبنا المصطفى فآذاه الكفار غيظاً، وقالوا {هو أذن}، وكان عليه الصَّلاة والسَّلام خير من أتقن هذا الفن.. فأنصت للكبير والصغير.. والغني والفقير.. أنصت إليهم بقلبه لا بسمعه، فملك بذلك القلوب والعقول..
فالإنصات أسهل وأقصر وأسرع الطرق لاكتساب ثقة الآخرين وودهم ومحبتهم، وإفساح المجال للحوار البناء بين المتكلم والمستمع وهو الفيصل بين الفهم وسوء الفهم.
وفي قوله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون}، ذكر الله تعالى الاستماع والإنصات، فهل من فرق بينهما؟
الاستماع هو تلقي الأذن للكلام سواء بقصد أو من غير قصد، أمَّا الإنصات فهو قصد الاستماع والتركيز فيما يقول المتكلم مع عزل المؤثرات المحيطة.. فالإنصات هو حسن الاستماع ويشترط الهدوء والخشوع والانتباه ليرقى الاستماع إلى درجة الإنصات.
وقيل: (حسن الاستماع قوة للمتحدث)، فقد يتوهم البعض أنَّ الإنصات ضعف، ولكني أرى الضعيف عاجزاً عن مهارة فيها من الصبر وكبح جماح النَّفس الشيء الكثير.
وهنا أسئلة تطرح نفسها.. هل الإنصات فن؟ وهل تطبيقه يحتاج للتدريب والممارسة؟
فكثيراً ما نسمع أو نقرأ عن فنون الحوار والإقناع، فنون الإتيكيت والذوقيات، فنون التواصل.. ولكن قلّ أن نقرأ موضوعا يتحدث عن فن الإنصات..
نعم غاليتي.. الإنصات فن.. ولعلَّه أصعب تطبيقاً من الفنون الأخرى.. الإنصات فن يصعب إتقانه إلا بعد الكثير من الجهد وترويض النفس وكبح جماح رغباتها، فالنفس بطبعها تميل للكلام، لأنَّه السبيل للتعبير الطبيعي عن الذات، فالكلام هو الوسيلة التي ننفس من خلالها عن مشاعرنا المختلطة، وأفكارنا المختلفة، ولكن التواصل لا يكون بإعمال الأفواه وإهمال الآذان، فإنما خلق الله لنا فماً وأذنين لنتكلم مرة وتستمع مرتين.
فالإنصات فن عظيم من فنون الكلام، ولن تكوني متحدثة جيدة حتى تتقني فن الإنصات، تخيّلي حواراً أو نقاشا ًبين شخصين لا يجيد أي منهما فن الإنصات كل منهما يريد إطلاق ما عنده دون الاكتراث بما عند الآخر، فهذا ما أراه قمة في الأنانية.
قال أحد الحكماء: (إنَّ بعض القول فن، فاجعل الإنصات فناً)، فهلا أرحنا الأفواه قليلاً، واستمعنا لجليسنا بقلب حاضر متيقظ, فلعل الإنصات لهموم الآخرين وآلامهم مع إشعارهم بالاهتمام يكون الطريق الأيسر والأسرع للوصول لقلوبهم، وقد قيل: إنَّ فن الإنصات هو أعظم وأحلى وأغلى هدية يمكن أن تقدمها لمن تحب.
وهنا سؤال يطرح نفسه: هل يجب على الداعية أن تتعلم فن الإنصات؟؟
يجب على الداعية قبل غيرها، وللوصول لقلوب الآخرين، أن تتعلم كيف تتقن هذا الفن.
فبحسن الإنصات تشتعل المودة وتومض المحبة، فيسهل الطرق على القلوب.
ولنا في حبيبنا عليه السَّلام خير قدوة.
وماذا عن الزوجة؟؟
وهل أقرب إلى قلب الزوج من زوجة ودودة تستمع لزوجها وتنصت بقلبها قبل أن تنصت بأذنيها، فتكون الرفيقة الرقيقة والزوجة الصديقة..
والأم مع أبنائها.. إذ كيف أكون أماً إن لم أنصت لأبنائي وأتحسس آلامهم وآمالهم من خلال كلماتهم..
وكيف أكون أماً حنونا رؤوماً، وأنا لا أكلف نفسي عناء الإنصات لابني الذي جاء شاكياً أو مبشراً أو حالماً..
والمبكي أن الكثير من الأمهات يتقن فن الإنصات، إلاَّ مع الأبناء، فنراها داعية مصلحة خارج بيتها متجاهلة أو مشغولة حينما يتعلق الأمر بأبنائها.. فيبدأ الأبناء بالبحث خارج البيت عمّن ينصت إليهم ويستمع لمشاكلهم، وهنا تكون الطَّامة الكبرى..
كداعية.. أم.. أو زوجة.. مهما كانت وظيفتي.. أو مكانتي يجب أن أعلم أن الإنصات فضيلة ونعمة..
بعض النصائح التي نأمل أنها ستساعدك على إتقان هذا الفن:
أولاً: عقد العزم على التغيير وإخلاص النية لله تعالى.
ثانياً: أنصتي بقلبك لتشعري أختك أنك فعلاً مهتمة بأمرها.
ثالثاً: تصوّري أنّك المتحدثة، وضعي نفسك مكان أختك، ماذا كنت تأملين منها؟؟ الإنصات؟؟ إذن عاملي الناس بما تحبين أن يعاملوك به.
رابعاً: توجهي إلى أختك بالنظر، فذاك يشعرها باهتمامك بما تقول.
خامساً: اسمعي ما تقول عيناها، فالعينان تبوحان بما لا تبوح به الشفاه.
سادساً: أعط الفرصة لمن أمامك بإخراج كل ما بداخله، فذاك يمكنك من تجميع أجزاء الصورة وفهم ما يرمي إليه المتحدث.
سابعاً: اعلمي أنّك بالإنصات تكونين أقرب لأحبائك وأعلم بأحوالهم وأقدر على محبّتهم فذاك تمام التواصل.
ثامناً: إيَّاك وتصنّع الإنصات، فذاك لا يصنع وداً.
وأخيراً: اعلمي غاليتي دوماً أن الأجر الجزيل والثواب الكبير، إنَّما تنالينه من الله عزَّ وجل على كلّ مهارة تكتسبينها في سبيل الارتقاء بأسلوبك الدعوي.. وما توفيقي إلاَّ بالله.